«معنى القرن الحادي والعشرين»: خمسمئة شكسبير في الثانية، وصدمات أخرى
إن كل ما كتبه شكسبير في حياته يمكن تسجيله بحوالي 70 مليون بتاً, والآلة التي أكتب عليها تمتلك ذاكرة رئيسة تعادل حوالي 14 شكسبير, ومستودع البيانات الكبيرة يحتوي على حوالي مليون شكسبير. كما أن حزمة ليزرية يمكن أن ترسل 500 شكسبير في الثانية على ألياف اليوم البصرية.
هذا ما ابتدعه جيمس مارتن كوحدة للقياس أراد أن يصدم بها العالم الجديد والجنس البشري الغافل عما ينتظره من عقبات في رحلة تقدمه السريعة, وذلك بعد أن استخدم اسم الشاعر الانكليزي كوحدة لقياس الحجم, متمنياً على إنسان هذا العصر أن يتوقف لحظة تأمل حول المسار الذي يسير فيه ليعي حجم الخطر المحدق به, محذراً إياه في الوقت ذاته من أن استمراره على ما هو عليه من لا مبالاة قد يودي به إلى كوارث غير محمودة العواقب, بل ومرعبة النتائج, أو عليه توجيه الدفة إلى القدرات الهائلة التي من الممكن أن توصله إلى بر الأمان؛ ولحياة أكثر إثارة تتسم بحضارات رائعة. رسالة مهمة ذات طابع إنساني بحت أراد أن يوصلها مارتن عبر كتابه «معنى القرن الحادي والعشرين - صادر عن الهيئة العامة للكتاب 2011- ترجمة أحمد رمو » ليقدم حلولاً حول المشكلات التي يمكن أن تواجهنا مستهلاً حديثه بالسؤال التالي: «في أي زمن تريد أن تعيش؟ » ليستعرض بعدها ما ستؤول إليه الأمور في الوقت الحالي من تلويث للكوكب, ومخاطر في زيادة عدد السكان المرعب وفرط الاستهلاك, النقص في الموارد كالماء وغيره, الشركات المهيمنة أيضاً التي تعتبر أكبر من الدول, و«النانو تكنولوجيا سريعة التقلب- تطبيق علمي يتولى إنتاج الأشياء عبر تجميعها على المستوى الصغير من مكوناتها الأساسية، مثل الذرة والجزيئات.» تحضر هنا أيضاً المجاعات المدمّرة, الإرهاب, أسلحة الدمار الشامل وإمكانية حرب بيوتكنولوجية, أما الأسوأ من ذلك فأن نُمنى بكارثة حرق الكوكب.
نقطة البداية عند مارتن لتقديم الحلول كانت من الأرض؛ الكرة الصغيرة التي اعتبرها بعض العلماء كائناً مريضاً درجة حرارته مرتفعة جداً, حيث يتوجب علينا معالجة هذه الحمى وذلك بتشخيص الحالة, لمكافحة هذا المرض بالقضاء على المسبب الذي يحتاج لمجهود هائل لخفض محتوى الكربون في الجو, كما ينبغي التأكد من توفر كفايتنا من الغابات المطرية واختراع وسائل جديدة للتخلص منه, كما أنه يتوجب أن ندرك أننا نعيش ضمن حدود موارد كوكب من الممكن أن تنفذ, حيث إننا لا نستطيع أن نستنزف موارد الكون من غير حساب, كما يجب علينا البحث عن موارد طاقة نظيفة, ونماذج جديدة للآلات, وأن يكون استخدامنا للمياه منتظماً لتفادي إحداث خلل كبير في الكوكب. غير أنه علينا أيضاً أن نتنبه إلى أن قوى المستقبل القريب كبيرة جداً لدرجة أنها ستغير مسار الحضارة, و بالتالي سوف يتم تغيير الثقافات بشكل لا إرادي, الشيء الذي سيؤثر على الأجيال القادمة بشكل سلبي من ناحية البيوتكنولوجيا التي من شأنها تغيير الطبيعة البشرية. كما أن المؤلف طالب العالم بالتوقف عن إدمان النفط, إذ بلغ سعر الاحتياطي منه ستين ترليون دولار قبل ارتفاع سعره وساعة إعداد دراسته, معللاً ذلك أنه في حال انطلقت البشرية لوقف الكوارث المناخية المستقبلية عليها أن تنتقل إلى أشكال غير نفطية للطاقة, وقتذاك من المؤكد أنه سيتم التخلي عن جزء كبير من هذه الكمية الهائلة من أموال ضخمة بإمكاننا توجيهها لمصلحة استمرارنا بأشكال مختلفة. أما عن الانقسام الثنائي فقد اعتبر الكاتب أن الدول النامية هي دول معدمة ومفلسة لا دولاً نامية كما جرى تسميتها معتبراً أن هذه الدول تكون على سلم يؤدي إلى التحسن تدريجياً, بينما كما نشاهد أن ثلث سكان العالم تقريباً يعيشون في أماكن يكسبون فيها أقل من دولارين يومياً, ويعيش نصف بليون من الناس على أقل من دولار يومياً. معتبراً أنه منذ إعداد هذه التقارير وحتى منتصف قرن قادم ستكون زيادة عدد السكان أكثر في البلدان الأفقر, زيادة تقدر ببليونين إلى ثلاثة بلايين, الشيء الذي سيؤدي حتماً إلى زيادة معاهد المتشددين التي تقدم الطعام مقابل السيطرة على شعوب بلدان العالم الثالث.
إذاً من الواجب علينا أن نقضي على الفقر ونتخلص من البؤس والجهل, وحتى لا يتهم مارتن من قبل القارئ بالمثالية استعان مرشد عصر المعلومات بقول «جيفري سكس» مؤلف كتاب نهاية الفقر: « نحن لا نحتاج إلى كمية كبيرة من المساعدة المالية, بل نحتاج إلى مهارة أساسية لإدخال التغيير إلى المكان؛ إضافة إلى ما يكفي من المال للتأكد من أن التغيير يحدث» مؤكداً أن التحدي الأكبر للبشرية هو التطور السريع للتكنولوجيا الذي علينا أن نتجنبه ونحسن ترويضه لمصلحتنا.
لقد حصر الكاتب المشكلات الضخمة مطالباً العالم أجمع أن يجابهها, فليس بمقدور دولة وحيدة أن تواجهها, كما أنه اعتبرها مسؤولية عالمية, لاسيما أن كل دول العالم قد ساهمت وما زالت تتسبب في معظم هذه المشكلات التي حددها بارتفاع درجة الحرارة, النمو المفرط للسكان, نقص المياه, تدمير الحياة في المحيطات, المجاعات العامة في البلدان السيئة التنظيم, انتشار الصحارى والأوبئة, إضافة ً للفقر الشديد و نمو مدن الأكواخ, الهجرات العالمية التي لا يمكن وقفها, الأسلحة التي تتوفر بكثرة بيد الجماعات الدينية العنيفة المتطرفة التي لا تمثل جماعات حكومية, الذكاء الحاسوبي الجامح, الحروب التي تنهي الحضارة والتي من شأنها تهديد وجود الجنس البشري وخلق عصور وسطى جديدة.
كما يبحث مارتن في فكرة التحكم بهذا العصر الرقمي من خلال نظريات الخلق والاستنساخ التي بدأت بخلق نباتات واستنساخ الأرواح كالنعجة الشهيرة «دولي», أي التطور السريع في علم الجينات الذي يوصلنا للتعديل على تكوين المخلوق البشري ذاته, متخوفاً من شيء اعتبره محاولة تلاعب في الحياة ومن شأنه أن يوصلنا لتعديل الأجيال المستقبلية لاسيما أن عيادات الخصوبة باتت متوافرة بشكل واسع, ففي عام 1978 ولد أول طفل أنبوب حمل اسم الفتاة «لويزا براون» وجوبهت آنذاك باحتجاجات هسترية ومطالبات بحظر أطفال الأنابيب, لكن الأسلوب تطور بشكل سريع وولد الملايين من أطفال الأنابيب في العالم؛ وتطور أيضاً نوع التخصيب ليصبح في الزجاج, إضافة إلى «بنوك البيض الآدمية» التي باتت منتشرة في العالم, كما أن تلك البيوض تباع بأسعار عالية لاستخدامها في المستقبل, ناهيك عن إمكانية انشطار البيضة الأنثوية الواحدة إلى عدد من البويضات حيث يمكن أن تُلقح جميعها ليتم بعدها اختيار ما يناسب الزوجين.
نجد مما تقدم و جواباً على سؤال جيمس مارتن, ما معنى القرن الحادي والعشرين؟ أن التطور كانت تحكمه الطبيعة, لكن اليوم تدخل أيدي البشر في هذا التطور إلى حد كبير, وإذا أتمتنا هذا التطور فإن سرعة التغيير تصبح هائلة بسبب تدخل الإنسان لاسيما أن التطور الذي تمنحنا إياه الطبيعة بطيء جداً تجاه التطور الذي تصنعه أيدي البشر, ليكون الإنسان المتهم و المسؤول الأول عن هذا التطور السريع, خاصةً أنه غير متقن لأدوات اللعبة, إذ يجدر به أن يلعبها بحذر ويستخدم مهاراته العلمية بشكل مسؤول. حيث إن الجزء الحيوي لمعنى القرن الحادي والعشرين يعني ألا ندفع آليات تحكم الأرض إلى نقطة أبعد من نطاق تنظيمها لنفسها واستقرارها, حتى نحافظ على الجمال المطلق للمستقبل الطويل الأمد للجنس البشري, كما ينبغي أن نتوجه إلى مناجم الثروة الحقيقية, لنتحول من الثروات المادية إلى الثروات المعرفية؛ إذ إن الثروة الكبيرة لم تعد تأتي من مناجم الفولاذ والماس أو غزو البلاد, لكنها تأتي من العقل, لكون الثروة الأكبر اليوم تكمن في اقتصاد الأفكار, والأغنياء في هذا العصر هم الأشخاص الذين يكونون أساتذة في وضع الأفكار الجديدة موضع التطبيق, أمثال «بل جيتس, ومايكل دل» فالقيمة تكمن في الفكر أكثر منها في الموارد التقليدية كالمال والجهد, الأرض, الموارد الطبيعية.
هي الكوارث المحدقة بنا وحلولها تنبأها مارتن ووضعها نصب أعيننا, كلاهما من صنع الإنسان وبات عليه أن يختار, حيث إنه لن يتم التصدي لها إلا إذا غيرنا أسلوب حياتنا وطرق تفكيرنا, آخذين بالحسبان ما يمكن أن تقدمه لنا التكنولوجيا متنبهين في الوقت ذاته إلى أن الأخطار المحدقة بنا ليست نووية وحسب؛ وهذا ما يؤكده مارتن بقوله: «إنها حواسيبنا التي تظهر هذه النماذج المفصلة, وعلينا ألا نتأخر في المبادرة, و إذا فهمنا هذا القرن فإن مستقبلنا سيكون رائعاً أكثر من أي شيء تصورناه حتى الآن في تاريخ البشرية.
لؤي ماجد سلمان
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد