«موسكو 3»: رغبة سورية ـ روسية غير مؤكدة
من المرجّح أن تكون الحكومة الروسية بصدد البدء بتحضيرات لاجتماع ثالث في سياق سلسلة اجتماعات موسكو، وذلك بغاية «إضافة أثر ملموس» على اجتماع فيينا الذي انعقد منذ أسبوع، والاستفادة من زخم الاجتماع المقبل في حال عقد قبل منتصف الشهر الحالي.
ووجّهت وزارة الخارجية الروسية دعوات لأعضاء «هيئة التنسيق الوطنية» المعارضة في سوريا لعقد اجتماعات سياسية في موسكو بعد منتصف الشهر، كما تناقش مع معارضين آخرين سبق وشاركوا في اجتماعات موسكو 2 و 1 إمكانية توجيه دعوات متقاربة لهذه الغاية.
و«ترغب كل من موسكو ودمشق» بلقاء «موسكو 3» وفقاً لما قاله مسؤول سوري، إلا أن نجاحه يبقى مرهوناً بعوامل عدة. وتعتقد موسكو، وفقاً لفهم دمشق ومعارضين، أن إمكانية عقد جلسة ثالثة من لقاء «موسكو 3» قد يكون أكثر «يسراً» من عقد اجتماعات أخرى، ويمكن في هذه الحال أن يأتي «متزامناً مع زخم اجتماعات فيينا ولا سيما الجلسة المقبلة، واجتماعات مجموعات عمل (المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان) دي ميستورا، وذلك في حال نجح في جمعها.
ويعلم الروس والسوريون على حد سواء أن تأثير هذه الاجتماعات لن يأتيَ بنتائج تُذكر على سير العمليات العسكرية، كما لا زال بعيداً عن إمكانية تسجيل أي وقف لإطلاق النار.
لكن موسكو تأمل، من جهتها، أن يؤخذ انعقاد اجتماع من هذا النوع باعتباره نجاحاً لديبلوماسيتها التي تسير بخط متقاطع مع حملتها العسكرية الجوية في سوريا. من جهتها، لا تراهن دمشق على اختراق يمكن أن يأتي من الضفة الأخرى في ظل تمسك الأطراف الدولية والإقليمية المعادية بشروطها.
كما لا يبدو أن الحرب ستتراجع، ولا سيما أن الأسابيع الأخيرة شهدت تبادلاً دموياً في السيطرة على خطوط التماس في كل من حلب وحماه وريف اللاذقية، الأمر الذي يُثبت أن القناعات بضرورة تحقيق تسوية تعتمد على التنازلات المتبادلة لازال بعيداً.
وجاء مواكباً لكل هذا تصريح وزير الخارجية التركي فريدون سينيرلي اوغلو عن إمكانية حصول تدخل عسكري واسع في سوريا «قريباً»، وهو ما يعني مزيداً من التصلب في خيوط الحلّ الإقليمية، رغم إقرار ديبلوماسيين غربيين أن العكس يمكن أن يجري أيضاً من ناحية اشتداد الضغوط على أنقرة لتسهيل «تحريك مسار سياسي».
لذا يرى المسؤولون السوريون أن لقاءات موسكو التي تجمع الحكومة مع معارضين معتدلين، يمكن أن ترسم مساراً موازياً للمسار المؤمل دولياً. وتضم هذه الاجتماعات إضافة إلى ممثلي معارضة الداخل، وأبرزهم «هيئة التنسيق الوطنية»، أعضاء «مؤتمر القاهرة» و «حزب الاتحاد الديموقراطي» الذي يمتلك متفرداً بين المجتمعِين قوات عسكرية وإدارات مستقلة في أراضي الدولة.
وتعلم دمشق أنها رغم اختلاف الأجندات البعيدة المدى مع الأكراد، إلا أن الطرفين يواجهان أعداء مشتركين، يتدرّجون من الأتراك مروراً بمجموعات إسلامية متشددة ووصولاً للأكثر تشدداً متمثلاً بتنظيم «داعش».
من جهته، يحافظ المكتب السياسي لـ «حزب الاتحاد الديموقراطي» على نوافذ مفتوحة للحوار مع كل الأطراف، مستفيداً من حالة الفوضى في ترسيخ نفوذه في مناطقه تواجده، رغم حصول احتكاكات مباشرة وصلت إلى حدّ اشتباكات دموية مع القوات السورية.
إلا أن تكتيك الحكومة المركزية يبقى في إطار احتواء نشاط الحزب وقواته، في ظل تماثل الأهداف القريبة، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه بات القوة الضاربة الأساسية لما يسمى حديثاً بـ«قوات سوريا الديموقراطية»، التي تضمّ وحدات من «الجيش الحر» والعشائر المحلية، تتحرّك بحرية ضمن مناطق سيطرة الطرفين النظام والحزب.
وتعتقد دمشق أن تحريك مسارات سياسية عدة، يمكن أن يخفف من حدة الاحتقان العسكري نظرياً، لكنه يمكن أيضاً أن يقلل من حالة «الاحتقان الاقتصادي»، على الأقل على المستوى المعنوي، وذلك بعد التدهور خلال الأسابيع الماضية، بسبب تراجع قيمة العملة بحدود 30 ليرة، وصولاً لسقف الـ380 ليرة للدولار الواحد في السوق السوداء، علماً أن التوقعات الاقتصادية تتوقّع ملامسة الدولار لسقف الـ400 ليرة مع نهاية العام الحالي واشتداد الشتاء. وعزا مسؤولون سوريون هذا الارتفاع السريع لإغلاق طريق حلب الوحيد مع باقي مناطق سيطرة الدولة في سوريا، إضافة إلى مضاربات في مناطق سيطرة بعض فصائل المعارضة والتي منعت مؤخراً التعامل بالعملة الوطنية.
وتساءل موظف حكومي سوري منذ أيام، متهكماً على صفحته في أحد مواقع التواصل الاجتماعي مشتكياً من ارتفاع الأسعار، «فيما إذا كانت السوخوي قادرة على قصف الدولار؟»، أسوة بمواقع المعارضة، وذلك بعد مرور شهرين تقريباً على الحملة الجوية الروسية، والتي لا تزال نتائجها محدودة.
بدورهم يدرك الروس، وفقاً لمصادر سورية مقربة من الجيش، بأن حملتهم في سوريا «قد تطول»، وتتعدّى الأشهر الأربعة التي سبق وتحدّث عنها مسؤولون روس مع إقلاع أولى الطائرات الحربية من مطار حميميم في اللاذقية، وهو الأمر الذي يجعل موسكو ودمشق تحبذان فكرة صورة جامعة لطرفين بارزين في النزاع المتشعّب، يمكن أن تسير جنباً إلى جنب مع تجاذبات مؤتمر فيينا وجهود الأمم المتحدة الطويلة الأمد.
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد