السوري المخالف... والذين يستثمرون القرارات؟

29-06-2008

السوري المخالف... والذين يستثمرون القرارات؟

(أكدت رئاسة مجلس الوزراء في تعميم أصدرته مؤخراً على جميع الجهات العامة لتطبيق أحكام القانون رقم 1 لعام 2003 المتعلق بقمع مخالفات البناء أثناء أو بعد ارتكابها واتخاذ الإجراءات الناظمة بحق المخالفين وفقاً لأحكام القانون المذكور وبما يحول دون ظهور تجمعات سكنية وأبنية مخالفة جديدة تتطلب تقديم الخدمات لها مما يشكل عبئاً مادياً على الدولة نتيجة لجوء قاطنيها إلى طرق غير مشروعة لتأمين خدمات الماء والكهرباء ما يؤدي بدوره إلى زيادة الأعباء الملقاة على عاتق الجهات المحلية والسلطات الإدارية.

وطلبت رئاسة مجلس الوزراء من الجهات المعنية التشدد بقمع كل مخالفة أثناء أو بعد ارتكابها واتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين وتحميل الجهات كامل المسؤولية الناجمة عن التقصير أو التراخي في التطبيق.)

الخبر السابق بحذافيره كما تناولته وسائل إعلامنا، وهذا الخبر التأكيدي ينشر كما هو أو ببعض الإضافات حول التشدد في تنفيذ القانون رقم 1 للعام 2003، وسبق أن صدر قرار عن وزارة الإدارة المحلية بعدم تخديم التجمعات المخالفة بالماء والكهرباء والبنية التحتية، وذلك للحد من هذه الظاهرة التي تتزايد مع كل قرار حكومي، وزارياً كان أو من الوحدات الإدارية الأصغر؟

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: لماذا هذا التوسع في المخالفات، بينما يزداد في المقابل التشدد في قرار قمعها ومحاصرتها؟

- جاءت الضرورة في إصدار قانون يوقف الزحف العشوائي باتجاه المدينة، والزحف الذي يكلف الدولة مبالغ طائلة في تنظيمه، وتقديم الخدمات الأساسية لسكان هذه المخالفات على اعتبار أنهم من أبناء الوطن ولهم ظروف صعبة قادتهم للسكن في الحزام البعيد عن المدن، ومن ثم صاروا حزاماً كئيباً في محيط مراكز المدن ويشكلون ضغطاً في إمكانية تخديمهم مع غيرهم ممن يسكنون الشوارع والأحياء التي طالها التنظيم.

عندما لم تتمكن الدولة من تقديم جميع الخدمات لهذه التجمعات، لم تجد(التجمعات) حلاً سوى تخديم ذاتها، كالاستفادة من الشبكات التي تمر فيها أو تحاذيها، والتي تخدم الأماكن المنظمة، والشبكات التي هي العصب الضروري للاستمرار في الحياة ووجود التجمعات، هي الكهرباء والماء والصرف الصحي، الذي عادوا به إلى نموذج ما قبل 50 عاماً، حيث اعتمدوا على إنشاء الحفر الفنية، التي يتم تفريغها كل 6 أشهر، إلى حيث يشاء صاحب الصهريج.

في البداية كانت المخالفة هي ضبط شرطة وبلدية، ثم يذهب المواطن إلى البلدية ويدفع غرامة قدرها 5000 ليرة سورية مصالحة للمخالفة، ويصبح بعدها في حكم النظامي. هذا ما كان يحصل قبل العام 2003 حيث صدر القانون رقم 1 الذي استشعر المشكلة المتفاقمة من تراكم المخالفات واتساع الحزام الفقير حول المدن الرئيسة وفي الأطراف.

ولكن هل استطاع هذا القانون أن يذلل الصعاب ويضع حداً لهذه المشكلة، وهل استطاعت القرارات التي أكدت التشدد في تنفيذه أن تساهم في إيقاف الزحف المخالف نحو المدن.

- لو تمكنت السلطات من إيجاد الإجابة عن هذا التساؤل لحلت المعضلة، الإجابة تعني معرفة الأسباب التي أدت بالسوري أن يذهب إلى أقاصي الريف لبناء بيت مخالف؟

السؤال بطريقة أخرى، هل يحب المواطن المخالفة والمطاردة ومراجعة المخافر والبلديات؟

هل يكره المواطن السكن في وسط المدينة والأحياء المنظمة التي تصلها الكهرباء والماء، ويهرب إلى الشقاء؟

بالتأكيد لا يحب السوري ذاك ولا يكره هذا، إذاً لماذا يخالف؟

هل توفر عليه المخالفة بعض المال الذي سيدفعه في حال قرر السكن في المنظم من الأحياء، هل هو على يقين أن الحكومة ستهرع لتخديمه حتى وإن خالف القانون؟

في البداية كانت الحكومة تخدّم المخالفات كونها أمراً واقعاً دون شك، فأوصلت الكهرباء وركبت العدادات، وأوصلت المياه..لكن ليس للجميع، ثم بدأت بالعجز عن إمكانية تخديمهم وعن إيقاف توسع الإطار المخالف.

- هرب أبو حسين من قريته بعد أن وجد وظيفة في دمشق، بحث عن بيت للإيجار وجد غايته في مكان في أطراف دمشق يدعى( الطبالة) وبإيجار شهري يصل إلى 4000 ليرة سورية.

كبر الأولاد وصار بيت الإيجار يضيق رويداً رويداً، قرر في أعماقه أنه آن الأوان لأن يكون له بيت على هذه الأرض، بحث في الأطراف التي اشتعلت فيها أسعار العقارات، لكن دخله وما جمعه في عمر الوظيفة، مع طلب قرض على الراتب، لا يشتري له غرفة.

لا بديل عن شراء أرض في المخالفات، وفي ريف دمشق وجدت ضالته، 100 متراً مربعاً، سعر المتر 300 ليرة سورية، أي يمكن أن يساعده القرض في بناء غرفتين مع المنافع، ثم بعدها يبني مع الأيام ما يشاء.

وبالفعل اشترى الرجل الأرض، هارباً من الغلاء في وسط المدينة إلى تجمع متجانس في أمر واحد ومنسجم معه... الفقر.

-  مع أول (بلوكة) وضعها على الأساسات التي حفرها أبو حسين بالتعاون مع عديله وأحد زملائه، توقفت سيارة البلدية، هبط منها مهندس، عرّف عن نفسه، من المكتب الفني للبلدية، وركل البلوكة بقدمه وقال: ألا تعرف أنك تخالف؟

قال أبو حسين ببساطته وبدهشة: مثلي مثل غيري.

إذا وضعت حجراً دون ترخيص سوف أهدمه لك، قالها المهندس بعنجهية ثم ركب سيارته البك آب وغادر، قال جار لأبي حسين كان يتفرج على المشهد:  بسيطة يا جار، محلولة.

في المساء، دخل أبو حسين مع جاره منزل أحد موظفي البلدية، ودارت مفاوضات بين الرجلين حول المبلغ الذي سيدفع لقاء غض النظر عن المخالفة، دفع أبو حسين دون أن يعلق.

روى أبو حسين فيما بعد أن المشكلة لم تقف عند المكتب الفني للبلدية، فكل الجهات صاحبة القرار أخذت نصيبها .

- سكان هذه التجمعات دائماً متضررون، ففي قطنا تسربت مياه الصرف الصحي من حفرة فنية إلى النبع الذي يغذي المدينة بالماء، أدى هذا التسرب إلى وباء أصاب أكثر من 1000 مواطن باليرقان. سكان التجمع المخالف يقولون إنهم على استعداد للمساهمة مع البلدية في مد خطوط للصرف الصحي، لكن البلدية لتاريخه لم تحرك ساكناً، رغم توجيهات المحافظة، والأذى الذي لحق بالناس.

مخالفات البناء في قطنا ما زالت مستمرة، والمستفيد من المخالفة ليس المخالف وحده، بل من يسهل له المخالفة ويقوم بابتزازه، الحكومة تتحدث عن الهدم حتى بعد تنفيذ المخالفة، السؤال الكبير لماذا لاتحاسب الحكومة من أوصل المخالفة إلى إنجازها؟ هل بنى المواطن بيته المخالف في مكان بعيد ثم زرعه جاهزاً؟ لماذا لا تقطع الأيدي التي ترتشي من المخالف؟!.

في النشابية بنيت منازل تحت الخيام، لا تبعد أكثر من 100 متر من البلدية، انتزعت الخيام وظهرت البيوت، وأين؟ في الأراضي الزراعية، وتحت نظر البلدية!!

 في كل الريف السوري، تُشاد المخالفات تحت أعين وأنظار المسؤولين، الصغار والكبار على حد سواء، ويأخذون من المخالف ثمن المحاضرة الوطنية وثمن غض الطرف.

- المواطن يريد سلته بلا عنب، بيتاً بسقف يحميه من الحر والقر، المواطن يهرب من الدنيا الكاذبة، من الشقق، من البنايات التي فقط يمر في جوارها، إلى هواء الله الواسع ليبني مخالفة هي الأمر الوحيد الصحيح في حياته.

المسؤول الذي يرى المخالفة، يراها تكبر، ثم تسكن فيها الأنفاس البشرية، هو مسؤول مرتش، هو الذي خالف القانون رقم 1 للعام 2003، ويجب أن يسأل عن أمواله كيف جمعها؟ وممن؟ كم من مخالفة بنت له الفيلا  والمزرعة في (دروشة)؟!

ألم تشهد إحدى السنوات الماضية إقالة ثلث رؤساء المدن والبلدات من مناصبهم لأسباب عدة من أهمها الفساد؟!! على الحكومة أن تشدد على الآلية الحقيقية لمعالجة هذه الظاهرة. فالقضية ليست مجرد رشوة غير ضارة.... إنها المواطن والوطن حينما يصيران مخالفة.

عبد الرزاق دياب

المصدر: قاسيون

التعليقات

يسرق المسؤول الوطن و المواطن و عينه على الجولان. فإذا استرجعنا الجولان سوف ينقض اللص على الجولان لينشء فيها منتجعاته و ربما ملاعب غولف. عندما تضيع الجولان أو اللواء فإنها تضيع على كل الوطن و من يد كل المواطنين. و لكنها عندما تعود فإنها تعود الى المتنفذ و اللص و الجشع فهؤلاء هم الأسرع في الإنقضاض. ما الذي يجعل الشباب في تاريخ الحروب يحمل السلاح؟ إنه سبب وحيد و هو دفاع عما يملكوه. العبيد و المرتزقة لا تحارب. و إن اقتيدت للحروب فإنها لا تفوز. الملفت في ما يجري في لبنان هو ان الحكومة المسربلة بالفساد تطالب ببسط سلطتها على وطن صادف انها لم تمتلكه بل تخلت عنه. المقاومة تحارب من أجل ما تملكه و هذه الملكية لا يمكن أن يتم تمريرها للثعلب و القط و الخنزير ليبت فيها. طبعاً هذا ليس نموذج دولة و لكن الدولة ينظمها القانون. و عند غياب القانون لا يمكن لأحد أن يمنح احد صكوك غفران. السوري سوري قبل الحكومة و بعدها و فيها و بدونها. و بغياب القانون لا يستطيع احد أن يسلب المواطن حق الحياة و حق الدفاع عن أسرته ضد البرد و الجوع. و الرجل الذي يخاف من رئيس البلدية و لديه ولد جائع و إبنة بدون ثوب جميل يكون مجرماً بحق أولاده. بعكس ما تحاول كل الأدبيات المعصرة تكريسه فإن الائلة ستبقى أهم من الدولة حتى تتحول الدولة الى دولة قانون. بحيث يقف الجميع امام الدولة كعائلة كبيرة. نحن لسنا أميريكا , ليس بيننا هنود و صينيين و إيرلنديين و بولونيين و أفريقيين. نحن نعرف قراباتنا و نساعد بعضنا عندما تفشل الدولة. نتبادل الديون قبل وجود البنوك و نتبادل السلع كهدايا . هل هذا عكس عجلة التطور؟ لماذا غذا لا نذهب مباشرة الى التطور بأقصى و أحسن أشكاله لما لا نمنح شركة فورد أرضاً لعمالها و مصانعها؟ و نمنح الطباخين الأجانب مطابخ مطاعمنا؟ إن تكريس مفهوم الرجل الخارق أو السوبرمان و شرعيته إن كان سيقضي على مفهوم الدولة الكلاسيكي فإنه من الأولى به أن يقضي على مفهوم الرأسمال الوطني . و عليه يجب أن نقبل بتحويل بلادنا الى محافظات تابعة لأمريكا و فرنسا لأنها بلاد متقدمة و تمثل نموذج المستقبل! لا يمكن ان نتخلى عن العائلة و نتمسك بالرأسمال الوطني. إن كنا سنتخلى عن العائلة فإننا سنتخلى عن الرأسمال الوطني و نرتمي في حضن الشركات الأكبر و الأهم و الأجمل و الأكثر إيروتيكية. إن تكلفة علاج الجريمة و العنف في الدولة أكبر من تكلفة بناء منزل او مدرسة. و لكن من الواضح أن توجهات الدولة و اقتصاده تحكمه ذهنية العصابة. فليس بعيد الزمن الذي ستظهر في سوريا منظومات الحماية و الأمن من قبيل مؤسسات الحراسة الشخصية و مؤسسات تصفية الأمور المالية العالقة- شكل من أشكال البلطجة- مؤسسات إعادة التأهيل من المخدرات, مؤسسات إجتماعية للمطلقات و مؤسسات للفتيات الحوامل ... إن البزنس القادم الى الوطن هو بزنس العصابة. إن نفقات الحارس الشخصي أكبر من نفقات طبيب الأسرة و أكبر من أجور كادر تعليمي في مدرسة إعدادية . سيكون المال الجاري في بزنس شركات الأمن أكبر بأضعاف من ميزانية وزارة التعليم. و الكلاب التي تقف وراء هذه الصناعة الإقتصادية تعتقد انها اكتشفت حجر الفلاسفة في صناعة المال. إن كان الهدف هو المال و النجاح يقاس بالأفكار القذرة التي تقف وراء صناعته فالأولى إذن أن نأخذ الطريق القصير و نقلع أشجار الليمون التي تتطلب ري و حراثة و عناية, و نزرع عوضاً عنها الأفيون و الحشيشة . هذا المال أسرع و أوفر من مال شركات البلطجة. هل تريد الدولة من المواطن أن ينام في الشارع؟ سينام الجميع في الشارع عندما يكون وزير الإقتصاد نزيه و عندما تكون السماء نظيفة من السموم التي تنفثها الشركات المتهربة من كل مقاييس العناية و الأهلية. هل الكهرباء التي يدفع قروي من حمص ثمنها مثل مواطن في المالكي هي نفس الكهرباء و بنفس الفولطية؟ لماذا يدفع مواطن من ريف جبلة ثمن العداد و ثمن شبكة الماء و ضرائب و أجور الموظفين في شركة المياه مثله مثل مواطن في المزة و لكنه لا يتمتع بالماء مثل مواطنه في العاصمة. إن غياب الدولة الفعلي هو ما يجعل المواطن يكسر انبوب مياه ليشرب و أن يبني غرفة ليسكن. لأن الدولة ليست دولته و هو غريب في هذه الأرض.

(وساكورا لمن فاته قطار الثمانينات، هي نفسها كونيكا، والتي ربما لن نسمع عنها في العقد القادم، لأن التصوير الرقمي سيحتل مكانة التصوير التقليدي الذي يتطلب استخدام مواد سامة في التصنيع والإظهار.) ولكن لا يمكن أن نقول ذات الشيء عن مقالات الصديقة الشمطاء "قاسيون" التي تمطرنا بمقالات ترفع الفقراء على الأكتاف، وتسحق الموظفين المرتشين والأغنياء (الراشين) تحت سنابكها ولكن دون أن تقدم حلا سوى الحل الذي نسب إلى ستالين بخصوص طريقة تنفيذ حظر التدخين في الأماكن العامة. فالدنيا عندها إما أحمر أو أزرق، والأحمر وبكل أسف لا تجده إلا في البيغال ، وللمزيد عن البيغال انقر على رابط "شغب". لست أريد أن أطالب بشنق الراشي والمرتشي والرائش بينهما، وذلك لأنني من أنصار البيئة (الخضر) أود الحفاظ على ما تبقى من ثروتنا الحراجية، ولا أريد أن أطالب بمساواة جميع المواطنين في أن يتمكنوا من بناء كوخ من القش على الأرض المشاع ويضيفوا أحزمة فقر على أحزمة الفقر، ما أريده فقط أن أوجه صيحة إلى جميع من تخرجوا من كليات الهندسة طمعا بالتوظيف المضمون، وكل ما فعلوه بعد ذلك هو تمرير المعاملات بين مكاتب البلديات، والمحافظات، والوزارات ذات العلاقة بالتخطيط الإقليمي، والمحلي من الصباح إلى الظهيرة، وأحيانا في المساء، وأقول لهم جميعا: مرحا، آمل أن تكونوا فخورين بأنفسكم.

راوند , الدنيا احلى مع ساكورا, و مشروبات R.C الغازية, وعالم مارلبورو الغني بالنكهة, السياسة بين السائل و المجيب و دقات بيغ بين من لندن و صوت حكمت وهبي و غابي لطيف من مونتكارلو. في الثمانينات كان العالم أكثر مرحاً رغم الحصار الإقتصادي. كان الراديو يفتح افقاً من الخيال حول العالم هناك حيث ليس نحن فيه. و لكن منذ الثمانينات تغيرت أشياء كثيرة. فساكورا التي كانت يوماً عميد الفيلم الياباني تحولت الى كونيكا و التي بدورها اشترتها شركة مينولتا عملاقة التصماميم التقنية في عالم الفوتوغراف و التي بدورها لاحقا ذابت في شركة سوني و تنازلت لها عن اسمها للأبد.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...