أدونيس: برعم ياسمينة دمشقية
1 ـ
تتابع الولايات المتحدة وإسرائيل تمثيل المسرحية إياها منذ أكثر من خمسة عقود. كانت هذه المسرحية توصف بالفاجعة واليوم توصف بالمهزلة. فلسطين و (الساحة العربية) مجرد حلبة للعرض الذي يُقتَل فيه الفلسطينيون وتُهدَم بيوتهم وتُقتَلَع أشجارهم ويُشرّدون ويُسجَنون ويُمطَرون بالصواريخ والقنابل.
أطول مسرحية في التاريخ، تقتيلاً وتدميراً.
وفوق ذلك صار مُجرّد قبول إسرائيل بالكلام مع الفلسطينيين، مِنّةً عظيمة إسرائيلية - أميركية.
لكن ما المشكلة؟ ولماذا العجلة؟ تغيّر شكل المسرحية: صارت أرض فلسطين « مدرسة « وصار الفلسطينيون « تلامذة» يتحركون داخل هذه «المدرسة» التي بَنَتْها الولايات المتّحدة وإسرائيل: والمسرحية اليوم هي أيضاً تطوّرت: صارت تقوم على معاقبة «المشاغبين» في هذه المدرسة، أو التهديد بالمعاقبة إذا لم يحفظوا «أمثولاتهم» جيداً.
استعدّوا أيها «التلاميذ» لعقوبات مقبلة تنتهي فيها هذه المرة «مدرستكم» تماماً ويتمّ القضاء عليكم بشكل أو آخر، واحداً واحداً، وجماعةً جماعة.
ـ 2 ـ
قبل أن تنزل الحرب إلى الشارع
تتجمهر في الرأس.
ـ 3 ـ
الأبجدية هي الأكثر فقراً
في عائلة العقل العربي،
منذ فَتْرةٍ طويلةٍ،
ذهبَتْ في رحلةٍ غامضةٍ ولم تعُد حتّى الآن.
ـ 4 ـ
حزنٌ فلسطينيّ يشرب كأس الوقت
جرعةً جرعةً، لحظةً لحظةً.
المكانُ يقلّد هذا الحزن.
ـ 5 ـ
غالباً أتسلّق جبلَ الظلمة،
لكي أطلّ على نهر الضوء.
ـ 6 ـ
كلّما وجّهتُ وجهي نحو الزمن الذي ولدتُ فيه،
تمتلىء عيناي بغبارٍ لا يجيء هذه المرّة من الدروب والقوافل،
وإنما يجيء من اللغة حاملةً حماقات البشر وأكاذيبهم ومختلف أنواع العدوان الذي يمارسونه ضدّ بعضهم بعضاً.
ـ 7 ـ
صار الوقت في فلسطين ذاكرة
تبحث عن آثار البشر الضائعين. تبحث عن آثار الضياع.
ـ 8 ـ
إنه «الرّبيع»:
وها هي يد الريح
تمسح الدّم عن وجهه.
ـ 9 ـ
تجهل السلحفاة أنّها أسرع من الأرنب،
قياساً إلى الحجر.
لكن، في هذه المسألة،
لا تفيد المعرفة ولا يضرّ الجهل.
ـ 10 ـ
ألفظ كلمة « نظام «، فتغضب، وتتحوّل إلى سور عربيّ يحاصر الذين يعارضونه،
ألفظ كلمة « ثورة « فتخجل من الذين يمارسونها وتبدأ بمحو نفسها.
ـ 11 ـ
لماذا ترفضني البلاد التي جئت منها؟
لماذا يُنكـرني جسمــي، وتقـــاتلني أعضائي؟
ـ 12 ـ
الناس هم الذين يصنعون التاريخ السياسيّ
لكنّ المال هو الذي يصنع هؤلاء الناس.
هل التاريخ السياسيّ عملةٌ مزوّرة؟
ـ 13 ـ
كلاّ، لا تحاول أن توقظ الذاكرة،
فهي لن تمطر عليك غير العذاب:
ما كان وجعاً راسخاً،
أو ما كان فرحاً عابراً.
ـ 14 ـ
لا أرى ما يدفعني لكي أَثِقَ
بكلمة « وثقَ «.
ـ 15 ـ
سأترك للريح أن تقرأ عنّي
كتابَ الجهات الأربع.
ـ 16 ـ
كيف يحدث أن ينشقّ فصلُ «الربيع» إلى حربين:
حربٍ مع نفسه،
وحربٍ بينه وبين الفصول.
كيف يحدث أن يصير الربيعُ عدوّاً،
بعد أن كان جزءاً من العائلة؟
ـ 17 ـ
شعبٌ كاملٌ يتدحرج كمثل كرةٍ
بعيداً عن المرمى.
شعوبٌ كاملة تهزج وتصفّق.
ـ 18 ـ
قطع السيّد رؤوس أفرادٍ
فاضت عن الحاجة التي يستدعيها
التاريخ الذي يكتبه.
ـ 19 ـ
يقتلنا السيف،
وتعزّينا اليد التي تقبض عليه:
مأساة - مهزلة.
ـ 20 ـ
صار الثّغاء نداءً حربيّاً
صارت القنبلة كعكة العيد.
ـ 21 ـ
لا يقتل الذئبُ ذئباً آخر،
لا يقتل العربيُّ إلاّ عربيّاً آخر.
ـ 22 ـ
كلّ شيء يتّجه إلى أن يغيّر معناه،
إلاّ الموت:
لا يغيّر إلاّ صورته.
ـ 23 ـ
الكتابُ اليوم هو الذي يدعونا
إلى أن نتفيّأ ظلّ القنبلة:
انقلابٌ معرفيٌّ كبير !
ـ 24 ـ
كلّ شيء في الحياة العربية
يفضِّل الإقامة في قفصٍ،
على الإقامة في قصيدة.
ـ 25 ـ
أجمل ما في الحلم،
أنّه بيتٌ عالٍ للضيافة
يقدّم كلّ شيء إلاّ الخبز.
ـ 26 ـ
يحتضن الماءُ نفسَه
فيما يحتضن الوردةَ التي يسقيها.
ـ 27 ـ
بيُسرٍ وتفوّق،
تُجيدُ الحياةُ العربية العزفَ على أرغن الموت.
ـ 28 ـ
الثورة طاقةٌ لتحريك العالم
ما لها تحوّلت في «الربيع العربيّ» إلى نقيضها:
صارت مرَضاً وفاقة.
ـ 29 ـ
أيّها التاريخ الشيخ
هل وصلتَ أخيراً إلى حيث ألقَت ناقةُ الموتِ رحلَها؟
وكيف اiترأ جسمُك، ولم يهترىء ثوبُك؟
ـ 30 ـ
مثقَلاً بالأنقاض والجثث والأشلاء،
يتقدّم آذارُ نحو نيسان،
يتقدّم نيسانُ نحوَ أيّار،
وهكذا وهكذا...
ـ 31 ـ
الموتُ أعمى
الحياةُ هي التي ترى:
مشكلةُ الإنسان الأولى كامنةٌ في الحياة لا في الموت.
ـ 32 ـ
بعد أن قلّبتُ نظري في كلمة «إنسان»، وسَبَرتُ أغوارَها،
ينبغي عليّ أن أنزوي،
لكي أُحسِن قراءةَ المعرّي.
لكن أين أجده الآن؟
ـ 33 ـ
أقيم هذه اللحظة
في برعم ياسمينة دمشقيّة.
أدونيس
الحياة
التعليقات
أود أن أذكر الفيلسوف الكبير
إضافة تعليق جديد