«هزات ارتدادية» للأزمة السورية على الساحة اللبنانية

09-08-2011

«هزات ارتدادية» للأزمة السورية على الساحة اللبنانية

طغت الازمة السورية بامتداداتها الاقليمية والدولية على الساحة اللبنانية التي ازدحمت خلال الساعات الماضية بمواقف متناقضة مما يجري في سوريا، بما يعكس حدة الاصطفاف الداخلي الآخذ في الاتساع تحت وطأة التطورات الخارجية.
وبدا أن الازمة السورية قد تحوّلت الى موضوع خلافي لبناني بامتياز، لعل أخطر ما فيه أنه بدأ يتخذ أشكالاً ميدانية ساخنة من خلال التظاهرات والاعتصامات المتنقلة بين مختلف المناطق، والتي تتوزع بين مؤيد لنظام الرئيس بشار الاسد ومعارض له، وكان أحدثها الاعتصام الذي نفذته مساء أمس مجموعة من المثقفين والناشطين في المجتمع المدني، في ساحة الشهداء، دعماً للشعب السوري بمشاركة من بعض شخصيات 14 آذار، وسط معلومات تفيد بأن هناك اتجاهاً لإعادة إحياء طقوس التحركات في هذه الساحة.
ويعزز الانقسام اللبناني الحاصل حول الوضع في سوريا الخشية من ان تتطور التحركات في الشارع الى احتكاكات بين داعمي الاسد ومعارضيه، لا سيما إذا اتسعت رقعتها وازدادت أعداد المشاركين فيها، على وقع ارتفاع حرارة الاحداث في سوريا وتسارع التطورات الاقليمية والدولية المتصلة بها. مما يرتب اعباء اضافية على الاجهزة الامنية للإمساك بالوضع الامني جيدا في هذه المرحلة الحساسة.
وما يعزز الهواجس ايضاً ضبط محاولات متكررة لتهريب اسلحة الى سوريا عبر لبنان، براً وبحراً، بما يؤشر الى احتمال انزلاق البعض نحو الرمال السورية المتحركة، وما يرتبه ذلك من تداعيات على الداخل اللبناني هو بغنى عنها.
وسط هذه الأجواء المشحونة، جاء موقف الملك السعودي ليمنح قوى 14 آذار، وعلى رأسها تيار المستقبل، زخما إضافيا في حملتها ضد النظام السوري وحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، الأمر الذي عبر عنه بوضوح الرئيس سعد الحريري من خلال بيان أشاد فيه بخطاب الملك داعياً الحكومة الى ان تنأى بنفسها عن التورط في تبني سياسات القمع ضد الشعب السوري، فيما كان الرئيس ميقاتي يقدم نموذجاً جديداً من «الوسطية»، عبر إشادته من ناحية بالدعوة الحكيمة للملك عبدالله الى وقف العنف وإراقة الدماء والى الاسراع في الاصلاحات، وتأكيده من ناحية أخرى أن موقف لبنان الثابت هو عدم التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا.
وأكد ميقاتي خلال ترؤسه جلسة مجلس الوزراء في السرايا ان موقف لبنان في الامم المتحدة حيّد البلاد عن الصراعات وأرضى كل الاطراف، والدليل ان وزير خارجية البرازيل اتصل بوزير الخارجية عدنان منصور مثنياً على صحة القرار اللبناني.
ودعا ميقاتي «موجهي الانتقادات في الداخل الى الكف عن استغلال ما يجري من أجل تحقيق مكاسب سياسية ظرفية، لأن المهم الآن أن نحصن ساحتنا الداخلية حتى نتمكن من التنافس بعد ذلك على المواقع والكراسي».
وبينما عرض وزير الخارجية عدنان منصور نتائج زيارته الى دمشق، أثار بعض الوزراء قضية تهريب السلاح من لبنان الى سوريا، ومنهم علي حسن خليل ومحمد فنيش وعلي قانصو الذين أكدوا ان «حرية الموقف السياسي مصونة لكل الناس لكن لا يجوز ان يتحول ذلك الى فعل مشاركة في المؤامرة على سوريا، ولا بد من ان تتابع الاجهزة الامنية والقضائية هذا الموضوع حتى نهايته، والمطلوب موقف سياسي من الحكومة حيال هذا الأمر».
وعلم ان وزراء النائب وليد جنبلاط شددوا ايضاً على وجوب منع أي محاولة لتهريب الاسلحة، مشيرين الى وجوب اتخاذ كل الاجراءات الكفيلة بذلك.
وبعد التداول جرى التشديد على ضرورة تطبيق القوانين وان تقوم الاجهزة الامنية بدورها في منع التهريب، التزاماً بالاتفاقات الموقعة بين البلدين وبموقف لبنان ألا يكون ممراً لضرب الامن والاستقرار في سوريا.

وفي موقف لافت للانتباه، شن الرئيس نبيه بري هجوماً عنيفاً على فريق 14آذار من دون ان يسميه، وقال في كلمة له خلال حفل إفطار أقامته مؤسسة «واحة الشهيد»: كفى دعاة التهدئة مع العدو والمتربصين بالشقيق، الرحماء المتواضعين مع كل غربي والقساة العتاة الرافضين لأقرب عربي، الذين هالهم الدور الريادي الذي قادته حكومة «حيّ على العمل» في مجلس الامن والذي أدى الى إبعاد قرار الحرب ضد سوريا وسهّل صدور بيان متوازن يدعو الى الاصلاح ووقف الفتنة في آن وبقي أميناً على سياسة لبنان المستدامة بالنأي بنفسه عن كل صراع في ما بين العرب والعرب، فكيف بالحال ضمن الشعب الواحد؟
وأضاف: اعتبروا ان موقف لبنان عار في مجلس الامن وهم الذين لم يدعوا إكليل غارٍ لنا الاّ واستبدلوه بإكليل عار في مجلس الامن.

من ناحيته، وبعد وقت قصير على موقفه الاخير الذي رأى فيه انه لم يعد يجوز السكوت على ما يجري في سوريا، وصف الرئيس سعد الحريري في بيان صدر عنه أمس خطاب الملك عبد الله بالتاريخي، معتبراً ان السعودية أعلنت من خلاله انها لن تترك سوريا وشعبها في مهبّ الريح.
وغمز الحريري من موقف لبنان في مجلس الامن فاعتبر «أن لبنان لا يستطيع أن ينأى بنفسه عن المجزرة المفتوحة التي تشهدها أقرب الدول الشقيقة إليه، ودعا الحكومة اللبنانية الى إعادة النظر في سياسات الالتحاق الكامل بما يرسم لها من أدوار سياسية وأمنية ودبلوماسية، لا تتوافق مع مبادئ الأخوة والروابط التاريخية»، مضيفاً: إننا نتفهم حقيقة أن الحكومة الحالية ما كان لها أن توجد، لو لم تصدر قرارات تكليفها وتأليفها، من القيادة السورية. لكن الشعب السوري الجريح، ومعه قطاعات واسعة من الشعب اللبناني، لا يستطيع أن يتفهم إصرار هذه الحكومة على النأي بنفسها عن المناخات العربية المستجدة، والاستغراق في حالة العزلة.

وبدوره، وجه النائب وليد جنبلاط رسالة غير مباشرة الى «من يعنيهم الامر»، مشيراً الى ان «محاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك تؤكد أن التاريخ لا يرحم، وأن كثيرين مدعوون لاستخلاص العبر والدروس من هذه التجربة من خلال عدم التغاضي عن المطالب الشعبية والقبول بمبدأ عمل المؤسسات والتداول السلمي للسلطة بما يحفظ بلادهم ويحول دون انزلاقها نحو الفوضى والتشرذم والانهيار».
واعتبر في موقفه الأسبوعي لجريدة «الأنباء» «أن الخطر الأكبر على أي حاكم مطلق عدم ارتكاز نظامه على تداول السلطة والانتخابات الشعبية وحرية التعبير عن الرأي والوقوع في الأسر الفكري الذي تجسده نظرية المؤامرة».

على صعيد آخر، واصل الاحتلال الإسرائيلي خرق السيادة اللبنانية، حيث قامت صباح أمس قوة مشاة اسرائيلية قوامها 12 عنصراً تحميها دبابة «ميركافا»، باجتياز الخط الحدودي في مرتفعات جبل سدانة، وتقدمت غربي موقع رويسة العلم المشرف مباشرة على بلدة كفرشوبا، ولمسافة قدرت بحوالى 200 متر، نفذت خلالها وعلى مدى حوالى نصف ساعة عملية تمشيط محدودة انسحبت بعدها الى داخل مزارع شبعا المحتلة.
وفي أعقاب ذلك وضعت عناصر الجيش اللبناني وقوات «اليونيفيل»، المنتشرة في هذا القطاع في حالة استنفار قصوى، بينما أجرت قيادة «اليونيفيل» اتصالات مع الجانبين اللبناني والإسرائيلي للجم الوضع.

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...