الإعلام العربي يرواغ الرقابة
ليس من السهل الكتابة عن حرية الاعلام. اذ يعرف كل الصحفيين أنه سيكون هناك بعض القيود على مايمكن قوله حتى في البلدان التي ليست فيها رقابة رسمية.
فالمحررون المسؤولون يجب اقناعهم، ومالكو وسائل الاعلام يجب ان يكونوا راضين عن ما يقدم، والقانون او العرف تجب طاعته.
وحيث توجد رقابة رسمية - اذ على سبيل المثال - يصبح جريمة " ذم الحكومة "، او عند نشر مادة تتضمن "اساءة الى مقام راس الدولة" تصبح المشكلة اعظم.
ليس ثمة حرية مطلقة، على الرغم من تمتع بعض وسائل الاعلام بحرية اكبر من وسائل اعلامية اخرى.
وتبدو وسائل الاعلام في العالم العربي على وجه العموم مسيسة جدا.
حيث تتجه الحكومات الى السيطرة على منافذ وسائل الاعلام الرئيسية، كالصحف اليومية الاساسية وشبكات الراديو والتلفزيون الرئيسية، وحيث سمح بهامش لوسائل الاعلام المستقلة، والتي عادة ما تكون مملوكة لاحزاب المعارضة او رجال اعمال على صلات واضحة مع المنظمات السياسية. (كان تأسيس الجزيرة ، المحطة الاخبارية في قطر، حالة خاصة نادرة).
بيد انه ومع مجيئ الانترنت بدا المشهد وكأن شخصا ما قد فتح ملايين عدة من الابواب.
الان، يمكن للجميع ان يكتبوا ، فقد ولدت المدونات شخصية والمدونات العامة على الشبكة، معطية الجميع مدخلا الى الانترنت، قد يعادل فرصة الكتابة والنشر التي يتمتع بها معظم نجوم وسائل الاعلام المعروفين.
وذلك، على الاقل، على المستوى النظري. اذ ثمة الان حوالي 70 مليون مدونة، وتظهر 120000 مدونة جديدة كل يوم.
والحق، ان معظمها يقرأ من قبل كتابها فقط، لكن لبعضها تأثيرا هائلا - وفي العالم العربي بات البعض منها اكثر شهرة الان من وسائل الاعلام التقليدية المطبوعة والمذاعة.
لكن وجودك على شبكة الانترنت لا يعني انك ستكون حرا وبعيدا عن التقييدات الحكومية. ففي مصر، يمكن للمدونين ان يدعوا تحقيق بعض النجاح: بعد ان تمكنوا من ارسال صور فيديو لتعذيب الشرطة لمحتجزين في السجن، وتمت محاكمة ضباط الشرطة المسؤولين عن ذلك وسجنهم.
مع ذلك فان احد المدونين، كان هو نفسه عرضة للسجن بتهمة الاساءة للاسلام والقذف بحق الرئيس المصري حسني مبارك، و"نشر معلومات تضر بالنظام العام"، وواجه اخرون مضايقات ليعيشوا في خوف من الاعتقال.
وعلى ذلك، هل اصبحت الان "وسائل الاعلام الجديدة" - المدونات الشخصية والمدونات العامة على الشبكة وغرف الدردشة - وسائل الاعلام الوحيدة المستقلة فعليا في العالم العربي؟
كان ذلك السؤال المركزي في ندوة الحوار التي ادارتها بي بي سي في القاهرة الاسبوع الماضي - وكانت استجابات الجمهور هي نعم بشكل كبير على الرغم من ان التقييدات ما زالت موجودة.
( انوه هنا ، بان لدي انطباعا ان معظم الجمهور كانوا هم انفسهم من المدونين المتحمسين، لذا ربما لا يكونوا عينة ممثلة تماما).
وقال العديد من المشاركين في هذه الندوة بانهم يثقون بما يقرأونه في المدونات اكثر مما يقرأونه في الصحف او يسمعونه في محطات الاذاعة والتلفزيون الرسمية.
والى ذلك كانت الاستجابة من صحفيي "وسائل الاعلام القديمة" في الاسئلة التالية: ولكن من يدقق ما يكتبه المدونون؟ من يحرره ؟ واذا لم تكن تعرف من هو المدون، كيف نعرف انهم اهل للثقة؟
كتب مرة رجل امريكي صاحب احد مواقع الـ (دوت. كوم ) السابقين عن ظاهرة التدوين على الانترنت قائلا : " انها مغوية ، بمعنى انها تقنع الناس لان يفكروا بان لديهم الكثير لقوله وانهم اكثر استمتاعا عن ما هم عليه حقا في الواقع".
في الكفة الاخرى، اذا كانوا مملين وليس لديهم شيء لقوله، لا أحد سيقرأ لهم.
لذا لا يبدو مفاجئا ان ترى تحول العديد من الناس، وخصوصا الشباب منهم نحو"وسائل الاعلام الجديدة"، ما دامت هناك ثقة قليلة "بوسائل الاعلام القديمة".
وبدا الاتفاق الذي ساد ندوتنا في القاهرة، بأن ثمة حاجة للاثنين معا القديمة والجديدة ، في الوقت الراهن على الاقل.
بعد كل ذلك، يحاول البعض تجاوز هذا التقسيم، فيضعون قدما هنا واخرى هناك: فالعديد من صحفيي "وسائل الاعلام القديمة" يكتبون الان ايضا في مدونات "وسائل الاعلام الجديدة".
المصدر: BBC
إضافة تعليق جديد