الجسد والنظام الاقتصادي
الجمل - أيهم ديب:
هل للسكون ثمن؟ هل للصمت حجة ؟
رغم ان فرقة وي إنسست -we insist- تقدم عرضها تحت مقولة العنف و الهوية/الجسد إلا ان هذه المقولة تكاد تكون الأكثر هشاشة في العرض الذي قدم في دار مصطفى علي للفنون ...الجسد/الهوية يبحث عن مبرر اقتصادي لوجوده. الصمت يتحدى الزمن المتاح للعرض. والسكون يتحدى قوانين العمل ورغبة المشاهد في الحركة المتوقعة من عرض راقص.
يبدو العمل المقدم انعكاس للقيمة الاقتصادية للجسد /كحامل للهوية/ و/كآلة قادرة على الإنتاج أو قابلة للاستعمال/
يبدو هذا في مستويين : الحقيقي: فعنوان العنف ليس إلا ذريعة للوقوف على المسرح و تبرير وجود الفرقة في دمشق و أمام الجمهور. حتى تكون فرقة رقص يجب أن يكون لديك موضوع. هذه ضرورة تفرضها الحاجة إلى الاتصال مع الأخر. و من هنا و من هذا المستوى يمكن التحدث عن العنف وليس بالإشارة المباشرة التي شهدناها في العرض.
المستوى الثاني هو المستوى لأدبي أو الفني أي حقيقة المسرح و ليس حقيقة الحياة. فالجسد في العرض ساكن أو متعثر, لا تتعاطى الحركة مع الكود الاقتصادي/الاجتماعي. الجسد الغير قادر على تقديم جملة يمكن بيعها, أو مبرر لضرورة وجوده سوف يستمر بالقيام بمنعكسات فيزيائية عكس عدم قدرة الجسد على الدخول في النظام. و لكن الجسد يستمر في المطالبة من خلال العرض بحقه في الوجود. و حقه بضمان عدم تحييده, عدم إلغائه . لهذا يقوم الجسد بإرسال رسائله السرية من خلال الميكرفون الذي قوم بتكبير الصوت الناتج من الحركات الصغيرة للجسد و التي ليس كبيرة كفاية لتخدم القيمة الاقتصادية. فنحن نسمع رفة الرموش و حفيف الشعر. إنها أفعال تؤكد حياة الجسد و تؤكد على قسوة النظام الاقتصادي الذي لا يعترف بالحياة إلا من خلال الإنتاج. فالرقص هو حركة و الإنتاج هو انتقال و تحويل , النظام الاقتصادي لن يعترف بالعالم الداخلي للجسد/الهوية حتى تظهر. هذا يذكرنا بالشعراء السريين - مثل جميل حلبي- و الذين يمتنعون عن نشر الشعر - لأي كانت الأسباب- فيغفلهم تاريخ المدينة. بينما قد يذكر من هم أقل حرفة أو شعرية . الحاجة إلى التواصل هي جزء من تاريخ العنف الإنساني. فالطفل الرضيع عندما يجوع لا تعرف أمه بحاجاته حتى يبكي. البكاء هو رسالة و هو آلية للتواصل عندما تفشل المشاعر الحقيقية بالوصول إلى العالم الخارجي-هنا الجوع-
تستخدم الراقصتان الكبلات المتصلة بالميكرفونات كجزء من العرض. و استخدامهما يتناوب ضمن شرطين أو وظيفتين: فهي مرة تكون وسيلة لتأكيد محدودية الجسد , لعزله, لمعاقبته, لتقييده في صورة يتناوب فيها السياسي مع البورنوغرافي فحاجة الجسد /بالمعنى البيولوجي/ إلى العنف-الجنس- يقابلها في سياق آخر رفضه /كحامل للهوية/ للعنف -العنف السياسي.
في مسار العرض تتقاسم الراقصتان فناء الدار مما يجعلك غير قادر على متابعة إحداهن من دون التخلي عن الأخرى, جسد يهمش الآخر، يلغيه، ينافسه. ينقسما في وحدتين تنتهيا إلى فعل/ أكش/ متبادل بعد ان كانا وحدة متصلة يقوم كل منهما بتطبيق فعله على نفسه -الفاعل و المفعول به- عندما يقوم الجسد بتقييد ذاته بالشريط فإن هذا انعكاس يحيلنا إلى عالم خارجي. أما عندما يقوم جسد بتقييد جسد فإن هذا وصفي يحيلنا إلى علاقة داخلية.
الصوت يحضر في العرض كامتداد للجسد, الصوت يحرر الجسد من محدوديته الفيزيائية. يحتل الجسد الفضاء من خلال مكبرات الصوت.
والصوت قناع , لبوس, شفرة, تحول, إنه ترجمة, انتقال من نظام إلى آخر، إحادة، نقل فعندما تكتب الراقصة بالميكرفون على الحائط نسمع الصرير. فعل الكتابة المسموع يخرج الكتابة من حيز الفرجة إلى حيز السمع.
العرض مهنياً ينطوي على عفوية واضحة , و بساطة في التعاطي مع الإمكانيات الكامنة في العناصر المسرحية و لهذا يمكن القول ان الارتجال داخل المسرحية ليس إلا امتداد لارتجال الفنانين أنفسهم. و الحاجات التي يطرحها العمل هي حاجة حقيقية تعكس بحث الفنانين عن معنى لعملهم و مبرراً لوجودهم معاً.
العرض أقيم من قبل ماكينة الريلودينغ إماج لإعادة إنتاج الأشكال الفنية بالتعاون مع المكان -دارة مصطفى علي-
فرقة إنسست تتألف من: ميا حبيب (أوسلو) - راني ناير (ستوكهولم) - جاسم هندي (باريس)
للمزيد من الإطلاع www.reloadingimages.org
إضافة تعليق جديد