الاقتصاد الإعلامي

09-10-2006

الاقتصاد الإعلامي

هل هنالك حاجة الى تخصص في اقتصاد الإعلام؟ وهل توجد لدينا في الوطن العربي مؤسسات وكفاءات قادرة على الإنجاز في هذا التخصص بحيث تقدم الرأي الصائب والمشورة المفيدة لمؤسسات الإعلام المتنامية في الوطن العربي، والتي سوف يزداد تأثيرها وحجمها، ونصيبها من الكعكة الاقتصادية؟

لقد ثبت لنا الآن، وبما لا يقبل الجدل الكثير، أننا بحاجة ماسّة الى أخذ الحيز المطلوب الذي نستحقه على الساحة الدولية. وكذلك ثبت لنا بالدليل القاطع أن نجاح سياسات الحكومات العربية في اقناع شعوبها بنجاعة وفائدة تلك السياسات صار شرطاً سابقاً لا يمكن بدونه تحقيق الأهداف والغايات المرجوة من تلك السياسات. وأما على المستوى التجاري والترويجي، فإن للإعلام وفاعليته دوراً كبيراً.

ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل إن قطاع الإعلام نفسه صار استثماراً كبيراً، ويشكل جزئية هامة من مجموع الاقتصاد في بعض الدول. ولا توجد أرقام أو دلالات واضحة تبين نصيب هذا القطاع من مجمل الاقتصاد الكلي للدول، وليس هنالك اشارة واضحة في بيانات واحصاءات الدخل القومي تشير صراحة الى هذا القطاع، بل انها تدمجه ضمن بند «أخرى»، أو ضمن قطاع الاتصالات.

وقد لا تتجاوز مجموعة حصة هذا القطاع في الناتج السنوي للدول العربية نسبة واحد أو اثنين في المئة، ولكن تاثيره كبير بسبب تفاعله مع كل القطاعات. وقد كنا في السابق نعاني جميعاً من حقيقة أن قطاع الاعلام ووسائله هي ملك عام، وأن فكرة انشاء محطات اذاعة أو تلفزة، أو حتى صحف خاصة في بعض الدول، كانت مرفوضة رفضاً قاطعاً، بل وتعتبر تجاوزاً على صلاحيات الدولة وعلى سلطاتها. وكذلك، فقد تبنت الدول العربية فكرة أن الاذاعة والتلفزة هي رمز من رموز السيادة كالعلم والعملة والنشيد الوطني والطوابع البريدية. ولكن كل هذه الاعتبارات بدأت تتلاشى تدريجاً عن الساحة، ويحل مكانها الفكر الاقتصادي التجاري.

وبسبب لبنان، التي كانت السباقة الى انشاء محطات تلفزة واذاعة خاصة، ولأن الحكومة هنالك لم تملك صحفاً خاصة بها، فإن العدوى بدأت تنتشر. ولكن العنصر الأساس الذي أدّى الى تراخي قبضة القطاع العام هو بالطبع ذلك التطور التكنولوجي الهائل والمتسارع في قطاع الإعلام والاتصال. فالمحطات الفضائية، واللاقطات الرخيصة، والانترنت وغيرها جعلت من المضحك أن تبقى ملكية هذا القطاع وادارته ووسائله كما كانت عليه.

وبدأت الوسائل الإعلامية العامة تشهد تطوراً نحو منافسة القطاع الخاص على مخصصات الدعاية، ثم انتقل الأمر الى السماح لوسائل الإعلام الخاصة بالانتشار. وأخيراً صار السماح من الحكومات بترخيص انشاء الوسائل والمحطات الإعلامية غير مطلوب بالضرورة، لأن بعض الدول انشأت مناطق إعلامية حرة يستطيع أي مستثمر فيها أن يصل الى الجمهور الذي يريد بغض النظر عن موقعه.

وها نحن الآن نرى المنافسة الحادة في شهر رمضان على اجتذاب الجمهور. وصارت مقاييس المشاهدة وحجمها ضرورية لجذب المخصصات الدعائية والترويجية للشركات، وهكذا بدأ هذا القطاع الإعلامي في التوسع والانتشار. ولكن الكثرة وتزايد حدة المنافسة قد جعل التخصص المطلوب في تقديم الاستشارة الاقتصادية قضية هامة، وما تزال استجابة السوق لها محدودة.

صارت الشركات التجارية الباحثة عن ترويج سلعها وخدماتها بحاجة الى من يقدم لها المشورة في أسلوب الترويج، وفي اختيار الوسيلة الإعلامية الأكثر فعالية لنجاح ذلك الأمر.

وصارت الحكومات أيضاً وهي تروج للسياحة في بلدها، أو تشرح مميزات تلك الدولة للمستثمرين الأجانب بحاجة الى الوسائل والآراء التي تضمن النتائج أو تقربها على الأقل.

وحتى الشركات الإعلامية أصبحت في حيرة كيف تجتذب المروجين، علماً أن «سوق الإعلان» في الوطن العربي ما يزال اقرب الى الاحتكار، وتتحكم فيه شركات ومؤسسات محدودة العدد. ولكن هذا الامر في طريقه الى التغيير.

إن الإعلام صناعة لا تقبل الارتجال، وصار على الزبائن وعلى المؤسسات الإعلامية أن يتفهموا هذا القطاع وخصوصيته ووسائله. واذا نجحنا في رفع كفاءة هذا القطاع، فإننا سنخدم اقتصادنا.

جواد العناني

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...