الاستثناء النسائي.. مُسلمات في معترك المعرفة الدينية

19-05-2013

الاستثناء النسائي.. مُسلمات في معترك المعرفة الدينية

يُحيلنا كتاب الباحثة الأميركية روث رودد «النساء في التراجم الإسلامية» (تعريب عبدالله العسكر دار جداول، 2013) على تاريخ معرفي/ نسائي خصب، ويكشف عن فاعلية المسلمات في أبواب المعرفة الدينية.

تغطي الكاتبة الفترة الزمنية الممتدة على مدار القرون السبعة الهجرية الأولى، وتستند الى تقنية التحليل الكمي بهدف رصد مهارات النساء كراويات وصحابيات وتابعيات ومحدثات وفقهيات وصوفيات.

لا يُعد الكتاب عملاً موسوعياً نظراً لأهمية الإشكاليات التي يُثيرها موضوع المرأة في مجال المعارف الدينية، لكنه يقدم مادة أولية تحتاج الى تأسيس.

تعالج رودد الانطباع الذهني عن النساء العالِمات في المجتمع الإسلامي من خلال رؤى كتّاب مسلمين، إذ تعمل على تعقب أدوارهن كما وردت في مصادر التراجم الإسلامية، وكان أولها كتاب «الطبقات الكبرى» لإبن سعد.

وقبل الخوض في دراسة الشخصيات النسائية التي كانت لها إسهامات في الحديث والصوفية والفقه، تعرض لأبرز النظريات التي درست أصل وتطور والغرض من ظهور التراجم عند العرب والمسلمين. وبصرف النظر عن النقاش الدائر حول جذور هذا العلم والتقنيات المستخدمة فيه، تبقى الإضاءات في شأن دور المرأة المسلمة كصحابية ومحدثة وراوية وفقيهة في الفترة التي عالجتها الأهم.

قد يتفاجأ من ليس له اهتمام في قضايا الإسلام والجندر، حين يكتشف هذا الحضور النسائي في تاريخ لا يكتبه سوى الرجال، خصوصاً أن معظم كتّاب مجموعات التراجم كانوا من علماء الدين، ولم يمنعهم ذلك من إيلاء الاهتمام بالنساء المسلمات المساهمات في المعرفة الإسلامية والحياة الدينية. تجري رودد مسحاً لمعاجم التراجم التي ضمت وجوهاً نسائية، لكنها استثنت دراسة معاجم الشخصيات الأدبية على رغم قولها إنها قد تحتوي على نسب مهمة من النساء، وتعلل أسباب إغفالها لهذه المصادر بضرورة توافر معرفة متخصصة وتقنيات في التحليل.

تضيء رودد على الوجوه النسائية الرائدة في الأجيال المتعاقبة، وتدرس الإنجازات التي اضطلعت بها المسلمات كالصحابيات مثلاً حيث وصل عددهن الى ألف ومئتي امرأة أُحصين بين آلاف الصحابة الذين كانوا على اتصال مباشر بالرسول.

تصل الكاتبة الى استنتاج أولي مفاده أن النساء المذكورات في التراجم الإسلامية، نسبن الى القرابة الذكورية في شكل رئيسي، لكن القرابة الأنثوية لم يتم تجاهلها، بل كانت ذات أهمية في حالات معينة، ما يستدعي القول إن المجتمع كان شبه أمومي كما تقول.

تهتم رودد بدور عائشة زوجة النبي باعتبارها قدوة في رواية الأحاديت، حيث قيّل إنها روت 1210 حديثاً، علماً أن حوالى 300 فقط أُدرجت في المجموعات المعتمدة في صحيحي مسلم والبخاري. ولم تكن حبيبة الرسول وأقرب نسائه اليه، راوية فقط إذ تصدت لبعض مروجي الأحاديث المنسوبة الى النبي من بينهم أبو هريرة، كما أنها جمعت الى حفظ القرآن ومعرفة معانيه علمها بالفقه. ومع تشديد الكاتبة على مركزية عائشة في الإسلام السني، لا نعلم لماذا لم تتحدث عن أم سلمة (زوجة النبي) التي تعتبر ثاني راوية بعد عائشة، ولا تكمن أهميتها في هذا المضمار فحسب، إذ يصنفها البعض في التيار المنتصر للنساء في الإسلام المبكر، كما ارتبط اسمها بالآية 35 من سورة الأحزاب التي كرست المساواة بين الجنسين (نحيل على كتاب فاطمة المرنيسي «الحريم السياسي»).

تأخذ رودد بعض النماذج النسائية من جيل الرواة الثاني ومن بينهم عمرة بنت عبدالرحمن الفقيهة الحُجَّة التي أطلق عليها ابن سعد لقب «عالِمة»، وحفصة بنت سيرين «الفقيهة الزاهدة» وعائشة بنت طلحة التي وُصفت بأنها الراوية الحجة لحديث الرسول. والى جانب هؤلاء الفقيهات، تظهر ملامح مهمة لفاعلية النساء في اكتساب المعرفة الدينية وتعليمها، وهنا تبرز نفسية بنت الحسن التي علَّمت الأحاديث للإمام الشافعي، علماً أن الصفدي تلقى التدريس من ثماني نساء على الأقل، وعدت شهدة بنت أبي نصر أحمد الأبياري من بين أفضل علماء عصرها، وقامت بتدريس «صحيح البخاري».

ثمة نقطة مهمة تكشف عنها رودد. ثلاث نساء ممن عشن في القرن العاشر هجري ورد ذكرهن في بعض المجموعات المعجمية لعلمهن بالشريعة الإسلامية، وكانت إحداهن تلقت إجازة للعمل كمفتية، وليس غريباً ما أشارت اليه الكاتبة، فمن المعلوم أن الكثير من «الفقهيات» وصلن الى درجة معترف بها تؤهلهن لإصدار الفتاوى، ونذكر على سبيل المثال هجيمة بنت حيي الأوصابية التي وصفت بأنها من أهم الفقيهات في دمشق، وقيل إنها علمت الكثير من الرجال، وكذلك التونسية سيدة بنت عبدالغني العبدرية التي قامت بتدريس الشريعة الإسلامية، وحضرت بانتظام اجتماعات مجلس كبار الفقهاء.

تخصص رودد قسماً من كتابها للنساء المتصوفات، ومن بين الاكتشافات التي تصل اليها أن بعض هؤلاء النسوة الورعات كن أحياناً يختلطن برجال من خارج العائلة لمناقشة المسائل الروحية «كما أن النساء كن يزرن منازل رجال، ويجالسن الرجال، ويعبِّرن عن مشاعرهن الداخلية، ويشاركن في مجالس الذّكر، ويعقدن مجالس مشابهة في منازلهن يحضرها الرجال».

لا تحصر رودد عملها في تتبع مسيرة العالِمات والفقيهات والراويات والمتصوفات، إذ ترصد ولو بإيجاز شديد، النفوذ السياسي الذي مارسته النساء لا سيما في عهد المماليك والخلافة العثمانية... وعلى رغم أن الجزء الأكبر من هؤلاء النسوة مارسن السلطة السياسية من خلال أزواجهن أو حاشيتهن أو أبنائهن.

ريتا فرج

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...