«ملك الرمال» لنجدت أنزور.. السينما في مواجهة السياسة
بعد عرضه في العاصمة البريطانية لندن 11 أيلول الماضي، افتتح فيلم «ملك الرمال» للمخرج نجدت إسماعيل أنزور عروضه في دار الأوبرا السورية مساء الخميس الماضي بعرض خاص تليه عروض تجارية في كل المحافظات السورية؛ إذ غصت القاعة الرئيسة لدار الأوبرا بجمهور بدا متعطشاً لمشاهدة الفيلم رغم التشديدات الأمنية التي شهدتها أبواب ومداخل السينما الواقعة في قلب العاصمة السورية، إلا أن عشاق السينما تقاطروا للحضور تحت قذائف الهاون التي أطلقتها قوات المعارضة على المكان، لكنها وقعت في محيط ساحة الأمويين، من دون أن تثني أحداً من هؤلاء عن الحضور.
تدور أحداث الشريط حول سيرة آل سعود بعد أن أثار جدلاً منذ الإعلان عن قرب عرضه في ربيع العام 2012؛ متناولاً عبر ساعة ونصف من الزمن تاريخ مؤسِّس الدولة السعودية عبد العزيز بن عبد الرحمن بن آل سعود، وتفاصيل الرحلة المشوّقة التي قام بها بعد خروجه من منفاه في الكويت وغزوه للرياض وإنهاء فترة حكم آل الرشيد هناك، وانتقاله بعدها إلى نجد وحائل والإحساء في العام 1921، وقضائه على الأسرة الهاشمية هناك بالتعاون مع الإنكليز، عبر جاسوسهم الشهير جون فيلبي الملقب بعبد الله المهتدي.
الفيلم الذي تمّ تنفيذه بتقنيات عالية، وبإنتاج ضخم شارك في بطولته ممثلون إيطاليون وأتراك وبريطانيون، في مقدمتهم الإنكليزي بيل فيلوز والإيطالي فابيو تستي. عانى من التضييق لأنه يفضح ويعرّي المجازر الوحشية التي ارتكبها آل سعود في شبه الجزيرة العربية. وذلك بمساندة حلفائهم في كلّ العالم، كما يفضح ممارسات آل سعود ضدّ الفرق الصوفيّة التي كانت تسكن بلاد الحجاز العربية وقتذاك، والتي أُبيدت عن آخرها على يد الوهابية السعودية بتهمة الكفر والتصوّف وعبادة القبور، فقتلوا وأحرقت بيوتهم، واغتُصبت نساؤهم، ويُتِّم أطفالهم تحت شعار «السيف والدين»، حيث يصر مخرج الفيلم على لغة بصرية استمدت مادتها الرئيسة من مشاهد عنيفة بعد إحالة تظهر في تتر الفيلم تقول «مستوحى من وقائع حقيقية» مفتتحاً أنزور هذا الشريط بمشاهد تفجير برجي التجارة بنيويورك ومشاهد من تفجيرات مترو لندن ومدريد كسياق تاريخي متصل أراده لمقاربة جذور ومنابع الإرهاب الدولي المنظم، ومن ثم ليتنقل بين زمنين هما زمن الأيام الأخيرة من حياة عبد العزيز آل سعود وزمن شبابه؛ مشاهد خاطفة وأخرى ذات إيقاع بطيء يحبس الأنفاس، معارك ضارية بين عرب وأعراب، نساء تسبى، رجالُ تذبح مع قطعان دوابها، أيدٍ تقطع، ورؤوس تطير في فضاء صحراء تخفي مخادع نساء السلطان العنين الذي كما يورده الفيلم؛ والذي يطرب لشيئين لا ثالث لها: رؤية الدم ينفر من رقاب أعدائه وصوت تأوهات العذارى عندما تُفضُ بكارتهن، شلالات من دماء تتدفق من الشاشة، صراخ وعويل ثارات متتالية بين آل شمر والرشيد من جهة، وبين آل سعود، حركة لولبية لكاميرا لا تهدأ ولا تملّ، معارك سيوف ورجم بالحجارة لرجل وامرأة حتى الموت بعد ضبط المطاوعة لهما بتهمة الزنا، تتبعها مشاهد توقيع الاتفاق التاريخي بين آل سعود وحكومة بريطانيا العظمى بإعطاء فلسطين كوطن قومي لليهود، أحداث متسارعة تعلن قيام المملكة العربية السعودية في ظل تحالفات دولية بالإجهاز على السلطنة العثمانية «الرجل المريض» وتقاسم ثروات المنطقة، إذ يبدو «ملك الرمال» محاولة لتسجيل وثيقة عن شخصية مؤسس الدولة السعودية، ورغبة جامحة لدى مخرج الفيلم على ربطه مباشرةً بالحدث السوري حيث يختتم شريطه السينمائي هذا بمشاهد لمقاتلين من المعارضة السورية يعلنون عن تشكيلهم للواء «عبد العزيز آل سعود» لمقاتلة النظام السوري «الكافر».
سامر محمد اسماعيل
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد