الحيطان دفاتر السوريين

12-02-2007

الحيطان دفاتر السوريين

الخربشات... حتى مؤسسات الدولة لا تخلو منها، بل يمكن اعتبارها ظاهرة تتشارك فيها الأحياء الفخمة والأحياء الشعبية على حد سواء. تراها على جدران المدارس والجامعات، في الطرقات على المنازل وعلى مقاعد الحدائق ومقاعد باصات النقل العام كما على زجاج سيارات الأجرة، وفي المراحيض العامة، وكابينات الهواتف العمومية.

«الخربشة» ليست ظاهرة جديدة، فهي منتشرة منذ القدم في جميع دول العالم ولو بدرجات مختلفة.  
 أما مضامينها فتراوح بين انتقاد الحكم تارة والعبث تارة آخرى مروراً بالتفاهة والتعبير عما يجول في النفس من أمان ورغبات. فعلى سبيل المثال تطالعك على جدار كلية الآداب في إحدى الجامعات السورية عبارة «ربي خلقت الجمال وقلت اتقوا، فكيف نرى طالبات الأدب ولا نعشقُ». وتتكرر هذه العبارة على جدران كليات أخرى مع تغيير اسم الاختصاص. وفي بعض الأمكنة تجد معارك مكتوبة بين من يفضل هذه المغنية على غيرها واصفاً من لا يحبها بأوصاف نكراء. وتتحول بعض الجدران في كثير من الأحيان إلى ساحة معارك ساخنة تتمحور في الرد والرد المضاد على الشتائم. فهذه فتاة تشتم من خطفت حبيبها منها وتلك تهين صديقها الذي تركها بعبارات جارحة. غير أن أسوأ أنواع الخربشة تلك التي تتضمن رسومات جنسية تخل بالآداب العامة. وتنتشر هذه الأخيرة بشكل خاص في المراحيض العامة.

وكثيراً ما تستغل الجدران بشكل سيئ للدعاية لمصلحة مكتب لبيع الشقق السكنية، فيتميز الخط «الإعلاني « برداءته وتشويهه للجدار نظراً لأنه غالباً ما يكتب بشكل سريع وخاطف.

وتختلف أسباب الخربشة بحسب طبيعة البيئة الاجتماعية التي ينتمي إليها أصحابها. ففي بعض الأماكن تشكل تعبيراً عن حالة كبت يعاني منها الشباب في مجتمع محافظ. وهنا قد لا يجد هؤلاء أمامهم «سوى الجدار للتعبير عن الكبت الذي يعانونه»، حسبما يقول زياد الذي يرى في الخربشة أيضاً وسيلة للتعبير عن لواعج حبه تجاه محبوبته ولو بشكل غير لائق: «أعترف بأن الكلمات التي أعبر بها على الجدار بذيئة بالنسبة لمجتمعنا، ولكنني أجدها متنفساً للتعبير عن غرائزي». أما كفاح فيجد في الخربشة عملاً مجدياً لتقديم نصائح أو أقوال شعبية متداولة مثل «كيد الرجال يهد الجبال وكيد النساء يهد الرجال»، أو «ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع «. ويحاول بعض الشباب من خلال الخربشة على الجدران «تخليد ذكراهم» كما يقول سومر الذي أصيب بمرض عضال ورغب في التعبير عن ذلك من خلال كتابة أبيات من الشعر تعكس حزنه وخوفه وقلقه على حياته. ولا يغيب الأستاذ الجامعي أو أستاذ المدرسة عن الإهانات التي تعاقبه على أسئلته الصعبة. «لو أتمكن من محاسبة أستاذي الجامعي كما أفعل على الجدار، لحللت مشاكلي ومشاكل زملائي»، تقول هيام.

غير أن ما يميز هذه الظاهرة في سورية هو استخدامها أخيراً لأغراض سياسية كالتعبير عن حنقهم تجاه السياسة الاميركية في كل مرة يتم التطرق فيها بشكل سلبي إلى دور سورية في المنطقة.

وفي هذا السياق يقول حاتم الذي كتب عبارة « كل تقريرك يا ميليس حقو فرنكين وفلس» على جدران البيوت والمدارس الموجودة في قريته: «كتابتي هذه شجعت الناس على الكتابة على الجدران للتعبير عن الكره تجاه شخصية سياسية من دون الخوف من المحاسبة عليها نظراً لعدم معرفة كاتبها».

وإذا كان بعضهم يعتبر «الخربشة» من أهم وسائل «التنفيس»، إلا أن كمال يعتبرها وسيلة للتسلية، كتلك الموجودة على خلفيات الفانات والسوزوكي، خصوصاً عبارة « لا تشوفني عم أتدرج .. دوبلني وأتفرج»، أو عبارة «أنا السوزوكي بغني واسألوا الكيا عني».

وعلى رغم أن الخربشة على الجدران قد تشكل مساحة للتعبير عن الرأي بعيداً من أعين الرقابة، فإن غالبية الناس ترفضها لكونها تخل بالآداب وتشوّه الأبنية والمناطق السكنية، ناهيك بضررها بالأملاك العامة كما يحصل عندما تتم الكتابة على مقاعد الباصات أو جــدران المواقف العامة.

عفراء محمد

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...