الطموحات الساركوزية لفرنسا العسكرية
الجمل: تحركات الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي الأخيرة تشير بوضوح إلى أنه تحول من الرهان على التحالفات الدبلوماسية مع إدارة بوش إلى الرهان على التحالفات العسكرية معها.
* أبرز المعالم الجديدة على طريق ساركوزي الجديد:
وقف ساركوزي مؤخراً بقوة غير مسبوقة فرنسياً إلى جانب العديد من الخيارات العسكرية الأمريكية المتطرفة والتي من أبرزها:
• دعم توسيع الناتو.
• دعم شبكة الدفاع الصاروخي الأمريكي في أوروبا.
• دعم إرسال المزيد من القوات الفرنسية إلى أفغانستان.
• دعم إقامة المزيد من القواعد العسكرية الغربية في دول العالم الأخرى.
• إعادة فرنسا إلى عضوية القيادة العسكرية العليا لحلف الناتو.
• دعم ومشاركة فرنسا في المناورات والحشود العسكرية الأمريكية في الخليج.
* الوجود العسكري الفرنسي الخارجي الحالي:
تقول المعلومات بأن لفرنسا بعض القواعد العسكرية المنتشرة في العالم، وما هو واضح حتى الآن يتمثل في الآتي:
• قاعدة جيبوتي العسكرية: وتعتبر القاعدة العسكرية الفرنسية الأكبر.
• قاعدة تشاد العسكرية.
• قاعدة إفريقيا الوسطى العسكرية.
• قاعدة ساحل العاج العسكرية.
• قاعدة غينيا الفرنسية.
• بعض القواعد في منطقة الباسفيك وجنوب المحيط الهندي.
هذا، وتقول المعلومات بأن فرنسا تعمل بوتائر سريعة من أجل إقامة قاعدة عسكرية فرنسية جديدة في دولة الإمارات العربية المتحدة في الخليج العربي، إضافة إلى قاعدة جديدة في جزيرة قبرص.
* طموحات العسكرة الساركوزية – الفرنسية الجديدة:
تشير التحليلات إلى الكثير من التساؤلات المتعلقة بخلفيات وأبعاد وتداعيات نزعة العسكرة الإقليمية والدولية العابرة للحدود التي أصبحت تهيمن على توجهات سياسة الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي، وتوجد حالياً العديد من النظريات التي حاولت التصدي لتفسير هذه النزعة:
• نظرية تقول بأن ساركوزي يحاول نقل السياسة الخارجية الفرنسية من دائرة التقاليد الدبلوماسية إلى دائرة التقاليد العسكرية، بحيث تكون المبادرة في يد ما هو عسكري، وجعل الدبلوماسية تعمل لخدمة المتطلبات العسكرية، وليس العكس، كما جرت العادة في السياسات الفرنسية الخارجية التقليدية، وبكلمات أخرى، فإن ساركوزي يحاول إنتاج نسخة فرنسية لمشروع المحافظين الجدد الأمريكيين.
• نظرية تقول بأن ساركوزي يحاول القضاء على آخر ما تبقى من تقاليد النزعة الاستقلالية الفرنسية، وإركاب فرنسا في قطار الهيمنة الأمريكية، التي بات ساركوزي مقتنعاً بأنها أصبحت أمراً واقعاً إضافةً إلى تطابقها فمع مشروعه السياسي. الذي يؤكد على أن قيادة فرنسا للقارة الأوروبية لا يمكن أن يتم إلا بالوقوف إلى جانب أمريكا، وأي محاولة لمعاكستها ستطيح بمشروع الهيمنة الفرنسية على أوروبا.
• نظرية تقول بأن ساركوزي قد وعد الفرنسيين بأن يجعل من فرنسا بمثابة الولايات المتحدة الأوروبية، ولكنه فشل بسبب عدم حصوله على تدفقات رأس المال الأجنبي المباشرة وغير المباشرة اللازمة لتعزيز قوة فرنسا الاقتصادية، والآن ليس من سبيل أمام ساركوزي سوى القفز إلى أعلى والانخراط في الأجندة العسكرية بما يؤدي إلى إبراز قوة الردع العسكري الفرنسي العالمي، وربما إلى إقناع الأمريكيين بتعزيز فرصة فرنسا في الحصول على تدفقات رأس المال والاستثمارات الأجنبية.
* مشروع ساركوزي العسكري العالمي والتحديات الداخلية:
تتصاعد المواجهة الداخلية المعارضة لمشروع ساركوزي وقد بدأ اليسار الفرنسي أكثر ضراوة في شن الهجوم والحملات ضد ساركوزي، وحالياً يتهم اليسار ساركوزي بوضع استقلال فرنسا موضع الخطر، بسبب قيامه بالسعي من أجل إعادة إقحام فرنسا في قيادة حلف الناتو العسكرية العليا الموحدة، وبوعوده بإرسال المزيد من القوات الفرنسية إلى أفغانستان.
ويتمتع اليسار الفرنسي بشعبية واسعة، ويمثل الكتلة المعارضة الرئيسية لساركوزي في البرلمان الفرنسي، وتقول المعلومات حالياً بأن أعضاء البرلمان الفرنسي عن الحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي وحركة الخضر الفرنسية قد كونوا تحالفاً برلمانياً واسعاً يهدف إلى وضع ساركوزي أمام خيارين لا ثالث لهما:
• القبول بانتقادات المعارضة والتراجع.
• مواجهة عملية حجب الثقة.
وبرغم الفارق الضئيل الذي يعيق هذا التكتل المعارض من الحصول على الأغلبية البرلمانية المطلوبة، فإن التحليلات تقول بأن خطورة تحركات هذا التكتل سيترتب عليها:
• كشف ولفت الانتباه إلى التحولات ذات الطبيعة الخطرة على مستقبل فرنسا، والتي يقوم بإجرائها ساركوزي في الوقت الحالي.
• رفع شدة الانتقادات والمعارضة في الرأي العام الفرنسي بما يضعف شعبية ساركوزي المتراجعة بالأساس.
• إضافة إلى مصداقية ساركوزي أمام حلفائه الغربيين والأمريكيين، وذلك لأن إدراكهم لوجود المعارضة المتزايدة ضد ساركوزي داخل فرنسا سيترتب عليه إدراكهم بأنه لا يتمتع بالتأييد الداخلي وبالتالي فإن مصيره إلى فشل.
* آفاق صعود نزعة العسكرة الفرنسية الجديدة:
تشير بعض التحليلات إلى أن نزعة العسكرة الفرنسية الجديدة، ترتبط في جذورها بنزعة العسكرة الفرنسية القديمة، وإلى الآن، ما زال العديد من الدوائر الفرنسية تعاودها أحلام النابوليونية التي قامت على أمجاد مفهوم "الجيش العظيم" وهو الحلم الذي ينظر إليه الفرنسيون باعتباره الوسيلة الوحيدة لبناء مشروع الأمة الفرنسية العظيمة، الهادف إلى إلباس مشروع العولمة زياً فرنسياً بدلاً عن الزي الأمريكي، وعندها ستصبح الفرنسية بدلاً من الإنجليزية لغة العولمة.
وبغض النظر عن الحلم القومي الأممي الفرنسي، يمكن الإشارة إلى أن انخراط ساركوزي في مشروع العسكرة الأمريكية بحيث يجب ألا يكون أمراً مستغرباً، وذلك لعدة أسباب:
• لقد وضعت جماعة المحافظين الجدد ما عرف بـ"مشروع القرن الأمريكي الجديد" الذي يؤكد على منظور بناء الدفاعات الأمريكية من أجل هيمنة أمريكا على العالم لقرن كامل جديد على الأقل.
• جماعة المحافظين الجدد وإن كانت في ظاهرها تمثل مشروعاً أمريكياً من الناحية الشكلية فإنه في العمق يمثل تياراً سياسياً لفلسفة تؤكد إعادة إنتاج أطروحات مشروع موسى بن ميمون التلمودية.
• إن نيكولاس ساركوزي من الطبيعي أن يعمل من أجل إدماج فرنسا ضمن مشروع القرن الأمريكي الجديد وذلك لأنه بالأساس يمثل جزءاً من هذا المشروع منذ فترة ما قبل توليه منصب وزير الداخلية في حكومة الرئيس السابق شيراك.
• إن ساركوزي هو مكون أساسي ضمن حلقة جماعة المحافظين الجدد الفرنسية التي كانت تعمل جنباً إلى جنب وبالتنسيق مع جماعة المحافظين الجدد الاسترالية التي دفعت بالرئيس الاسترالي السابق هواردز وجماعة المحافظين الجدد الإسباني التي دفعت بالرئيس الإسباني السابق أزنار، وجماعة المحافظين الجدد الإيطالية التي دفعت بالرئيس برلوسكوني وغيرهم.
• ترتبط حلقات جماعة المحافظين الجدد في كافة أنحاء العالم ضمن مشروع موحد كبير يقوم على العمل ضمن دائرة النفوذ الأمريكي القائم على أساس اعتبارات مذهبية الريغانية الجديدة التي تعتمد العمل العسكري عن طريق توجيه الضربات الاستباقية ضد الأطراف الأخرى.
• الولاء المزدوج الذي يصنع الولاء لإسرائيل إلى جانب الولاء للوطن، ومن المعروف أن ساركوزي يمثل حالياً أكثر الزعماء الأوروبيين تشدداً في إعلان ولاءه وتأييده لإسرائيل.
• "الصلة اليهودية"، ومن الثابت أيضاً الجذور اليهودية التي تربط ساركوزي باليهود واليهودية، فهو وإن كان فرنسياً فإنه متحدر من أصل يهودي، كما تقول صفحات سيرته الذاتية المتداولة في شبكات الإنترنيت العالمية والأوروبية.
حتى الآن، لم يقدم الرئيس ساركوزي ولا الدبلوماسية الفرنسية التحليلات والتفسيرات التي توضح مدى جدوى وفائدة فرنسا والفرنسيين من توجهات ساركوزي الجديدة، فالرهان على نزعة العسكرة وإدماج فرنسا عسكرياً ضمن النظام العسكري الأمريكي سيترتب عليه المزيد من الأضرار على المصالح الفرنسية، ومن أبرز هذه الأضرار:
• توريط فرنسا في مشروع الحرب الأمريكية المفتوحة.
• تبني فرنسا لأجندة لا علاقة لها بها.
• دفع شعوب العالم إلى معاداة فرنسا.
• تخريب مصداقية الدبلوماسية الفرنسية.
• تعريض المصالح الفرنسية لخطر عمليات الانتقام التي تقوم بها الجماعات المعادية لأمريكا.
• وضع القدرات العسكرية والاقتصادية الفرنسية تحت تصرف الإدارة الأمريكية ومن ثم فسوف لن يتردد البيت الأبيض في القيام بمزيد من عمليات الابتزاز ضد فرنسا.
• تعريض القوام السياسي الفرنسي لخطر الانقسام وذلك لأن سير فرنسا في ركب التبعية الأمريكية سيعمق الشعور بالدونية لدى الفرنسيين الذين مازالوا أكثر تمجيداً لمبادئ الاستقلالية والفرنسية التي أرسى دعائمها الجنرال ديغول.
لقد تورطت إدارة بوش بفعل تبنيها لأجندة المحافظين الجدد، وترتب على ذلك مواجهة القوات الأمريكية لأوضاع أكثر خطورة وحرجاً على خلفية الخسائر العسكرية في العراق وأفغانستان، وقد بدأت تأثيرات هذه الخسائر تظهر بوضوح أكثر فأكثر في مؤشرات الأداء الكلي للاقتصاد الأمريكي. وبكلمات أخرى، أصبحت أمريكا القوية عسكرياً مهددة بأن تكون ضعيفة اقتصادياً بما يؤدي لاحقاً إلى جعلها ضعيفة عسكرياً، فهل تمثل محاولة ساركوزي الوقوف إلى جانب أمريكا عسكرياً محاولة لإنقاذ إدارة بوش وجماعة المحافظين الجدد وجماعة اللوبي الإسرائيلي من فضيحة تراجع هيمنة أمريكا، ومشهد انسحاب القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان الذي أصبح وشيكاً بعد رحيل إدارة بوش؟
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد