الإسلام ليس مناهضاً للحداثة والعلمانية

16-02-2012

الإسلام ليس مناهضاً للحداثة والعلمانية

ليس من السهل التصدي لإشكالية الإسلام والحداثة؛ هذه القضية الشائكة، تستدعي تقديم قراءات جديدة تُخرج النصوص التأسيسية من إطارها التقليدي أو الكلاسيكي الى فضاء معرفي يأخذ في الاعتبار معطيين أساسيين: الأول، استخدام المناهج الحديثة كعلم الأديان المقارن، والانتربولوجيا وعلم الالسنيات وغيرها من العلوم الاجتماعية، في استنطاق القرآن؛ والثاني، إجراء عملية تحديث من داخل بنية الدين وفقاً للمعادلة التي طرحها كانط.
النص القرآني، نص مفتوح على التأويل، وهو يحمل هوية قارئه، وثمة آليات لا بد من توظيفها في القراءة والتفسير، أهمها: جدلية الوحي والواقع من جهة، والسياق التاريخي والسببي المرتبط بالتنزيل من جهة أخرى. الكثير من المسلمين ورجال الدين يرفضون وصف النص القرآني بكونه نصاً تاريخياً، على قاعدة التفريق بين القرآن والمصحف، لكن القول بأن القرآن نص تاريخي، لا يلغي قداسة الخطاب المتعالي، الذي يتطلب بالدرجة الأولى تفسيرات حداثوية تتوافق مع التحولات التي تشهدها الجماعات، خصوصاً أن الإسلام حاضر بقوة في الاجتماع والثقافة والسياسة، وهو يمثل أكبر طاقة محركة للأفكار في العالم الإسلامي.
وإذا كانت المعركة المفصلية للتحديث في البيئات التي يغلب عليها الدين مسألة ضرورية، فمن المهم تخطي الانسداد الفقهي الذي فرضه الفقهاء التقليديون، لا سيما أولئك الذين يفسرون النص بحرفيته من دون الأخذ بأسباب النزول وفقه اللغة، والعلوم الأخرى، التي تكشف عن دلالات القرآن ومقاصده. ورغم أن البعض يطالبون بالاعتماد على القرآن فقط كمرجعية دينية، ومن بين هؤلاء أهل القرآن، أو «القرآنيون»، وهو اسم أطلق على تيار إسلامي ظهر في مصر، لا يعتمد على الأحاديث والروايات، ويكتفي بالقرآن كمصدر للتشريع، ويستدل على ذلك بأن القرآن الوحيد الذي اجتمع كل المسلمين على صحته، بينما الأحاديث فيها اختلاف كثير على صحتها بين الفرق الإسلامية المتعددة، بل في الفرقة الواحدة اختلاف بين علمائها، إلاّ أن ذلك لا يمنع الاستناد الى السنّة النبوية عبر إخضاعها لعلم الجرح والتعديل وهو أحد علوم الحديث.
القراءة الحداثوية للنصوص التأسيسية، تتطلب تخطي الاطار التقليدي، نتاج بيئته وظروفه التاريخية، علماً أن تجربة المعتزلة كانت متقدمة زمنياً بالنسبة للظروف المحيطة بها، وعلى هذا يمكن أن نفهم لماذا لم تنجح هذه التجربة الرائدة، تحديداً إذا أجرينا مقارنة بين المنهج النقدي الذي استخدمه أهل العدل والتوحيد، وبين واقع المجتمع الإسلامي في تلك المرحلة؛ فالجمهور كان غائباً عن الثقافة، عدا أن استخدام العقل النقدي لدى المعتزلة والفلاسفة تأثر بمنهج الفلسفة اليونانية، ولم يفرضه الواقع. الإسلام لا ينبذ الحداثة لكنه يتدرج نحوها ببطء شديد، وإشكالية التحديث أكملت دورتها في القرن التاسع عشر، وكان لرواد التيار الاصلاحي من أمثال رفاعة الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني ورشيد رضا ومحمد عبده وعلي عبد الرازق، دورٌ مهم في السعي للاجابة عن السؤال الذي طرحه شكيب ارسلان: لماذا تقدم الغرب وتأخر المسلمون؟ وقد تبعهم بعد ذلك تيار ليبرالي، تقدمه طه حسين، والجيل الثالث إذا جاز التصنيف، مهد للمفكرين المعاصرين كنصر حامد أبو زيد وهشام جعيط ومحمد أركون.
ثمة إشكالية أخرى تطرح نفسها: لماذا لم يتقبل الجزء الأكبر من المسلمين تحديث البنى الثقافية والدينية كما حصل على مستوى الحداثة المادية؟ يستخدم فتحي بن سلامة أستاذ علم النفس وعميد وحدة البحث والتكوين في العلوم الإنسانية العياديّة بجامعة باريس، مصطلح «حداثة ظِلٍّ» للدلالة على أن عمل الثقافة الحديث لم يتقدم بالوتيرة نفسها التي شهدها التحول المادي، «من هنا ليس بمقدور المسلم قراءة هويته وعالمه، وأن الأصل في ما نراه من تمرد جماعي ميتافيزيقي يائس، هدفه استعادة تأويل الأسلاف اللاهوتي المُطمْئن». خلاصة فتحي بن سلامة تؤكد على النتيجة الأولية الآتية: التحديث لا بد أن يطول البنى الثقافية والدينية، وبما أن الحداثة لم تفعل فعلها بسبب المنظومة التقليدية المسيطرة على وعي الجماعات، فهذا يدفع الى العودة للماضي لحماية الذات المجروحة من صدمة الحداثة الوافدة من الغرب، والتي تزامنت بداياتها مع الاستعمار.
القراءة الحداثوية للإسلام قضية أساسية، وهي جزء من كل، فسطوة الرؤى التقليدية التي يدافع عنها حراث العقيدة في الوقت الراهن، تنبع من الأزمة الثقافية والأزمة المجتمعية والأزمة السياسية، فالحداثة إذا لم تتأسس على قواعد ثابتــة ولم تنهض من البنى المعرفية، فهي معرضة للانـهيار الســريع، وعلى هذا يمكن فهم أسباب فشل تجارب التحديث في العالم الإسلامي والعربي، الغارق في إحياء الماضي وإعادة صوغه بقوالب جديدة.
الإسلام يحتاج الى فضاء معرفي متقدم والى تأويل يحاكي المستقبل، والرهان على الحداثة، يتطلب بذل جهد كبير، يُعيد للاسلام حيويته كدين تقدمي، قادر على تجاوز الأطروحات الاستشراقية التي اعتبرت أن الإسلام دين جوهراني ثابت وأنه مناهض للحداثة والعلمانية أيضاً. وفي هذا السياق نستحضر ما قاله فؤاد عجمي، الذي أكد على عدم خطورة الإسلام، لتشرذمه وانهياره وسقوطه في وجه عواصف الحداثة، وذلك حين طُلب منه العام 1993 التعليق على أطروحة صموئيل هنتنغتون حول «صدام الحضارات».
الإسلام التقليدي يقف حاجزاً أمام الإسلام الاجتهادي، وليس من المستحيل استنطاق النص القرآني وفقاً للمناهج الحديثة التي استخدمتها المسيحية الغربية، وقد يقول قائل ومن بينهم الكاتب المصري «حامد عبد الصمد» أي إصلاح يُنتظر من شعوب تقدس نصوصاً جامدة ـ شرح عبد الصمد نظريته في كتابه الصادر باللغة الألمانية «سقوط العالم الإسلامي»، حيث خلص الى عدم إمكانية الإصلاح في الإسلام ما دامت دراسة القرآن عبر العقل النقدي ومبادئه ومناهجه أمراً محرماً يمنع أي تحرك ويقف في وجه كل قراءة حديثة ـ وفي الرد على عبد الصمد (ومعه فؤاد عجمي) المتأثر في أطروحة المستشرق برنارد لويس «أزمة الإسلام: الحرب المقدسة والإرهاب المدنس» لا بد من التأكيد على أن أزمة الإسلام هي جزء من الأزمات الثلاثية: الثقافية والمجتمعية والسياسية، وبما أن العالم الإسلامي لم يستطع التفلت من الدين ومن روابطه الاجتماعية والسلطوية، وبما أن الإسلام شديد الحضور في نسج المفاهيم والقيم والأفكار، فإن الأولوية يجب أن تعطى للاصلاح الديني، فقد آن أوان مصالحة الإسلام مع الحداثة.

ريتا فرج

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...