أزمــة فكـاهــة
«إن جوهر الفكاهة هو الحساسية والدفء والرقة والصحبة الجميلة إن جوهر الفكاهة هو الحب» توماس كارليل
اشعر بأننا نعيش أزمة في الكتابة الفكاهية، أقصد تلك الفكاهة التي تتجلى مثلاً (بقدرة المرء على أن يلاحظ ويستجيب انفعالياً للجوانب المضحكة من الأحداث).
حسب تعريف بتروفسكي وياروشفسكي لحس الفكاهة، نعيش أزمة أو ندرة الكتابة اللماحة السريعة الالتقاط لهذه الجوانب المضحكة. ويبدو أننا بحاجة أولاً لتمييز الفكاهة عن الكتابات الغليظة التي لا تحمل من الفكاهة شيئاً، الكتابات التي تدعي التفكه والسخرية، بينما جوهرها يدل على ثقل في الصياغة، وبدل أن تساهم هذه الكتابات المدعية في إضحاك المتلقي نجدها تسبب له رفع ضغط الدم، أو قد تأخذ متلقيها إلى العناية المشددة.
ويبدو أننا نعاني من جدية زائدة في مختلف شؤون حياتنا، جدية تتكئ نظرياً على ميراث الرصانة الكبير، فالمزاج الاجتماعي العام يميل عندنا لتفضيل الجدية، كما أننا لم نتوصل بعد لتقدير أهمية الفكاهة في الحياة عموماً وفي الأدب خصوصاً.
ولعلنا لا نعرف مثلا، وحسب شاكر عبد الحميد، أن «الضحك يقوي التعاون الاجتماعي، وييسر التفاعل بين الأفراد والجماعات، ويرفع من مستوى الدافعية للعمل والنشاط والجاهزية، والفكاهة تنشط العقل والخيال والإبداع، والفكاهة هي أداة خاصة للبراعة واللباقة الاجتماعية، وتستخدم الفكاهة الآن في السياسة، حيث يستأجر مرشحو الرئاسة في أميركا الآن، كما يشير ماكنيل، بعض كتاب الفكاهة لجعل أنفسهم أكثر قرباً من الناس، من خلال الدعابات والفكاهات التي يلقونها أحيانا كما أن الفكاهة والضحك يقاومان الاكتئاب والقلق والغضب الشديد، ويساعدان على المواجهة والمقاومة والوقاية من الأمراض النفسية واضطرابات الشخصية والأزمات الاجتماعية».
أعتقد أننا نحتاج إلى مطبوعة ساخرة مثل حاجتنا للخبز اليومي، مطبوعة تقول الذي نريده عبر السخرية، مطبوعة يتاح لها النقد والنق والنقيق إذا أردتم! فحياتنا زادت فيها الهموم وكثر فيها أصحاب الوجوه العابسة التي تقطع الرزق كما يقول العامة، وكثر فيها المدعون والمنافقون وأولئك الذين يعتبرون أن الشمس لن تشرق إذا لم يكتبوا نصوصهم، والأشخاص الذين تطفح منهم الأنانية والنرجسية والكراهية، والشخصيات الذين هم في حاجة إلى دوام يومي عند الأطباء النفسيين، مطبوعة تنقل لنا كل هذا الهزل في تصريحات بعض المسؤولين، الهزل الممزوج بالزعرنة، وتنقل لنا هذا البؤس العام، البؤس في إنتاج النكتة وفي إنتاج الرغيف، والبؤس في التعرف إلى الحدود الحقيقية للإنسان وحقوقه، والفقر أيضاً في التعرف إلى مساحات حقوقنا وواجباتنا.
نعم نحــتاج إلى عدة مطبوعات لا مطبوعة واحدة يكتب فيها أدباء وكـــتاب لم تفـــقد الناس ثقتها بهم وبصدقهم العام، فالناس تميز جيداً بين الفاسد وغير الفاسد في شتى مجالات الحياة.
أخيراً نتذكر الكاتب الساخر محمد عفيفي حين كتب «رأى نظرتي الحادة إلى سيارته الفاخرة جداً، فقال لي: إن تلك السيارة مشتراة بعرق الجبين، وبسرعة صعد إليها ورقع الباب خلفه، وانطلق قبل أن أجد الفرصة كي أسأله: جبين من؟».
مصطفى علوش
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد