آثار الحرب على العدو الإسرائيلي
برغم قرار المجلس الوزاري الإسرائيلي بتوسيع العملية العسكرية، وربما بسبب ذلك أيضا، يزداد الاهتمام بالجبهة الداخلية الإسرائيلية التي تواجه وضعا يوصف بأنه لم يسبق له مثيل. وقال المدير العام لديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية رعنان دينور إنه يستحيل مقارنة الحرب الجارية بالحروب التي خبرناها في الماضي.
ولخص الجيش الإسرائيلي، أمس الأول، أسابيع القتال الأربعة معلنا عن مقتل 64 جنديا وإصابة 366 آخرين، إضافة إلى مقتل 36 مدنيا إسرائيليا. وكل ذلك قبل الخسائر الكبيرة في اليومين الأخيرين في معارك بنت جبيل وعيتا الشعب ودبل. ومعروف أنه تعمل في لبنان ثمانية ألوية عسكرية بينها ألوية المظليين وغولاني والناحال. وبين هذه الألوية أيضا ثلاثة ألوية من القوات الاحتياطية. ويعتقد الجيش الإسرائيلي أنه برغم ما أطلقه حزب الله من صواريخ وبرغم ما أوقعه فيها وفي مخازنها من خسائر، فإن لدى حزب الله الآن ما بين خمسة الى عشرة آلاف صاروخ.
وحول الخسائر الاقتصادية الإسرائيلية، اعلن وزير المالية أبراهام هيرشزون أنه قرر حسم 2.8 مليار شيكل (640 مليون دولار) من الميزانية المقررة للوزارات، موضحا ان التكلفة المباشرة للقتال حتى اليوم بلغت سبعة مليارات شيقل (1.6 مليار دولار)، الأمر الذي يستدعي تغيير هيكلية الميزانية العامة لعام .2007
ويأتي هذا الحسم لتغطية أول قسم من النفقات العسكرية للحرب التي طلبها الجيش والبالغة ما بين خمسة إلى ستة مليارات شيكل. وبرغم قلة المعلومات الإجمالية المنشورة، فإن معاريف خصصت صفحة من ملحقها الاقتصادي لبعض جوانب هذه المسألة. ونشرت أمس أن الأعمال في الشمال تدفع الثمن بانهيارات وإقالات وشيكات مرتجعة. وقالت أن الخريطة الاقتصادية تكشف أن الجبهة الداخلية الاقتصادية لا تتحمل الأعباء حيث يتعاظم عدد الشركات التي وقعت في أزمة الأمر الذي فاقم من الصراع السياسي حول التعويضات.
وأظهرت الخريطة الاقتصادية التي تنشرها مجلة الأعمال أنه بتأثير من الحرب يدفع الاقتصاد الإسرائيلي الثمن كاملا. فقد ساءت في شهر تموز وضعية الاستقرار السابقة وسجل انخفاض في عدد العاملين في إسرائيل بعدما كانت قد سجلت في الشهور السابقة للحرب أرقاما قياسية إيجابية. وبلغ عدد المقالين من أعمالهم حوالي 1 في المئة فيما وصل عدد الشركات التي تعاني من كثرة الشيكات المرتجعة الى 107 من كل ألف شركة فاعلة، في مقابل خمسة فقط من كل ألف في شهر حزيران. وتشير تقديرات وزارة الصناعة والتجارة الإسرائيلية إلى أن نسبة البطالة بعد الحرب سوف تتصاعد من 11.5 إلى 14 في المئة جراء موجة الإقالات.
وثمة خشية في الأوساط الاقتصادية من أن الشهور المقبلة سوف تشهد ظهور آثار الحرب على كل المعايير التي تقيس حصانة الاقتصاد. فقد اضطرت أعمال كثيرة في الشمال، فنادق، شاليهات، مطاعم ومقاه، محلات وأسواق عامة، إلى إغلاق أبوابها. ويرى المعلقون الاقتصاديون أن توقف هذه الأعمال يؤثر ليس فقط عليها وإنما على كل محيطها الاقتصادي كما هو الحال في الدومينو.
ومع ذلك فإنه في حمى الوطنية التي جرفت الإعلاميين الإسرائيليين، صارت الغالبية بينهم تتحدث عن النصر وليس عن التكلفة. واعتبرت افتتاحية هآرتس أن استعداد الجبهة الداخلية يشكل نقطة ضوء بين سحب دخان هذه الحرب. وأشارت إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي مستمر في أداء وظيفته على نحو أفضل من المتوقع. برغم أنه يتعرض لضربات قاسية، وبرغم الوضع السياسي والدولي المعقد، إلا أن الاقتصاد يحافظ على استقراره، بل أن الشيكل يقوى، لا توجد علامات تضخم، والبورصة مستقرة والتصنيف لقوة الاعتمادات الإسرائيلية الذي تم تحديده من قبل شركات مالية لم يهبط.
ورأت هآرتس أن صمود قطاع الصناعة هو الأكثر إثارة للانطباع. نحو 85 في المئة من مجموع المصانع الإنتاجية في الشمال تواصل القيام بأعمال جزئية أو كاملة. ونحو 70 في المئة من العمال يتواجدون في أماكن العمل. كما أن الإنتاج من المنطقة الشمالية يواصل تدفقه عن طريق ميناء اسدود الذي وسع كثيرا من إمكانيات عمله. مع أن الالتزام بجدول الأعمال والإنتاج، الذي يتيح التقيد بمواعيد التصدير إلى الخارج في مثل هذه الأيام الصعبة، ليس مسألة بسيطة ويمكن تحملها.
وتستدرك الصحيفة كل ذلك وتقول يجب ألا ننسى أن هذه الحرب تحصد، وما تزال، ثمنا اقتصاديا واجتماعيا باهظا جدا، الذي يدفعه عادة في هذه الأحوال الضعفاء من بين فئات المجتمع. بنك إسرائيل يُقدر ثمن هذا بنحو 1 في المئة من حجم الإنتاج القومي (أي نحو 6 مليارات شيكل)، وذلك بشرط أن تتوقف هذه الحرب الآن. وبحسب تقديرات أخرى، فان الحديث يدور عن 1.5 في المئة من هذا الإنتاج، وفي الوقت نفسه فانه لا يمكن إجمال الخسائر إلا بعد أن تصمت المدافع.
وتخلص الافتتاحية إلى أن مسائل كثيرة، بالإضافة إلى الأموال الضخمة التي توظف مباشرة بهدف تقوية الحرب ودعمها، التي تصب في ميزانية الدفاع بدلا من تقليصها كما كان مخططا لذلك، فانه من السابق لأوانه تقديرها الآن وحساب كميتها. الحديث يدور عن توظيفات في البنى التحتية وفي إعادة البناء وإجراء عمليات إعادة تأهيل وإعادة الحياة إلى طبيعتها.
وأيا يكن الحال فإن النقاش في إسرائيل تواصل حول فشل أو نجاح الحكومة الإسرائيلية في إدارة الحرب. واعتبر ران بيرتس في معاريف أن كل ما جرى حتى الآن هو فشل اسرائيلي. وكتب أنه منذ بدء القتال وأقوال رئيس الحكومة مصابة بالتناقض وبعدم صلتها بالواقع وهو شيء يثير الخوف مما يتعلق بقدرته على اتخاذ القرارات وقدرته على قيادة المعركة. إن من زعم أن خطة الانطواء ستجعل الشرق الأوسط جنة فوق الأرض، يقرر الآن بالحزم نفسه أن المعركة الحالية خاصة قد تترك أثرها في الشرق الأوسط لسنين طويلة. قال قبل الانطواء أرهقنا القتال. أرهقنا كوننا أبطالا، وأرهقنا الانتصار، وأرهقنا ضربنا أعداءنا. والآن سنثبت قوتنا الداخلية ونُظهر العزم، سنبحث في كل موقع، وسنصيب كل إرهابي. سنهدم كل بنية تحتية للإرهاب، في أي مكان.
ويشدد بيرتس على أن قوة النفس التي جندها أولمرت هي استيقاظة فقط بين الإغفاءات. لا يستوعب رئيس الحكومة أقواله هو، لأنه وُجد من فسر رغبتنا في السلام لنا ولجيراننا كعلامة وهن، وهكذا، في التاسع من آب (العبري)، في أثناء هياج المعركة، أعلن للإعلام الأجنبي، أن النصر في لبنان سيكون دافعا لخطة الانطواء. بإزاء العاصفة العامة التي أثارها تراجع فورا، وهو يتذكر فجأة أنه في هذه الأيام، يجب الحفاظ على وحدة كاملة للجيش وللجبهة الداخلية للنجاح في الحرب الصعبة.
ويتساءل بيرتس عما يمكن أن يعد نجاحا في الحرب في نظر أولمرت. ويكتب لقد وعد من جهة أكثر من مرة أنهم لن يستطيعوا أبدا تهديد هذا الشعب الذي يطلقون الصواريخ عليه، ومن جهة ثانية منذ اليوم الأول، لم نعِد شعب إسرائيل أنه لن يكون في نهاية هذه المعركة صواريخ البتة في مدى الإطلاق على دولة إسرائيل. يمكن أن نفهم أيضا من أقواله أن المعركة قد انتهت: هُدمت بنية حزب الله تماما في أعقاب أعمال الجيش الإسرائيلي، قال للإعلام الأجنبي، وقال للضباط أن للعملية إنجازات مثيرة للانطباع لا مثيل لها، وربما لا نظير لها في الماضي. بعد يوم من قوله هذه الأقوال أُطلقت صواريخ برقم قياسي، في اليوم الذي قُتل بعده ,12 وفي اليوم الذي استهدفت فيها الخضيرة للصواريخ وقُتل 5.
ويستذكر بيرتس أن أولمرت أعلن في الفصل الأول من القتال أنه لن يتم تجنيد فرق احتياط، لكي لا تشعر سوريا بأنها مهددة. بعد ساعات معدودة أجاز المجلس الوزاري المصغر برئاسته تجنيد ثلاث فرق. بعد قصف قانا بشّر رئيس الحكومة بتصميم، بأن العملية ستستمر كما خُطط لها. وفي اليوم التالي أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، أن إسرائيل توقف القصف الجوي ل 48 ساعة.
وخلص إلى أنه يبدو أن الحديث عن نظرية قتالية جديدة: هي إخضاع العدو بالكلام. وهكذا، بعدما قال لقوات الأمن لا تكفوا، استمروا قُدما، أضربوهم، أبعدوا التهديد، يعارض أولمرت الدخول إلى الليطاني، وهي عملية أجازها الأميركيون منذ البدء. وهنا أيضا يعارض أولمرت نفسه، لأن حكومته أجازت الاحتلال إلى الليطاني قبل نحو من أسبوع. تتكلم الأقوال من تلقاء نفسها. ولما كانت هذه الحرب يقودها هاوٍ بلا تفكير واضح، وبلا تصور صحيح للواقع ورؤية استراتيجية، فانه لا يوجد لها هدف واضح وخط موجّه يستطيع الإفضاء إلى الحسم.
غير أن المحاضر المختص بالشؤون الإيرانية في معهد ترومان، إلداد فاردو، يؤكد أن هناك نصرا اسرائيليا. وهو يشير إلى أن كتاب الرأي في إسرائيل قلقون حيث أن الأكثرية تعتقد أنه يجب الخروج من الحرب بانتصار عسكري واضح. إن متابعة الأدوات الإعلامية العربية والإيرانية، يُبين أنه يوجد هناك أيضا تحوّل إلى الأسوأ، وتُبرز صعوبات إسرائيل... أجل، يوجه الكثير من التوبيخ إلى رئيس الأركان، الذي أعطى الطائرات دورا رئيسا في المعركة. ومع كل ذلك، سأزعم هنا أن المراقبين مخطئون: الإيرانيون، والعرب والإسرائيليون أيضا. وللبرهنة على زعمي، سآخذ مثالا من حرب تشرين المصرية. نجح المصريون في مفاجأة إسرائيل، التي احتلت أراضيهم على نحو متعجرف متحدٍ... وقف المصريون إذن بعد نحو من ثلاثة أسابيع في وضع أسوأ كثيرا من وضعنا اليوم. ومع كل ذلك، سُجلت تلك الحرب في تاريخ مصر كانتصار كبير. فقد أفضت إلى إعادة سيناء إلى مصر، مع انقضاء معركة دبلوماسية قانونية براقة.
ويتساءل فاردو كيف انتصر المصريون برغم هزيمتهم؟ أولا، نُقشت المفاجأة الأولى في القلوب. وثانيا، هدم المصريون أسطورة أنهم ضعفاء، وجبناء وأغبياء. تبين أنهم أقوياء، وشجعان وأذكياء. وثالثا، رأى المصريون الحرب مرحلة أولى لمعركة سياسية صعبة طويلة، تقوم على حبهم الكبير للنظام، وللتوازن، وللقانون وللدبلوماسية. وفي نظره فإن المعركة حُسمت بمجرد المفاجأة الكبيرة للضربة الجوية وبالمنطق السياسي القانوني. ستُنقش المفاجأة في الذاكرة اللبنانية والعربية. وهذا برهان آخر على أن الإرهاب يأتي بالكارثة على مستضيفيه... الضربة التي وجهتها المعركة الجوية فعلت فعلها وزعزعت هذه الأسس في المنطقة. وكذلك أيضا برود الأعصاب والأعصاب الحديدية للقيادة الإسرائيلية المعتدلة، وللجمهور. لدينا رباعية: رجل قانون لامع، وقائد عمال يفهم الأمور، ووزيرة خارجية فصيحة وطيار جريء. باختصار، الوضع أفضل مما يبدو لكثيرين بيننا.
عموما يرى المراسل السياسي لـ هآرتس ألوف بن أن إسرائيل وفي ظل التفكير بضرورة توسيع العملية البرية باتت أمام اختبار أولمرت. فوزير الدفاع عمير بيرتس ورئيس الأركان دان حلوتس يضغطون عليه لتنفيذ خطوة برية واسعة. أولمرت يتردد. حتى اليوم كانت تدار العملية البرية بحذر، ببطء ونتيجة لذلك بقليل من القتلى بالقياس إلى الحروب السابقة. ولكن إدخال آلاف الجنود إلى ما وراء خط مواقع الجيش الإسرائيلي الحالية، عميقا في داخل حزب الله لاند سيكون له ثمن باهظ في الأرواح. التردد وحشي: هل الإنجاز المحتمل للحملة يساوي مئات العائلات الثكلى؟ هل الجيش الإسرائيلي يمكنه أن يضمن نتائج أفضل مما في الأسابيع الأربعة السابقة؟ أم لعله من الأفضل تنظيف المنطقة قدر الامكان قبل وقف النار، حتى بثمن الخسائر؟.
ويشير بن إلى أن على أولمرت أيضا مراعاة الخطوات السياسية في مجلس الأمن. فالمبادرة المفاجئة لرئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة لنشر جيشه في الجنوب، غيرت جدول الأعمال الدبلوماسي. واليوم ينعقد مجلس الأمن في محاولة لبلورة قرار جديد يستند إلى خطة السنيورة. وإذا ما وسعت إسرائيل عمليتها البرية، فان من شأنها أن تظهر كمن حاول إفشال الخطوة السياسية، والاصطدام بنداء مهين لوقف نار فوري. ومن جهة أخرى، فان هذا هو الوقت المناسب بالذات لتشديد الضغط العسكري في محاولة لانتزاع تنازلات اللحظة الأخيرة من اللبنانيين. رد فعل أولمرت على الاقتراح اللبناني كان ملتبسا: فقد وصفه بالمثير للاهتمام، وفي الوقت نفسه تحدث عن توسيع العملية العسكرية. وهكذا كسب المزيد من الوقت للتردد.
ومع ذلك، فان شيئا ما تغير في نبرة رئيس الحكومة وفق ألوف بن. ففي كلماته هذا الأسبوع كرر الادعاء بأنه لا ينبغي له أن يتدخل في الشؤون العسكرية المهنية. وفي نظره ينبغي لرئيس الحكومة أن يحدد أهدافا، وعندها أن يصادق أو يرفض توصيات الجيش. وهو يحرص على أن يطالب الجيش بان يعرض عليه بدائل عديدة، ويرفض قبول أفكارا عملياتية من خارج القنوات الرسمية.
ويخلص بن إلى أن المشكلة التي تنشأ من أقوال أولمرت هي أنها تبدو كإعداد الملف للجنة التحقيق المحتملة بعد الحرب. غولدا مئير ادعت في لجنة أغرنات، بعد حرب يوم الغفران بأنها بسبب انعدام خبرتها العسكرية اضطرت إلى قبول توصيات الخبراء. وقد وافقت اللجنة على موقفها وأعفتها من المسؤولية عن القصور. إيضاح أولمرت بأنه يستند إلى توصيات جهاز الأمن، تثير أصداء كهذه. ولكن في نهاية المطاف، حتى عندما يوصيه حلوتس وبيرتس، فان المسؤولية العليا ملقاة عليه وهو اليوم سيُختبر في تحقيقها.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد