الارتكابات الالكترونية «هلامية» غير قابلة للسيطرة!
«موثوق به تماماً» و «موثوق به إلى حد ما» و «غير موثوق به أبداً»، هكذا قسم خبراء عالميون المعلومات المتدفقة عبر شبكة الانترنت، وازدادت الحاجة لتقويم صدقية هذه المعلومات مع ازدياد الإقبال على استخدامها حول العالم، وفي الدول العربية، إذ تظهر أرقام متطابقة إلى حد ما، من غير مصدر، أن 65 في المئة من العرب يستخدمون الانترنت للبحث عن المعلومات، بينما نحو 71 في المئة يستعملونها في الاتصالات الهاتفية والبريد الالكتروني.
ووصل عدد مواقع الانترنت إلى عشرات الملايين، وعدد مزودي هذه المواقع بالمعلومات والأخبار الذين ليسوا بالضرورة أصحاب اختصاص أو خبرة إلى مئات الملايين، فهل يمكن دائماً الوثوق بالمعلومات المستمدة من الشبكة؟ ومن المسؤول عن «زيف» الأخبار التي قد تتبناها بعض المواقع، كما حدث مثلاً عندما نشر موقع «ويكيبيديا»، الموسوعة الالكترونية الواسعة الانتشار، خطأ أن السيناتور الأميركي إدوارد كينيدي توفي يوم تنصيب الرئيس الأميركي باراك أوباما؟ طبعاً، لابد من التأكيد أنه، وعلى رغم هذه الواقعة ووقائع أخرى مشابهة، ما زال انتشار موسوعة «ويكيبيديا» مستمراً.
من الناحية القانونية، تحتاج المواد المتوافرة على الانترنت إلى حقوق خاصة بالنشر للحفاظ على الحقوق الأدبية والفكرية للمؤلفين ولجعل نَسخ هذه المواد من دون إذن أو بدل مادي، انتهاكاً لحقوق المؤلف الأصلي، وأيضا لتوثيق مصدر المعلومات وخفض نسبة «الجرائم» الالكترونية التي من أهمها انتهاك الملكية الفكرية وقرصنة البرامج والاحتيال في التسويق والأرصدة البنكية وإتلاف المعلومات وتعطيل الحواسب، والتجسس وانتهاك الأمن القومي... وتختلف درجة تبني الدول للتشريعات القانونية التي تنظم محتوى الشبكة وتحمي حقوق مستخدميها، فبعضها يجد في استخدام الانترنت حرية للمواطن واحتراماً لحقوقه، بينما تشكل في بلدان أخرى انتهاكاً للأمن القومي. والحق، مع صعوبة السيطرة على تشعب الشبكة والتقنيات الاختصاصية التي تسمح لمستخدميها بإخفاء هويتهم ومصدر معلوماتهم والتحايل على أية وسائل مراقبة، لا تبقى آليات ملاحقة هذه الجرائم بالقوة الكافية. ويبقى الدور الأكبر لنشر الوعي اللازم والاجتهاد في تنظيم تدفق المعلومات عبر شبكة الانترنت والعمل على زيادة صدقيتها وتفنيدها بحسب الأعمار والثقافات المختلفة.
فمثلاً، يتصدر مرض انفلونزا الخنازير الساحات الإعلامية أخيراً بما فيها ساحات الانترنت، ويجتهد كثيرون في تقدير الأعراض وإلهام المتصفحين بالعلاج الشافي وأساليب الوقاية. ويكفي أن تضع كلمتي انفلونزا الخنازير على أي محرك بحث ليفرش أمامك مئات المقالات الطبية والإرشادية وغيرها، ولكن يبقى لك القرار في من تصدق ولماذا تصدق.
وعلى رغم الجدل حول ما إذا كانت مراقبة صحة المعلومات المنشورة على شبكة الانترنت انتهاكاً لحرية الإنسان في التعبير وحقه في الوصول إلى المعلومات المكفولين في معظم الدساتير والقوانين الدولية، تسعى هيئات ومنظمات أهلية وحقوقية مختصة إلى فرض تشريعات، أو ما يسمى مواثيق أخلاقية لتنظيم هذا الفيضان من المعلومات، بغية ضبط تعامل المستخدمين مع محتوى الشبكة وتقنياتها، وضبط استعمال البريد الإلكتروني ومواقع الأخبار والحوار والدردشة بما يضمن أمن المستخدم والشبكة أيضاً.
ويرى خبراء أن مراقبة الانترنت والحد من العواقب السلبية للمعلومات المتوافرة فيها، هي قضية شائكة تحتاج الى تضافر جهود أطراف مختلفة: حكومات تسن قوانين ومجتمع مدني يرفع سوية الوعي لدى مختلف الشرائح بخاصة المراهقين والأطفال، إذ إن وعي المستخدم لا يزال الحَكَم في تقدير جدية المعلومات المعروضة أمامه. ويعمل باحثون على ابتكار طرق تقوم صحة معلومة الانترنت، ولكن شهرة الموقع الذي ينشر المعلومة وهوية كاتبها لا تزالان المقياس الأقوى.
ويجدر التذكير بإعلان الشرطة البريطانية أخيراً أنها تمكنت من إنقاذ الآلاف من مشجعي كرة القدم في البلاد، من الوقوع فريسة لعصابات تبيع تذاكر مزورة، بخاصة في مباريات كأس العالم التي تستضيفها جنوب إفريقيا عام 2010، بعد تعقب هذه المواقع الالكترونية والنجاح في إغلاق أكثر من مئة منها من دون التعرف الى معظم الفاعلين!
بيسان البني
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد