إسهام في إذكاء الخصام بين صدقي اسماعيل وعبد المعطي حجازي

23-05-2009

إسهام في إذكاء الخصام بين صدقي اسماعيل وعبد المعطي حجازي

الجمل- غازي أبو عقل:  حفزني الجدل الدائر حول الشاعر حجازي والجائزة إلى العودة إلى محفوظات صحيفة "الكلب" السورية – غير المعروفة – التي أسسها الأديب الراحل صدقي اسماعيل [انطاكية 1924 – دمشق سبتمبر أيلول 1972]. قاصداً زيادة الطين بلّة انسجاماً مع تقاليد تلك الصحيفة العريقة، وذلك باسترجاع رسالة شعرية "حلمنتيشية" طبقاً لأسلوب "الكلب" كان الأستاذ صدقي قد وَجَّهها على صفحات "الكلب" في خريف 1959 – إبان الوحدة المصرية السورية – إلى الشاعر الشاب – يومئذ الأستاذ حجازي.
 حكاية الرسالة "الكلبية" جديرة بأن تُروى في خضم الجدل المحتدم بين المنتمين إلى مدارس الشعر المتنازعة.
 كان الشاعر الشاب حجازي قد كتب قصيدة طويلة من "الشعر الحر"، كما عَرّفوه يومئذ، عنوانها "أوراس" يُحيّي فيها نضال شعب الجزائر. ولأنه سينشرها في كرَّاس مستقل، طلب من صدقي اسماعيل كتابةَ تقديم لها، فاستجاب الرجل وكتب مقدمة عنوانها: القصيدة والتجربة، جاءت فيها أفكار لم ترق للشاعر حجازي، الذي أخذ عليه صدقي "فرط الحماسة التي جعلت القصيدةَ أهازيج إنشاء تتموج فوق الواقع الملموس. والصور فيها تنطلق خاطفة مبهمة أشبه بأطياف الضباب... فقصة الجزائر وتجربة الثورة في واقعها الحي وأحداثها الإنسانية الضيقة أبلغ من كل خيال شعري. إنها حياة مزدحمة تبحث عن شاعر. ولكن معظم الشعراء لسوء الحظ ما يزالون يصفون المشاعر ويتغنون بالأحداث، أكثر مما يجسدون حقيقتها ويرسمون معانيها الإنسانية في أشكال فنية مبدعة... وذلك هو موطن الضعف في القصيدة".
 ثار حجازي بالطبع، فأقدم "في ظاهرة فريدة" على كتابة مقدمة ثانية بمثابة رد، بعنوان "أنا والقصيدة" ووضعها بعد المقدمة التي كان قد طلبها من صدقي. وهكذا صدر الكتيب الذي لا يتجاوز عدد صفحاته الخمسين من القطع الصغير والحرف الكبير، بمقدمتين وذلك عن مطابع فتى العرب الدمشقية في عام 1959. لم يقدّر الشاعر حجازي أن صدقي اسماعيل "الوقور" يملك سلاحاً سرياً فاتكاً... إذ ما كاد ديوان أوراس يرى النور مع مُقَدّمتَيْه حتى عاجله صدقي بافتتاحية ملأت  صفحة "الكلب" كلها، عاتب فيها حجازي بسخرية كلها مودة وخفة ظل، بالإضافة إلى كونها تشكل "أطروحة" في مكانة "الشعر الحر" كما كان يُسمَّى يومئذ. قبل قراءة "الافتتاحية" نذكّر بالمعارك التي يخوضها اليوم الشاعر حجازي دفاعاً عن تصوره للشعر، فنراه أقرب إلى مقولة صدقي إسماعيل، كما جاءت في تقديمه لأوراس وفي افتتاحية "الكلب" أيضاً. قرأت في "العربي" القاهرية مقابلة مع الشاعر حجازي نشرت في الثالث عشر من يونيو (حزيران) 1999 عنوانها: الغناء هو ماضي الشعر العربي ومستقبله وقصيدة النثر محكوم عليها بالفشل والمطروح منها كذب على القارئ. وجاء في نص المقابلة: "بعد قراءتي ونشأتي في أحضان النص الرومانتيكي اكتشفت أن لغة البدايات عندي" والتي كانت معظمها من قصائد المناسبات "كانت معجونة بهذه اللغة الرومانسية فكان الجهد الأول الذي بذلته هو في كيفية التخلص من هذه اللغة إلى لغة الحياة اليومية...".
 أسوق هذه الحكاية اليوم، بعد هذه السنوات كلها، لا لأقول إن صدقي إسماعيل في ما كتب من "شعر" ومن صحافة ساخرة يستحق إعادة قراءة على الأقل فحسب، فهو مازال راهناً وسيبقى كما أرى زمناً طويلاً كذلك. بل للتذكير بهذه الصفحة المطوية التي تُقلّل من شأن "الوقار" والجدية التي تطبع المقاتلين في المعارك الأدبية، داعية إلى وضع السخرية في المكان المرموق الذي تستحقه لأنها أكثر أهمية من "المرافعات" الصادرة عن المقاتلين أجمعين.


حجازي ولو كنتَ في جلَّقِ

حجازي ولو كنتَ في جلَّقِ( )
  لكنّا بلا موعدٍ نلتقي

وكنتُ أرَقْتُ عليك اللهيب
  وأقصد من شوقيَ المحرقِ

وكانت لنا جلسةٌ لا تُعادُ
  على قهوةِ الجسرِ في المفرق( )

"ونرجيلتانا" إلى جانبٍ
  وبابُ الأحاديثِ لم يُغلق

سوى الشعرِ والأدبِ المستساغِ
  فهل في الأحاديث من شِّيقِ؟

و "أوراس" قد خرجت "للمبيع"
  بمظهرها الرائع المونِقِ

بحجمٍ صغيرٍ ولكنَّه
  يزيد على عقلكَ الضِيقِ

وفيها مقدمة للأديبِ أخيكَ
  وأخرى لكم يا شقي

تردُّ بها نقديَ الألمعي
  كمُتَّهمٍ عند "مُستَنطقِ"( )

وتأتي بفلسفةٍ في الحياة
  وفي الشعر، من يَقتحمْ يَغرقِ

ترى في البطولةِ معنى الوجودِ
  وتَشدو الحنينَ إلى المُطلقِ

وتدعو لثوريةٍ في الكفاحِ
  أتغزو الخِضَمَّ على زورق؟

فكيف تخافُ انتقادي الجريء
  وترضَى بنسبية المنطقِ؟

أتَرنو إلى شاهقاتِ الجبال
  وما زلتَ في أسفلِ الخندقِ؟

أردتُكَ ذا نزعةٍ للعظيمِ
  من الشعرِ لِلبَيِّنِ المُشرقِ

لما فوقَ طاقاتِ من يقرضونَ
  القصائدَ في عصرنا الأخرقِ

يلوكون لفظاً بذيءَ الخيالِ
  ركيكاً كقشرٍ بلا فُستقِ

وتجديدُهم جاز حَدَّ الحياءِ
  وقد أشرعوه على بَيرقِ

فحيناً طلاسمُ فوقَ العقولِ
  وطوراً مَباذِل لا تتقي

وآوِنةً كسرُ بيتٍ سليم
  وتلويثُ معنىً قديمٍ نقي

وتقليد ما أبدعَ الآخرونَ
  ومن يَفْتقِر دائماً يَسرقِ

وحاشاك... سرُّ الجوادِ الأصيل
  هو الوثبُ لا الجري في "المسبقِ"

إذا كانتِ الأرضُ مرويةً
  أنطلبُ منها سوى الزنبقِ؟

وكيف أخونا "رجاء" الأديب( )
  أما زال حياً ألم يُرزَقِ؟

فمنّا إليه كثير السلامِ
  ولو لم يردَّ ولم يَشْتَقِ

أما زال يشكو همومَ الحياةِ
  وهل مَرَّ يومٌ ولم يَـقلقِ؟

إذا كان في مأزِقٍ لا يُحلُ
  فحضرتهُ علةُ المأزِقِ

وأيضاً سلامٌ إلى يوسفٍ
  وأعني الخطيب، ألم يرتقِ

لقد أخرسَ الحبُ أشعاره
  حجازي، تشبه به واعشقِ!

وبعدُ تحياتنا العاطرات
  إليك بأشذائها فانشُقِ

وردَّ علينا بأمثالهن
  لتنشرها "الكلبُ" في الملحقِ

بشعرٍ بليغٍ كهذا إذا
  من الشعرِ عندكَ شيءٌ بقي..


* * * * *
* * *
*

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...