أطياف..لوكليزيو.. الكاتب الكوني

14-09-2011

أطياف..لوكليزيو.. الكاتب الكوني

ليس غريباً أن تستشيط الصحافة الصهيونية غضباً صباح مفاجأة العالم بإعلان فوز الروائي الفرنسي جان غوستاف لوكليزيو بجائزة نوبل للأدب عام 2008،.

ويصل الأمر بأحد المعلقين في صحيفة هآرتس إلى القول: «لقد منحوه الجائزة على وسامته، وليس لرواياته المثيرة للملل والتثاؤب». فللصهاينة أسبابهم المفهومة في شن حملة إعلامية مسعورة ضد الكاتب، والتشكيك بنزاهة اللجنة السويدية المقررة للجائزة الرفيعة. لكن ماليس مفهوماً تعامل الأوساط الثقافية والإعلامية العربية مع هذا الحدث الهام، في حينه وفي الأوقات التالية، بلامبالاة وعدم اكتراث، يثير أكثر من سؤال. ‏

كاد لوكليزيو الذي ينتمي إلى عائلة متعددة الأعراق والثقافات، أن يكون عربياً في روحه، ومبشراً إنسانياً في جلسات أنسه، وثورياً ضد كل أشكال الظلم وانتهاك كرامات البشر، في ترحاله الذي لايعرف الاستقرار. ‏

من يقرأ روايته «صحراء» الصادرة عام 1980، يشعر للوهلة الأولى أن كاتبها لابد أن يكون واحداً من رجال «الطوارق» الذين تنتشر قبائلهم على امتداد الصحراء العربية الكبرى الممتدة من ساقية الذهب غربا، إلى تخوم مصر شرقا. ولابد أيضاً من أن تطرب مسامعه مع الأغاني التي يرددها الحداؤون بعماماتهم الزرقاء، على رأس القوافل العربية التي تجوب الصحراء بحثاً عن كلأ نادر، وأمن صعب المنال بعيداً عن تجاذبات الدول التي تتقاسم ذلك الفضاء الجغرافي المترامي الأطراف. ‏

نشر لوكليزيو روايته «نجمة تائهة» عام 1988، وهي الرواية التي قلبت الدوائر الصهيونية في الغرب ضده، لأن أحداثها تدور في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الذين شردتهم العصابات الصهيونية، وما انفكت تطاردهم في أكثر من مكان بهدف إبادتهم. لكن الحملة الظالمة لم تأخذ بعدها العنيف ضد الكاتب إلا عندما نال جائزة نوبل عام 2008، بسبب دفاعه عن الشعوب والأقليات المضطهدة في العالم. ‏

يعتبر لوكليزيو أن إنسان الغرب كَسَرَ توازُناً إنسانياً من خلال عنفه الذاتي. وها هو الآن يكتشف خطأه، ويسعى عبثاً إلى إعادة تكوين انسجام الحضارات التي خرَّبها بكلتا يديه. ويؤكد في معرض إحدى المقابلات الصحفية معه عام 1995 بالقول: «..كان القضاء على الشعوب الهندية، السكان الأصليين لأمريكا، أكبر كارثة عرفتْها الإنسانية. فرغم اختباء هذه القبائل في الجبال والصحارى والغابات، إلا أنهم لايزالون يلقِّنوننا الصورة الأوفى لمبادئ الحرية والتضامن، وحلم الحضارات القديمة السابقة للغزو الأوروبي. الهنود، على ما رويتُ ذلك في «الحلم المكسيكي»، ما برحوا حراسًا لـ«أمِّنا الأرض» ومراقبين لسُنَن الطبيعة، ودورة الزمن». ‏

جان غوستاف لوكليزيو لم يأخذ حقه من التكريم في النقد العربي، ككاتب تناول الثقافة العربية من منظورها الإنساني الواسع، ولم يلق الكثير من الاهتمام من دوائر الترجمة والنشر في مختلف وزارات الثقافة العربية. لهذه الأسباب مجتمعة، سنكون على موعد في العدد القادم، مع عرض أوسع لكافة أعماله الإبداعية. ‏

سعيد هلال الشريفي

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...