أربعاء الدعم الطويل طوابير جديدة ترفد الطابور الكبير
في البلاغ الحكومي كانت الحكومة قد أقرت في أواخر تشرين الثاني الفائت التعليمات التنفيذية للقانون رقم 29 الخاص بتوزيع الدعم النقدي لمادة المازوت بعد جدل حكومي طويل، ونقاشات موسعة مع ممثلي الشعب، ومع عدم الأخذ بعين الاعتبار انتقادات الإعلام وواقع الناس، وكانت النتيجة أن يتم توزيع مبلغ الدعم على دفعتين وشيكين، كل شيك بخمسة آلاف ليرة سورية، يبدأ استحقاق الأول في منتصف هذا الشهر البارد، والدفعة الثانية في الأول من شهر شباط لعام 2010. أما الإجراءات الجديدة لتوزيع البدل النقدي لمادة المازوت، توقيع المواطن السوري الذي يحمل دفتر عائلة فقط على استمارة تعهد أنه وأفراد أسرته الذين يقطنون معه لا يتجاوز دخلهم جميعاً 400 ألف ليرة سورية سنوياً، ولا يملكون سيارة تزيد سعة محركها عن 1600 C.C ولا تزيد قيمة فواتير هذه العائلة شهرياً من ماء و كهرباء وهاتف ثابت عن 5 آلاف ليرة سورية، وكذلك ألا يملك الفرد منزلاً آخر غير المنزل الذي يقطن فيه وأفراد أسرته. أما في حال خالف المواطن المدعوم ما جاء في التعهد الذي وقعه فإن العقوبة المفروضة ستكون دفع ضعفي المبلغ، هذه العقوبة التي تم تخفيضها بجهود أعضاء مجلس الشعب، بعد أن كانت العقوبة المفروضة تنص على سجن المخالف.
مثل يوم تمضيه الأسرة السورية بلا خبز، كان يوماً طويلاً، يوم الأربعاء الحافل بالتزاحم، التدافع، السباب والشتائم التي باتت مفردات يومية في لغتنا، يوماً طويلاً على أم سليمان الأرملة التي تعيل خمسة أبناء صغار، هذا غير البنات اللاتي زوجتهن على عَجَل، وفي وقت مبكر، للخلاص من المصروف.
الأربعاء الطويل هو اليوم الأول لتوزيع الشيكات الموعودة كبديل لدعم الوقود الذي أقرته الحكومة بعد لأي، بعد عدد من المشاهد المسرحية التراجيدية التي لعبتها الحكومة، بعد أن انتظرت دخول الشتاء بمطره الغزير هذا العام، وبرده الذي يلسع أرواح الصغار الذين ينتظرون الفرج الموعود.
المسؤول عن مركز التوزيع اتصل بأم سليمان قبل يوم من التوزيع، وأخبرها أن تأتي في الصباح الباكر وقبل أن تزداد الزحمة وتكبر الحشود، لأن التوزيع سيكون غداً، وتعزو الأرملة الاتصال كون الجميع يعرف وضعها، حتى الجيران لم يبخلوا عليها بقليل من المازوت، مثل (طاسة) تتسع لخمس لترات، بينما الجار الذي ملأ خزانه فقد تبرع لها بكالون 20 لتراً.
رغم كل هذا الاهتمام الذي لقيته الأرملة، إلا أن هذا الأربعاء الطويل انتهى دون أن يحمل في خاتمته نهاية دافئة، فيوم الخميس سيكون عطلة رسمية، وعليها أن تنتظر ليوم الأحد حتى تتمكن من صرف الشيك الأول، إن تمكنت، الشيك الذي تفوح منه رائحة المازوت المدعوم.
مواطن سعيد سعادة لا توصف، في نهاية النهار الأول من رحلة الحصول على الدعم الحكومي، يحمل المواطن السعيد الشيكات بعد أن ملء استمارة التعهد بأنه لا يملك إلا هذا الدعم الحكومي، وقد أمضى نهاره الشتوي في المركز الوحيد لتجمعات النازحين في مدينة قطنا.
قال أبو محمد، المواطن السعيد، سعيداً: «الحمد لله، لقد وصلنا دعم الحكومة، صحيح أنني على لحم بطني من الصبح، إلا أن النتيجة كانت إيجابية، المركز لا يتسع لكل الناس، لكن ما باليد حيلة».
أما أم ياسين فلم تكن سعيدة مثل أبي محمد، بل كاد يقتلها اليأس وهي تقول: «طلبوا صورة عن الهوية، وتعبئة الاستمارة، ومع ذلك لم أتمكن من الحصول على الشيكات بسبب الزحمة، الله يعيننا ويعين كل العالم، وعدوني يوم الأحد، والله العيشة هيك بتموّت، والله ما في لتر واحد بالبيت».
أبو خالد يعمل في مهنة حرة، تعطل عن عمله ليوم كامل الذي سيجوع مقابله يومَين كاملَين، ليحصل على الدعم، لكنه قضى وقته في الطابور دون فائدة: «يا الله لا أستطيع أن أعطل يوماً آخر، ليس فقط المازوت الذي يحتاج إلى الدعم، إذا لم نعمل لا نأكل، وموظفي المركز يتذمرون وينهروننا كأننا نتسول».
امرأة تكاد تتعثر من وزنها وعمرها، وطول انتظارها، روت لنا كيف جاءت بالأمس حسب البلاغ الحكومي في أن يوم 15 الشهر هو يوم توزيع البدل النقدي، حيث دارت من مدرسة إلى أخرى، وذهبت إلى البلدية، لكن الجميع قالوا لها إن التوزيع يوم الأربعاء، وأن الأمر ليس بالمهم، وهناك تعليمات عليا.
الناس يتجمهرون كما عودتنا الحكومة في كل مناسبة حكومية أو غير حكومية، مؤسسات الحكومة ومديرياتها هي التي عززت هذه الظاهرة لسنوات مثل عادة سورية مكتسبة، حتى الأفران التي يمكن أن تقدم خبزاً للمواطن دون زحام، لا يمكن أن تقبل صورتها دون مشاهد الزحام التي باتت طقساً شعائرياً للحصول على الرغيف، فأحد الباعة في نافذة بيع أحد الأفران الاحتياطية، يتأخر في جلب ربطات الخبز إلى البسطة، لا لأمر طارئ، بل فقط ليتجمهر المواطنون، وليمارس سلطة نهرهم وزجرهم.
في مركز توزيع الدعم لا يختلف الوضع، أبو أنس مواطن أمي، لا يجيد الكتابة ولا القراءة، وقد أنهكه العمر الطويل والفقر، بعد أن انتظر خمس ساعات أعاد الموظف له الأوراق وقال له: ارجع يوم الأحد.
موظف في المركز يدافع عن شكاوى المواطنين وحقهم: «أغلب المراجعين من الأميين، أنا على سبيل المثال أضطر لملء استماراتهم، وسؤالهم سؤالاً سؤالاً، والتأكيد عليهم لتدقيق الإجابة، لأن التعهد إذا لم يكن صحيحاً فسوف يخلق مشكلة للمواطن، كما أن المواطنين لا يُقدرون أننا هنا من الساعة الثامنة صباحاً وقد جفت حلوقنا ونشفت عروقنا».
تَدَخّل مواطن صائحاً: «حتى هنا يوجد دعم ومدعوم، بعض المواطنين دخلوا من الباب دون أن يقفوا على الدور وأنهوا تعهدهم واستلم التعهد في خمس دقائق.. خيار وفقوس».
موظف في المركز أخذني جانباً وأسرَّ إلي بشيء من الحرقة والإرهاق: «بيني وبينك يا أستاذ، في السنة الماضية المراكز كانت أكثر، هذه السنة لم تقبل أغلب الدوائر أن تكون مركزاً للتوزيع، لقد وعدوا الموظفين في المركز، العام الفائت، أن يمنحوهم مكافآت، ولكنهم لم يفوا بوعدهم، وقد وصل الوعد لبعض الدوائر أن المبلغ يمكن أن يصل إلى 15 ألف ليرة، والبعض يقول أن جهات عليا هي التي استفادت فقط، والبعض الآخر يتهم جهات عليا بسرقة مكافآت العاملين في المراكز، لذلك كما تلاحظ هذه السنة مراكز التوزيع أقل».
سأقول كلمتي ولو كانت حسب رأي المواطن أنيس (كثرة غلبة): لأنه إذا كان الموضوع سينتهي عند هذا اليوم الطويل فلا مشكلة لدينا، يوم طويل ومتعب بسعر أيامنا الطويلة القاسية، لكن المشكلة ستكون أبعد من هذا اليوم، عندما سنستلم شيكات الدعم سيكون هناك يوم طويل أمام البنوك، إن صرفوا لنا الآلاف الخمس بيوم واحد، ثم الأيام الطويلة أمام الكازيات، واستغلال أصحابها لنا، والدور الذي سيوضع لنا كي نستطيع الحصول على المازوت.
يتدخل متشائم: يا سيدي حياتنا من طابور إلى طابور، هذه المرة لن تختلف عن سواها، في السنة الماضية استلمنا الدفاتر، ثم باع أغلبنا الجزء الكبير منها، ثم صار صاحب سيارة المازوت يتدلل علينا لكي يأتي فتضطر لإرضائه بأن تدفع زيادة خمسين ليرة، هذا المسلسل حفظناه».
دخل الشتاء إلى العظام، ويبدو كأن البعض قد تجاوز الصدمة الأولى، والحكومة بدورها تأخرت في توزيع الدعم لكي يتجاوز الناس صدمة البرد في أوله، ولكي لا يسرفوا في الدفء، ويعتادوا على تأخر الدعم، لأنه من الممكن والمتوقع أن لا يشهد عام 2010حتى ذكر كلمة دعم واحدة من الحكومة، اللهم سوى مساعدتنا ودعمنا في نسيان دعمها.
القسائم استطاع المواطن السوري أن يستثمرها لحل مشاكل أخرى عالقة، أما الشيكات التي ستصرف فماذا سيكون مصيرها بعد تلقي الصدمة؟!
أبو ياسر: «سأملأ برميل المازوت كذكرى من الحكومة»
أم خالد: «عندي أكثر من مائة (مفخوتة)، ولا يستطيع كل دعم الحكومة أن يسد خوازيقنا، والخمسة آلاف مبلغ صغير، لكن بحصة تسند جرة، والجرة فارغة، وشعرة من ....»
يوسف (ز): لا توجد مشكلة في تعبئة المازوت بالكالون، كما أننا أدمنّا الوقوف في طابور، نتسلى ونتسامر أحسن من التلفزيون، ونق النسوان.
هل من المتوقع أن يحظى الشيك بمصير أخته القسيمة في لعبة الدعم وتوزيعه بين الحكومة والمواطن؟!
سيمضي السوريون الأيام القادمة وحتى آخر الشهر في التدافع، سيستقبلون عام 2010 في أحد الأماكن التالية، كل حسب سرعته وجهده وواسطته، إما في مركز التوزيع، أو أمام البنك الذي سيصرف له الشيك، أو في الكازية.
من المؤكد أن حصة الاحتفال برأس السنة لن تكون من الشيك الحكومي، لأن المتفائلين من المواطنين لا يتوقعون صرفه قبل نهاية العام بسبب الزحام، كما أن الأغلبية سيسهرون على إحدى حفلات ملكات الجمال على (دش ستار كوم) على فضائية عربية متحررة، وسوف يقولون لبعضهم في الصباح كل دعم وأنتم بخير.
بما أن من المتوقع أن لا تصدر جريدة قاسيون في رأس السنة وسيعطل الزملاء لأخذ بعض الراحة واستقبال العام الجديد بصدور مبتعدة قليلاً عن الهموم، فمن الضروري توجيه كلمة معايدة للمواطنين السوريين الذين سيفرحون بشيكاتهم، والمتفائلين بنهاية سعيدة للخطة الخمسية العاشرة على أوضاعهم المتردية في سنتها الأخيرة. سيكون العام القادم أسوأ من هذا العام، لأنني لست من المتفائلين بالسنة القادمة على الصعيد الاقتصادي، وأبشرهم برأس سنة بارد، رأس سنة مدبب على هيئة الدعم الذاهب إلى نهايته.
كل عام وأنتم بخير أيها السوريون رغم كل التشاؤم، كل عام وأنت بخير أيها الوطن الذي نحبه بكل ما فيه، أيتها السماء التي لم تنسى بعد عناقها لنا في مواعيد نعرفها وإن كانت متباعدة.
عبد الرزاق دياب
المصدر: قاسيون
إضافة تعليق جديد