أنقرة وموسكو تتبادلان التهديد ودي ميستورا في دمشق وانكسار مسلحي تركيا في تل رفعت
تجاهلت «قوات سوريا الديموقراطية» والمقاتلون السوريون الأكراد، أمس، كل التهديدات التركية والقصف المدفعي الذي طال مناطق تواجدهم، وسيطروا على بلدة تل رفعت، أبرز معاقل الفصائل الإسلامية في ريف حلب الشمالي، إلى جانب مارع إلى الشرق منها وإعزاز شمالا والأقرب إلى الحدود التركية.
وكما التهبت الأرض قرب الحدود التركية، التهبت أيضاً التصريحات بين أنقرة وموسكو، حيث هدّد رئيس الحكومة التركية أحمد داود أوغلو بأنه «إذا واصلت روسيا التصرف كأنها منظمة إرهابية ترغم المدنيين على الفرار، فسنوجّه إليها رداً حاسماً جداً»، فيما نددت روسيا بالأعمال العدوانية التركية في شمال سوريا، متهمة أنقرة بمساعدة «جماعات جهادية جديدة ومرتزقة مسلحين» على التسلل إلى سوريا لتقديم العون لتنظيم «داعش» وغيره من الجماعات الإرهابية، فيما دخلت واشنطن على خط الأزمة مطالبة موسكو وأنقرة بتجنب أي تصعيد.
في هذا الوقت، وصل المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا إلى دمشق على أن يلتقي وزير الخارجية وليد المعلم اليوم «لمناقشة استئناف المفاوضات في 25 شباط الحالي، ووقف إطلاق النار، والمساعدة الإنسانية إلى البلدات المحاصرة».
وبرغم القصف التركي، نجحت «قوات سوريا الديموقراطية»، وهي تحالف لفصائل كردية وعربية، في السيطرة على تل رفعت، أبرز معاقل الفصائل الإسلامية، المدعومة من أنقرة والرياض، في ريف حلب الشمالي. ومن غير الواضح حتى الآن ما اذا كانت القوات المهاجمة ستتقدم الآن نحو مارع او الى اعزاز مباشرة.
وتأتي أهمية تل رفعت من أنها تقع بين مدينة حلب ومدينة إعزاز قرب حدود تركيا. ويأتي هذا التقدم في ريف حلب الشمالي بعد تقدم للجيش السوري في المنطقة ذاتها، ما وضع المجموعات المسلحة بين فكي كماشة القوات السورية والمقاتلين السوريين الأكراد.
وقال مصور لوكالة «فرانس برس» من الجهة التركية للحدود إن ثلاثة مدافع تركية نصبت على بعد خمسة كيلومترات من معبر اونجو بينار (باب السلامة) قصفت لمدة 20 دقيقة الأراضي السورية.
وركّزت المدفعية التركية قصفها على الطريق بين مطار منغ العسكري في محافظة حلب ودير جمال باتجاه تل رفعت في محاولة لقطع طريق التعزيزات عن «قوات سوريا الديموقراطية». كما استهدفت مناطق تواجد الأكراد بين إعزاز وعفرين، وتحديدا قريتي أطمة ومريمين. وقتل طفلان في بلدة دير جمال جراء القصف التركي، بحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان».
وذكر «المرصد»، في بيان، أن «10 مدنيين، بينهم ثلاثة أطفال، قتلوا في غارة جوية روسية في محيط مستشفى في مدينة إعزاز وقرية كلجبرين القريبة منها. وقتل تسعة مدنيين آخرين في غارة جوية استهدفت مستشفى مدعوما من منظمة أطباء بلاد حدود جنوب مدينة معرة النعمان في محافظة ادلب».
وقال داود اوغلو، في مؤتمر صحافي مع نظيره الأوكراني ارسيني ياتسينيوك في كييف، «إذا واصلت روسيا التصرف كأنها منظمة إرهابية ترغم المدنيين على الفرار فسنوجه إليها رداً حاسماً جداً».
وأضاف أن «روسيا وتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا ارتكبا العديد من الجرائم ضد الإنسانية. وهذه القضية ينبغي النظر فيها في إطار القانون الدولي»، متهما موسكو و»داعش» بمواصلة «الهجمات الوحشية على المدنيين» في هذا البلد.
وتابع داود اوغلو إن «النية الحقيقة لروسيا (في سوريا) هي قتل اكبر عدد من المدنيين، ودعم النظام السوري ومواصلة الحرب». وقال «إذا استمرت الألاعيب الديبلوماسية، كما حصل في جنيف أو ميونيخ، ستتحمل الأسرة الدولية هذه المشاكل».
وأضاف أن روسيا ووحدات حماية الشعب الكردية أغلقا ممرا إنسانيا شمال مدينة حلب، وأن موسكو تريد ألا تترك للمجتمع الدولي سوى خيارين في سوريا إما الرئيس بشار الأسد أو تنظيم «داعش».
وتدهورت العلاقات بين أنقرة وموسكو إلى أدنى مستوياتها بعد أن قامت تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي في تشرين الثاني، بإسقاط طائرة حربية روسية.
وأعلن داود اوغلو أن بلاده لن تسمح بسقوط مدينة إعزاز السورية بأيدي مقاتلي «وحدات حماية الشعب» الكردية. وقال «لن نسمح بسقوط إعزاز، ولا بتقدم الميليشيات الكردية نحو غرب الفرات أو شرق عفرين». وكرر مطالبته المقاتلين الأكراد بالانسحاب من مطار منغ الذي سيطروا عليه الأسبوع الماضي. وقال «لا بد أن ينسحبوا من المطار، وإلا سنجعله غير صالح للاستخدام». وأضاف أن «عناصر وحدات حماية الشعب أرغموا على الابتعاد من محيط إعزاز، وإذا ما اقتربوا مجدداً، فسنتصرف بأشد الوسائل».
واتهم داود اوغلو روسيا باستخدام أكراد سوريا. وقال إن «وحدات حماية الشعب هي حالياً وبصورة واضحة بيدق ضمن المساعي الروسية التوسعية في سوريا». وأضاف «في الحقيقة أن وحدة أراضي ثلاث دول، هي جورجيا وأوكرانيا وسوريا، واقعة تحت تهديد روسيا حالياً، كما أن وحدة الأراضي الأذرية مهددة أيضا جراء الدعم الروسي لأرمينيا».
ونفى وزير الدفاع التركي عصمت يلماز اتهامات السلطات السورية بأن الجيش التركي أرسل قوات إلى الأراضي السورية، مكرراً أن بلاده لا تعتزم القيام بذلك. كما نفى وصول طائرات سعودية إلى قاعدة إنجيرليك التركية، لكنه أشار إلى أن السعودية اتخذت بالفعل قراراً بإرسال أربع طائرات من طراز «إف 16».
ويتناقض تصريح يلماز مع إعلان وزير الخارجية التركي مولود جاويش اوغلو، السبت الماضي، أن أنقرة والرياض يمكن أن تطلقا عملية برية ضد تنظيم «داعش» في سوريا، مؤكدا إرسال السعودية طائرات حربية إلى قاعدة تركية.
وذكرت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، إن «موسكو تعرب عن قلقها البالغ حيال الأعمال العدوانية للسلطات التركية»، معتبرة أن هذه السياسة التركية تنم عن «دعم فاضح للإرهاب الدولي». وأضافت أن روسيا ستضغط من اجل رفع المسألة إلى مجلس الأمن الدولي حتى يجري «تقييم واضح لسياسة أنقرة الاستفزازية هذه التي تشكل خطرا على السلام والأمن يتجاوز حدود الشرق الأوسط».
واتهمت الخارجية الروسية أنقرة «بمواصلة تسهيل دخول العديد من مجموعات الجهاديين والمرتزقة المسلحين بصورة غير شرعية إلى الأراضي السورية». وتابعت أن «المسلحين المصابين ينقلون إلى تركيا، فضلاً عن تحرك مجموعات مشتتة من العصابات للاستراحة في تركيا وإعادة تنظيم صفوفها».
ونقلت وكالة «إنترفاكس» عن مسؤول في وزارة الخارجية أن موسكو ستواصل ضرباتها الجوية في محيط حلب حتى لو تمَّ التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في سوريا، فيما توقع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف أن تبدأ مجموعة عمل لتنفيذ الهدنة في سوريا أعمالها في جنيف خلال أيام.
وفي واشنطن، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية «من المهم أن يتحاور الروس والأتراك مباشرة، وان يتخذوا إجراءات لتجنب التصعيد».
ووجدت واشنطن نفسها في موقف محرج في الملف السوري حيث أنها حليفة أنقرة ضمن التحالف الدولي المناهض لـ «داعش»، لكنها تدعم في الوقت ذاته أكراد سوريا الذين يقصف الجيش التركي مواقعهم في الشمال السوري. كما أن الولايات المتحدة شريكة لروسيا في إطار العملية الديبلوماسية الهادفة لإيجاد حل للنزاع السوري.
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد