البحث العلمي «يحشر أنفه» في الحياة العاطفية
يبدو جلياً أن البحث العلمي لم، ولن يتوقف عن حشر أنفه في جميع جوانب الحياة، فها هو الآن يسعى إلى إدراج قضية «الوقوع في الحب» ضمن معادلاته المعقدة وحساباته اللامتناهية، لعله بذلك ينجز أدوات علمية جديدة قادرة على الكشف عن «صفعة الحب» لحظة وقوعها، ومن ثم حساب شدتها ونتائجها الفيزيولوجية والبيولوجية.
أول التساؤلات التي ستتبادر إلى أذهاننا ها هنا، تتمحور حول السؤالين التاليين:
هل سيتوصل العلماء في يوم من الأيام إلى عقار دوائي للاندفاعات الغرائزية اللاإرادية؟.
وهل ستقع أيدينا في يوم من الأيام على وسيلة ما تمكننا من إشعال، أو إخماد، «شعلة الحب» التي تتقد بصورة عفوية لاإرادية خارج نطاق إرادة الأهواء البشرية المعقدة التركيب؟!..
لحسن الحظ، فما زلنا بعيدين عن هذه اللحظة، لأننا قادرون على وصف وشرح ما يحدث معنا بعد «الوقوع في الحب»، ولكننا بالتأكيد لسنا بقادرين على الإجابة عن «كيف ولماذا» حصل ما حصل؟..
قبل سنين مضت وحتى الوقت الراهن، هناك تقدم كبير يحصل في أبحاث الجهاز العصبي للإنسان، وها هو الدماغ البشري يفصح شيئاً فشيئاً عن أسرار كان يحتفظ بها بعناية قصوى فيما مضى، كما أن «الركيزة البيولوجية» لمشاعرنا التي تعرف بأنها الإشارات الخارجية لأحاسيسنا بدأت تصبح معروفة للكثيرين ومثال ذلك المواضع الموجودة داخل الدماغ لمختلف المراكز العصبية التي تدير حياتنا العاطفية التي تقود بشكل نهائي تصرفاتنا وتساعدنا في اتخاذ قرارات الحياة اليومية.
إن مسألة «الوقوع في الحب» توصف إلى حد ما بالحاجة والضرورة للجنس البشري الذي يعتبر بدوره أحد الأصناف التي تعيش - بأغلبيتها العظمى - تجربة «التزاوج» بين الجنسين (ذكر وأنثى) ولذلك نراه شغوفاً بضمان توالده وتكوين السلالات من بعده.
ولوحظ أن الجنس البشري من رجال ونساء يقوم عبر الأزمان بتطوير إستراتيجيات جد مميزة لإطالة أمد العلاقة الثنائية بكل أشكالها المتنوعة، إذ إن إخصاب «البيضة الأنثوية» بواسطة «الحيوان المنوي» لا يتطلب شراء باقات من الزهور العطرة أو إطلاق العنان في تأليف القصائد الجامحة أو حتى اعترافات الحب المشتعلة وآلاف الأشياء الأخرى المشابهة.
من وجهة نظر بيولوجية يجب أن نعلم بداية أننا كبشر «اثنان في واحد» الجسد من جهة والدماغ البشري من جهة أخرى، وهما منفصلان فيزيائياً بحواجز غشائية ومع ذلك فإنهم في تفاعل مستمر ودائم. ولو أن الدماغ بشكل عام يقود الجسم البشري، فأثناء القيام بالرقص مثلاً ندرك أن الجسم بدوره يستطيع فرض القرارات وكل منهم حسب الظروف قادر إما على إثارة أعاصير من الهرمونات أو حالات من السكينة الراسخة الرابطة الجأش، كما أنهم قادرون أحياناً على التعارض بين بعضهم البعض إلى درجة أن يمنع أحدهم الآخر عن أداء بعض الوظائف.
- يقوم الجسم بإرسال المعلومات إلى الدماغ، ومصدر هذه المعلومات هو أدوات الجسم الحسية المعروفة (السمع- البصر - اللمس - الشم - التذوق)، ليعمل الدماغ بعد ذلك على تحليل هذه المعلومات متبعاً طريقتين للتصرف إحداها عبر كابلاته العصبية كأن يأمر أعضاء الجسم بالحركة والأخرى في إفراز الهرمونات المختلفة.
وحين تتعقد الأمور يقوم الجسم بإفراز هرمونات والبعض منها يؤثر في الدماغ كالهرمونات الجنسية، كما ويؤثر الدماغ على نفسه بإفراز هرمونات تؤثر على بنيته من الداخل، ويضاف إلى هذه الحالة الكثير من الاحتمالات الممكنة للتأثير الذاتي والمتبادل بين الثنائية «جسم- دماغ». وهذا النموذج يمكن أن يتكرر باحتمالات وأوجه عديدة ممكنة من التفاعلات المتبادلة ومفاعيلها الرجعية المعقدة.
- يتم إنتاج الهرمونات في منطقة صغيرة تتوضع في أسفل ومنتصف الدماغ البشري (الهيبوثالاموس) وهي المركز العصبي الحقيقي للشهوات والأهواء البشرية، الأمر الذي يجعلها المسؤول الأول عن ردود أفعال الجسد أثناء «الوقوع في الحب» كازدياد عدد ضربات القلب وسرعة التنفس وزيادة التعرق واحمرار الوجه والارتفاع الطفيف في حرارة الجسم. أي إننا لا يمكن أن ننكر وجود «ميكانيزمات بيولوجية» إلى جانب غيرها من العوامل في خضم ردود أفعال الجسد إزاء مشاعر الحب، ويقدر علماء الخلايا العصبية أنه وخلال تطور «الفرد» فإنه يقوم لا إرادياً بتزويد نفسه بمجموعة من التصورات الذهنية المثالية - حسب ما تسوقه نفسه - لتتحكم مستقبلاً بخياراته وافتتاناته وسلوكه العاطفي أيضاً لتشكل في مجموعها ما أسماها أحد علماء الأعصاب (بطاقة العطاء) التي تفعل فعلها في الذهن البشري وترسم «لا شعورياً» التصور للشريك المثالي ونوعية العلاقة النموذجية التي يتمناها معه، أي الصورة التخيلية لما نسميه بكل ظرافة «توءم الروح».
وتخضع «بطاقة العطاء» هذه إلى التغير والتبدل، فاللذة المرتبطة بممارسة الحب والتفكير بالآخر وتلمس يديه والقبلة الحميمة كلها مصممة أيضاً لتكون مع دفقات قوية للهرمونات لتعزيز هذا التصور الذهني للشريك الآخر ومع ذلك فهي غير كافية لبقاء الأمور على حالها بين الشريكين وهذا ما أثبته العلم في أن شكل «بطاقة العطاء» التي نبرزها أمام شريك الحياة الجنسية غير مستقرة ومعرضة للطفرات.
ترجمة: حسان هاشم
المصدر: الوطن السورية نقلاً عن «لوفيغارو» الفرنسية
إضافة تعليق جديد