إسرائيل وتقرير الحرب على غزة: اشتباك متصاعد.. وتنبؤ بإخفاقات مقبلة

11-05-2016

إسرائيل وتقرير الحرب على غزة: اشتباك متصاعد.. وتنبؤ بإخفاقات مقبلة

رفض المستشار القانوني للكنيست الإسرائيلية أمس، طلب 53 عضو كنيست عقد جلسة خاصة لمناقشة تقرير مراقب الدولة حول أداء الحكومة والجيش الإسرائيلي في الحرب الأخيرة على غزة. ولكن رَفْضَ هذا الطلب، على خلفية أن التقرير لم يُنشر أو لم يُسلم بشكل رسمي لأعضاء الكنيست، لم يُقلِّل من حدة الاشتباك الداخلي بشأنه، وهو اشتباك مرشح للتصاعد على خلفية استمرار أسباب الحرب مع قطاع غزة. وواضحٌ أن الاشتباك قائم بين الحكومة والمعارضة، وداخل الحكومة الإسرائيلية ذاتها، والمسألة تتعلق بتحمل وتحميل المسؤولية عما جرى.فلسطينيتان تنظران امس من منزلهما الذي دمر في العدوان الاسرائيلي على غزة في العام 2014 (رويترز)
وبصرف النظر عن العواقب السياسية ومحاولات الاستغلال الحزبي لتقرير مراقب الدولة الإسرائيلي، فإن الصورة العامة المستخلصة منه تخيف الإسرائيليين. فهناك قيادة سياسية وعسكرية عاجزة عن إدارة الحرب، وقبل ذلك عاجزةٌ عن توفير أسباب تلافيها. وبالعموم، فإن النتيجة مُحرِجة وضارة. فالجيش الأقوى في الشرق الأوسط عجز عن حسم معركة مع تنظيمات المقاومة الفلسطينية في غزة، ورغم الضرر الكبير الذي ألحقه بالقطاع، تكبد هو الآخر خسائر كبيرة.
وأمس، نشر المراسل العسكري لـ «هآرتس»، عاموس هارئيل، مزيداً من التفاصيل عن مسودة مراقب الدولة، موضحاً أن القراءة المعمقة له «تظهر صورة مقلقة. المستوى السياسي ينشغل بالسؤال حول مَن الذي سيتضرر من النخبة السياسية الامنية من هذا التقرير، وكيف ستؤثر النتائج في مستقبله. لكن من يهتم ايضاً باتخاذ القرارات وطبيعة القرارات ذاتها، سيقلق من هذا التقرير، ليس فقط لأن المسودة تشير الى الضعف البنيوي في طريقة بلورة السياسة الاسرائيلية بشكل عام وفي غزة بشكل خاص، بل هي تتنبأ بالطريقة التي ستدخل فيها اسرائيل الى جولة الحرب المقبلة مع حماس».
وكتب هارئيل أن مراقب الدولة، يوسف شابيرا، ورئيس القسم الأمني في مكتبه، الجنرال يوسي باينهورن، «استغلا اطلاعهما على تلخيصات النقاش في مكتب رئيس الحكومة والكابينت والأذرع الامنية، من اجل تحليل سلوك اسرائيل تجاه سلطة حماس في القطاع. ويتبين من المسودة أن القيادة الاسرائيلية لم تناقش بشكل جدي امكانية تقديم تسهيلات اقتصادية لغزة، الأمر الذي كان سيؤجل اندلاع المواجهة، كما أن اسرائيل لم تضع لنفسها أبداً استراتيجية وأهدافا في ما يتعلق بالقطاع، وأن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع موشي يعلون ورئيس الاركان في حينه بني غانتس، عملوا على اخفاء المعلومات عن المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) وحولوه الى هيئة لا قيمة لها، وأن المعلومات الاستخبارية حول استعدادات حماس ونواياها كانت جزئية ومتناقضة وأن مجلس الامن القومي لم يفلح في أن يكون موازيا للجيش الذي يحظى بالمعلومات الكاملة والتخطيط وايجاد البدائل المحتملة».
وبحسب هارئيل، فإن مسودة التقرير «تتنقل طوال الوقت بين موضوعين يتطوران على خطين متوازيين لا يلتقيان». فمن ناحية، نتنياهو ويعلون وغانتس ومعهم الاجهزة الأمنية يفهمون الوضع على حقيقته حتى قبل اندلاع الحرب، حيث أن خطر الأنفاق كان معروفاً، وقام جهاز «الشاباك» في نيسان 2014 بالتحذير من امكانية أن تحاول «حماس» القيام بعملية استراتيجية كبيرة بواسطة الأنفاق في تموز. ومن ناحية ثانية، هناك «الكابينت» الذي لا يعرف. فرئيس الحكومة استبعد أعضاءه بشكل متعمد. وهم سمعوا عن خطر الأنفاق في نقاش واحد في آذار 2014، أي قبل اربعة أشهر من بدء العملية. ولم يعرفوا عن «القنبلة الغزية الموقوتة»، أو عن تأثير قطاع غزة على الجيش في تعاطيه مع «حماس» في الضفة الغربية، بعد اختطاف المستوطنين الثلاثة في غوش عتسيون، وتم ابلاغهم عن بحث الجيش عن نفق حماس في كرم أبو سالم قبل بضعة ايام من اندلاع الحرب في القطاع.
وأضاف هارئيل أنه نظراً لعدم اطلاع «الكابينت» على التفاصيل، فان اعضاءه ايضاً لم يتح لهم معرفة نتائج وقف التدريبات في الجيش الاسرائيلي كجزء من الصراع على الميزانية، قبل اندلاع الحرب بفترة قصيرة، وتم اطلاعهم في وقت متأخر على الوضع الخطير في مخزون الجيش بسبب الاستخدام غير المراقب للذخيرة في غزة. الوزير جلعاد أردان اعترف لمراقب الدولة بأن اعضاء «الكابينت» لم يكن لديهم المعلومات الكافية أو الوقت الكافي لمتابعة المعلومات التي حصلوا عليها وفحصها أو التوجه للخبراء من اجل تحليل الوضع.
وأثناء النقاشات في «الكابينت» حول الحرب، كان وزير الدفاع ورئيس الاركان، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، الجنرال افيف كوخافي، يقللون من احتمالات اندلاع الحرب. و «الكابينت» الذي لم يدرك الفجوة بين الاستخبارات وبين استعدادات «حماس» وجهاز اتخاذ القرارات، كان يتعاطى مع هذه التقديرات بثقة عالية. وعندما سَأَلَ الوزراءُ عن الخطط العسكرية لعلاج الأنفاق، كان يتم التملص والتأجيل. وفي شهاداتهم أمام المراقب، ادعى قادة الاجهزة الامنية أن المعلومات قُدمت لـ «الكابينت» في الموعد، الامر الذي شكك فيه المراقب. وقد وصف عدم تقديم المعلومات بأنه شيء «صعب ومقلق».
ويوجه التقرير انتقادات شديدة لوزير الدفاع ورئيس الاركان ورئيس الاستخبارات العسكرية، ورئيس قسم البحث في الاستخبارات العسكرية، العقيد ايتي بارون. ويتبين من المسودة ايضاً أن الثلاثة، و «الكابينت»، لم يناقشوا بشكل معمق المخرج الذي من شأنه منع المواجهة. لقد مرت «حماس» قبل الحرب بأزمة الرواتب مع السلطة الفلسطينية، وتم اغلاق معبر رفح وبدأت مصر في تدمير الأنفاق. إن الموافقة الاسرائيلية على نقل الاموال لموظفي «حماس» أو توسيع استيراد البضائع للقطاع عن طريق اسرائيل في معبر كرم أبو سالم، كان يمكن أن يؤجل الحرب. هذه نقطة للتفكير الآن، لا سيما حول ما يمكن أن يكون تكراراً، اذا قررت «حماس» التوجه لمواجهة اخرى بناء على الوضع الاقتصادي المتدهور في القطاع.
عموماً، فإن تقرير مراقب الدولة في إسرائيل يتحدث عن أن الحكومة الإسرائيلية لم تناقش ما تريده من غزة، ولم يتم وضع هدف استراتيجي. اغلبية النقاشات كانت على المستوى التكتيكي، وكذلك الحرب ايضاً. والانطباع هو أن القيادة تريد انهاء هذه القصة بأقل قدر ممكن من الضحايا وبأقل قدر من الضرر السياسي. وبعد مرور عامين، فان تقرير مراقب الدولة يضع علامة استفهام حول تعاطي نتنياهو مع الحرب، الامر الذي قد يضر به من ناحية سياسية.
ويعتقد المعلق السياسي بن كسبيت أن قيمة تقرير مراقب الدولة تكمن في مناسبته للظرف الراهن حيث احتمالات نشوب الحرب مع غزة قائمة. ورغم قوله إن «حماس» لم تتمكن من ترميم قدراتها، إلا أن الظروف قد تجر الطرفين لجولة قتال جديدة أقرب مما يعتقد. وفي نظره، لا تعتبر الحرب الأخيرة على غزة «نجاحاً»، لأن «حماس» للمرة الاولى أفلحت في إطلاق صواريخ على تل أبيب وكسر روتين حياة الإسرائيليين لأسابيع طويلة، بل وإغلاق مطار اللد ليومين. وبالمقابل، تعذر على «الكابينت» اتخاذ قرار باحتلال غزة. ويخلص إلى أن إسرائيل، كما تتبدى من تقرير المراقب، هي دولة «مرتبكة ومترددة تفتقر للعزم». وتقريباً، كل توقعات رئيس الأركان، كما عرضت أمام الكابينت، انهارت على الأرض. ونقل بن كسبيت عن مصدر أمني إسرائيلي كبير قوله: «لو نشرت كل المعطيات بشأن عدد الصواريخ والقذائف التي أطلقت على إسرائيل لشعر الجميع بالصدمة». واستخدمت إسرائيل لتدمير الأنفاق مخزونها الثمين من القنابل المخترقة للحصون من دون جدوى كما أن أربعة ألوية مدرعة (400 دبابة) شاركت في الحرب وأطلقت كمية هائلة من القذائف.

حلمي موسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...