أطروحة التفسير العلمي للقرآن الكريم
ينعى علينا علماء الغرب أننا ننتظرهم أن يبادروا هم بالبحث والدراسة، حتى إذا توصلوا بعد كد وتعب وطول إنفاق للوقت والجهد والمال، إلى حقيقة علمية أو نظرية سارعنا نربطها بآية قرآنية كريمة أو حديث نبوي شريف، وهذا القرآن الكريم والسنة المطهرة بين أيدينا، فلماذا لا نبادر نحن بالتوصل إلى الحقائق العلمية أو وضع النظريات على ضوئهما، فنحن نقرأ مثلاً ومنذ أن نزل القرآن الكريم قوله تعالى «اقتربت الساعة وانشق القمر» ولم نجاهر بحادثة انشقاق القمر ولم نوصلها إلى أسماع علماء الفلك في شرق العالم وغربه فضلاً عن أن نبحث نحن في طريقة تثبت هذه الحادثة، بل بقينا نلوذ بالصمت وهم ينفقون الوقت والجهد والمال حتى أعلنوا للعالم أن القمر قد انشق فعلاً وأنهم عاكفون على البحث لتحديد الموعد الذي تم فيه هذا الحادث الرهيب، عند ذلك انبرى بعض أهل العلم من المسلمين وسارعوا الى ربط هذه الحقيقة العلمية بالآية القرآنية الكريمة «اقتربت الساعة وانشق القمر» الذي جاء في سبب نزولها أن أهل مكة سألوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يريهم آية، فأراهم القمر شقين حتى رأوا حراء بينهما «وقد روي هذا الحديث بروايات عدة أشار بعضها أنه قد انشق مرتين وهي رواية أنس بن مالك (رضي الله عنه) التي أخرجها الإمام أحمد. وقد أخرج الشيخان طرقاً أخرى للحديث لم تذكر المرتين. الأمر الذي أدى إلى إسلام عالم الفلك البريطاني موسى بسكوك، بناءً على ما ورد في حديث الشيخ عبد المجيد الزنداني لمجلة المجتمع الكويتية.
وأمر آخر أذكره للتمثيل لا للحصر وهو تلك الحقيقة العلمية التي أكدت أن عنصر الحديد دخيل على مكونات كوكب الأرض، والتي تم ربطها بقوله تعالى: «وأنزلنا الحديد» في سورة الحديد كما روى لنا الدكتور زغلول النجار بل ذكر أن رقم الآية الكريمة ورقم السورة يتناسبان مع العدد الذري والوزن الذري لعنصر الحديد كما لفت نظره إلى ذلك أحد العلماء الحاضرين، فهذان مثلان رواهما عميدا الإعجاز العلمي في القرآن الكريم.
وللحق فإن علماء الغرب لديهم الحق في ما قالوه، ولذلك أطلق دعوة للبحث في كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) عن جوانب أخرى من الإعجاز العلمي فيهما، ولا يفوتني أن أشيد برائدي الإعجاز العلمي في القرآن والسنة وأخص ما توصل إليه الأستاذ الزنداني وفريقه من علاج للإيدز، هذا المرض الذي وقف العلم والطب بكل أدواته وتقنياته الحديثة عاجزاً أمامه، واقتصر على معالجة بعض أعراضه والتخفيف من معاناة المصابين به.
ومن الجوانب التي أشير إليها ما شرعه الله تعالى في شأن المعتدات سواء كانت العدة من طلاق أو وفاة أو غير ذلك، وبإيجاز شديد أقول:
> عدة المرأة المطلقة ثلاث حيضات إن كان من شأنها أن تحيض، وهذا يعني أنها قد تكون من شهرين إلى أربعة أشهر تقريباً، قال تعالى «والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء» الآية 228 من سورة البقرة.
> وعدتها من الطلاق إن كانت دون المحيض أو يئست منه ثلاثة أشهر. قال تعالى: «واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن» الآية 4 من سورة الطلاق.
> أما إذا كانت حاملاً فعدتها أن تضع حملها. قال تعالى: «وأولت الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن». الآية 4 من سورة الطلاق.
> أما المعتدة من وفاة زوجها فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام لقوله تعالى: «والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً» ألآية 234 من سورة البقرة
> فإن توفي زوجها وهي حامل انطبق عليها ما انطبق على المطلقة وهي حامل في أن عدتها حتى تضع حملها لعموم قوله تعالى: «وأولت الأحمال............»
على أن في المسألة خلافاً بين الفقهاء لا أجد سبباً لبسطه هنا حول ما إذا كان بقي للمرأة حتى الوضع ما يقل عن أربعة أشهر وعشراً فذهب بعضهم إلى أنها تعتد بأبعد الأجلين (الوضع أو المدة المقررة) وأكتفي بذكر الرأي الراجح ودليله فقد قال صاحب زاد المعاد: ودل قوله سبحانه «أجلهن أن يضعن حملهن» على أنها إذا كانت حاملاً بتوأمين، لم تنقض العدة حتى تضعهما جميعاً ودلت على أن من عليها الاستبراء فعدتها وضع الحمل أيضاً، ودلت على أن العدة تنقضي بوضعه على أي صفة كان، حياً أو ميتاً، تام الخلقة أو ناقصها نفخ فيه الروح أو لم ينفخ. فعن سبيعة الأسلمية، أنها كانت تحت سعد بن خوالة، وهو ممن شهد بدراً فتوفي عنها في حجة الوداع، وهي حامل فلم تنشب «تلبث» أن وضعت حملها بعد وفاته فلما تعلت «طهرت» من نفاسها، تجملت للخطاب، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك - رجل من بني عبد الدار - فقال لها: مالي أراك متجملة، لعلك ترجين النكاح؟ إنك والله ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشراً. قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك جمعت على ثيابي حين أمسيت، فاتيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فسألته عن ذلك فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزوج إن بدا لي، (أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة.
أما عن حكمة مشروعية العدة - وهي محل الدعوة لهذا البحث - فقد ذكر السيد سابق في كتاب فقه السنة ج3 ص92 نقلاً عن حجة الله البالغة أن حكمة مشروعية العدة تتلخص في الآتي:
> معرفة براءة الرحم، حتى لا تختلط الأنساب بعضها ببعض.
> تهيئة فرصة للزوجين لإعادة الحياة الزوجية إن رأيا أن الخير في ذلك.
> التنويه بفخامة أمر النكاح، حيث لم يكن أمراً ينتظم إلا بجمع الرجال، ولا ينفك إلا بانتظار طويل، ولولا ذلك، لكان بمنزلة لعب الصبيان، ينظم ثم يفك في الساعة.
> إن مصالح النكاح لا تتم، حتى يوطنا نفسيهما على إدامة هذا العقد ظاهراً فإن حدث حادث يوجب فك النظام، لم يكن بد من تحقيق صورة الإدامة في الجملة، بأن تتربص مدة تجد لتربصها بالاً وتقاسي لها عناءً.
مناقشة ما ورد:
قالوا: معرفة براءة الرحم وحتى لا تختلط الأنساب. ومعلوم أن الرحم تستبرأ بحيضة واحدة، ولا ضرورة - إذا كانت هذه هي الحكمة الوحيدة - إلى التربص ثلاثة حيضات أو ثلاثة أشهر فضلاً عن أربعة أشهر وعشراً.
قالوا: التنويه بفخامة أمر النكاح، وهو أمر بالطبع له ما يبرره لكن لا يستقيم أن يكون هو الحكمة وحده أيضاً لأنه لو كان كذلك لكانت العدة على الزوجين معاً ولما اقتصر الأمر على الزوجة فالزواج أمر عظيم وسماه الله تعالى في القرآن الكريم «الميثاق الغليظ» فقد قال تعالى: «وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً».
وقوله: «ومصالح النكاح كما ورد سابقاً لا تتم حتى يوطن الزوجان نفسيهما على إدامة هذا العقد ظاهراً، فإن حدث ما يوجب فك هذا العقد فلا بد من تحقيق صورة الإدامة بأن تتربص مدة تجد لتربصها بالاً وتقاسي لها عناءً».
فإذا كان الحال من تعظيم أمر الزواج فلماذا تتربص المرأة وحدها ولماذا تقاسي مدة العدة، حتى وإن كان الزوج قد طلقها ظالماً لها في بعض الأحوال؟
وتجدر الإشارة إلى أمر مهم وهو أن المطلقة قبل الدخول لا عدة عليها، مع أن الميثاق قد تم.
وبالتأكيد هناك أمر آخر وجب أن تنتظر الزوجة من أجله وحكمة أبعد من كل ما تقدم ربما خفيت ولا بد من أن تكون مرتبطة بتكوين المرأة ذاتها، بحيث يكون زواجها قبل انتهاء العدة فيه - بحسب ما يذهب إليه ظني - ضرر عليها من الناحية الصحية كما فيه ضرر على الزوج الثاني إضافة طبعاً إلى ما يمس طبيعة العقد من الناحيتين الإنسانية والعاطفية.
ذلك لأن الشريعة الغراء لم توجب قط العدة على الرجل وأكثر من ذلك فالرجل يستطيع شرعاً الزواج بأكثر من امرأة في آن واحد بل ويستطيع أن يأتي أزواجه في غسل واحد، كما ورد ذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
ثم إن المرأة إذا طلقت وانتهت مدة عدتها، فقد نهى الشارع الحكيم سبحانه وتعالى عن عضلها من أن تنكح زوجها «مطلقها» إذا تراضت معه بالمعروف، قال تعالى: «ولا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ذلك أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون» الآية 232من سورة البقرة، وقوله تعالى: «ذلك أزكى لكم وأطهر» يدل على أفضلية أن تعود هذه المرأة زوجة لزوجها الأول وقال: «أزكى لكم وأطهر» أي للجميع، فاستخدام لفظ أزكى وأطهر ربما دل على أنه الأسلم من الناحية الفسيولوجية. وختم الآية الكريمة بقوله تعالى والله يعلم وأنتم لا تعلمون يشي بأن هناك أمراً يعلمه الله وربما كان لا يزال خافياً على الناس.
ولأني لا أريد أن أخوض في ما لا أعلم، بقي أن أوجه ملاحظاتي وأسئلتي لرواد الإعجاز العلمي في القرآن الكريم من أمثال الشيخ الداعية الدكتور عبدالمجيد الزنداني، والأستاذ الداعية الدكتور زغلول النجار جزاهما الله تعالى خيراً فيقومان مشكورين بتسليم المسألة لمراكز أبحاث لعل الأطباء والبحاثة أن يجدوا الجواب الشافي لمثل هذه المسائل.
منى العمد
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد