إسرائيل تطلب من واشنطن مخرجاً من الحرب مع إيران
في أول محاولة للنزول عن الشجرة العالية التي صعدت إليها إسرائيل، جراء تهديداتها بقصف المنشآت النووية الإيرانية بمعزل عن الموافقة الأميركية، نشرت صحيفة «معاريف» أمس مطالب الحكومة الإسرائيلية من الإدارة الأميركية للحؤول دون هجوم منفرد، وبينها اعلان أميركي واضح بإيقاف المشروع النووي الإيراني بالقوة، يصدر قبيل الدورة السنوية المقبلة للجمعية العمومية للأمم المتحدة. وتسعى وزارة الخارجية الإسرائيلية للتوافق مع الإدارة الأميركية بشأن هذا الإعلان والنقاط الأخرى التي يشملها.
وبحسب «معاريف» فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه إيهود باراك ينتظران من الرئيس الأميركي باراك أوباما أن يوضح، من فوق منصة الأمم المتحدة أو أي منصة أخرى، بأن بلاده ستعمل عسكريا لإيقاف المشروع النووي الإيراني. ومعروف أن أوباما سيلقي خطابا أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، التي تبدأ أعمالها في 25 أيلول المقبل، في نيويورك حيث من المفترض أن يلتقي نتنياهو أيضا على هامش الدورة.
وأوضحت «معاريف» أنه رغم رفض ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية التعليق على النبأ، إلا أن مصادر إسرائيلية أبلغتها أن وزارة الخارجية وديوان رئاسة الحكومة بدآ المحاولات الأولية لترتيب الأمر مع البيت الأبيض ومع المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس المقربة جدا من أوباما. ونقلت الصحيفة عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى قوله انه إذا قال أوباما الكلمات التي تنتظرها إسرائيل منه، فإن ذلك سيسهم بشكل حاسم في توفير الشعور
بالثقة أن الولايات المتحدة ستعمل عسكريا لإيقاف إيران، وأيضا في تبديد المخاوف من أن تهاجم إسرائيل إيران قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في السادس من تشرين الثاني المقبل.
وشددت «معاريف» على أن الوقت ملح بالنسبة لإسرائيل بشأن هذا الإعلان، جراء الجدول الزمني الذي ينفذ للهجوم على إيران، والذي تفيد التقديرات بأنه قد يقع خلال الشهرين ونصف المقبلين. وأضافت أن نتنياهو وباراك يدركان بأن إعلانا كهذا، إذا كان سيصدر، فإنه سيصدر في وقت قريب من الانتخابات وليس الآن. وكان أوباما قد أطلق أحد أهم تصريحاته في هذا الشأن في خطابه أمام مؤتمر اللوبي اليهودي (إيباك) في واشنطن في الرابع من آذار الماضي. وأعلن، في ذلك التصريح، أن «إيران نووية أمر يناقض المصلحة الأمنية القومية للولايات المتحدة. ما فعلناه حتى الآن لم يكن كافيا. نحن ملزمون بإتمام المهمة»، لكنه سرعان ما استدرك قائلا «كرئيس وقائد للجيش أنا أفضل السلام على الحرب. وسأستخدم القوة فقط إذا اضطرتني الظروف والتوقيت لفعل ذلك».
ورغم ذلك يتعذر على نتنياهو وباراك تصديق أن الولايات المتحدة ستمنع إيران بالقوة من امتلاك سلاح نووي. وهما يعرضان من الماضي مثالي باكستان وكوريا الشمالية اللتين اضطرت الولايات المتحدة للتسليم بأنهما قوتان نوويتان. وهما يعرضان أيضا المثال العراقي الذي لم تستخدم الولايات المتحدة القوة العسكرية معه إلا بعد غزو الكويت، وبالتالي منعت تحوله إلى قوة نووية. وكذا الحال مع المحاولة السورية لإنشاء مشروع نووي، حيث عارضت أميركا قصف المفاعل ما اضطر إسرائيل لتدميره بنفسها.
من جانبها، أشارت «يديعوت احرونوت» إلى أن إسرائيل قد تزيح عن جدول الأعمال هجوما عسكريا منفردا على إيران إذا ما لبت الإدارة الأميركية شروطا عدة. ونقلت الصحيفة عن مسؤول إسرائيلي قوله إن الإيرانيين لا يلحظون حزما من جانب الإدارة الأميركية، لذلك فإنهم لا يوقفون مشروعهم النووي، بل يعمدون إلى تسريعه. وأضاف أن الإيرانيين لا يؤمنون بأن الولايات المتحدة ستهاجمهم بسبب الانتخابات، وأن إسرائيل لن تهاجمهم بسبب عدم الموافقة الأميركية. ولذلك فإن إسرائيل تطالب الولايات المتحدة بأن تتحدث بصوت عال وواضح أنها سوف لن تسمح بامتلاك إيران سلاح نووي، وأن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها بنفسها.
وبحسب «يديعوت» فإن إسرائيل تريد التزاما واضحا من واشنطن بأن هجوما عسكريا على إيران سيتم بعد الانتخابات، وأن هذا التزام على أي رئيس مقبل. وتعرف إسرائيل أن أوباما يرفض تقديم التزام كهذا ولو بشكل سري، لذلك تتطلع إلى تصريح علني قد يكون تطويرا لتصريح أوباما أمام مؤتمر «إيباك». وتريد إسرائيل من الإدارة الأميركية أن توجه إنذارا للإيرانيين بأنه إذا لم يتم التوصل الى اتفاق في محادثات «5+ 1» فإن المفاوضات ستتوقف تماما خلال أسبوع أو أسبوعين. وتوقف المفاوضات يعني أنه لم تعد للإيرانيين حصانة. كذلك تطالب إسرائيل بتوجيه إنذار بوجوب وقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة فورا، وعدم التفاوض في ظل هذا التخصيب.
وتطالب إسرائيل أيضا بتشديد العقوبات الاقتصادية وفرض حظر شامل على كل من يتعامل مع المصرف المركزي الإيراني، وإلغاء الإعفاءات الممنوحة الآن لبعض الدول. وإضافة لذلك تطالب تل أبيب واشنطن بزيادة حضورها العسكري المهدد في الخليج العربي. كما تطالب أميركا بالكشف عما لديها من قدرات لكي توضح للإيرانيين جدية الموقف. وإضافة لذلك هناك مطلب «الخط الأحمر»، والذي يتحدد ليس فقط بعد ملاحظة وجود قرار بالتسلح الإيراني نوويا وإنما قبل ذلك لمنع طهران من امتلاك القدرة على أن تكون دولة «حافة نووية»، أي دولة قادرة على إنتاج السلاح النووي وقتما تريد.
وحملت افتتاحية «نيويورك تايمز» الأميركية على الإيحاءات الإسرائيلية بأن الإدارة الأميركية ستلحق بتل أبيب في محاربة إيران. وقالت إن «هناك مجالا للدبلوماسية، وأن على زعماء إسرائيل تلطيف أحاديثهم عن الحرب». واعتبرت الافتتاحية أن الكلام عن تفكير نتنياهو بمهاجمة إيران قبل الانتخابات الرئاسية لجر أوباما لتأييدها «مثير للغضب». وذكرت انه «من غير الممكن معرفة ما يخطط له رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، أو لماذا يتجاهل الرجاء الأميركي لمنح الدبلوماسية فرصة منطقية... هناك تقديرات دؤوبة في إسرائيل بأن نتنياهو يريد الهجوم في الأسابيع القريبة، من منطلق الإيمان بأن أوباما سيضطر لتأييد قراره لأغراض حزبية في إطار الحملة الانتخابية الرئاسية. مثل هذه الخطوة ستكون مثيرة للغضب والسخرية». وشددت على أن استمرار زعماء إسرائيل في الحديث عن الحرب هو أمر «ضار في أحسن الأحوال، وعمل غير مسؤول في أسوأ الأحوال، خصوصا حينما لا يزال مجال للعمل الدبلوماسي».
حلمي موسى: السفير
إضافة تعليق جديد