العمال المؤقتون.. من يقرر مصيرهم؟
بلغ عدد العمال المؤقتين في سورية حتى منتصف العام 2008 بحسب المكتب المركزي للإحصاء (779923) (جدول رقم 1) هذا الرقم الذي قدمه المكتب المركزي للإحصاء يشمل العمال المؤقتين في القطاعات الثلاثة
وكذلك العمال الذين يعملون دون عقود وغير مسجلين في أي من القطاعات كعمال البناء والأعمال الأخرى المشابهة التي يجري المكتب إحصاءات لها تعتمد على المسح الميداني.
الاتحاد العام لنقابات العمال قال: «هناك تفاوت في تقدير عدد العمال المؤقتين بين تقدير الاتحاد العام البالغ (60 ألفاً) والتقديرات الأخرى البالغة بحدود (200 ألف عامل).
مهما يكن عددهم فهو ليس بالقليل، وهم يعيشون حالة عدم استقرار بخصوص مستقبلهم ومستقبل أسرهم، ما يجعل من مطلبهم بالتثبيت مطلباً ملحاً وضرورياً، الأمر الذي ينقلهم إلى حالة الاستقرار ويوفر عليهم استجداء الوساطات والتملق لفلان أو علان من الناس ليساعدهم في تجديد عقودهم، كما يرحمهم من الخوف والإحساس بأن مصيرهم مرتبط إلىحد كبير بمزاجية مدير الدائرة أو المؤسسة التي يعملون فيها أو ببقائه مديراً.
كذلك تعديل وضع بعض العاملين من الذين حصلوا على شهادات أعلى هو جرح آخر له مرارته سنتطرق إليه في هذا التحقيق.
- رغم وجود تعميم صادر عن رئيس مجلس الوزراء منذ عامين يطلب فيه من جميع الوزارات والمؤسسات والدوائر الحكومية تسوية أوضاع العاملين المؤقتين استناداً إلى الشاغر والاعتماد، إلا أن ذلك القرار لم يحرك ساكناً في الكثير من المؤسسات والدوائر الحكومية، وذلك لسببين:
الأول أن الإدارات والمؤسسات فسرت قرار رئيس مجلس الوزراء تفسيرات مختلفة، إذ إن البعض فسر كلمة التسوية بإعادة التعيين للعامل المؤقت، الأمر الذي أفقده ترفيعاته الدورية التي اكتسبها عبر سنوات خدمته وجزءاً كبيراً من راتبه (كما أوضح أمين العمل في الاتحاد العام لنقابات العمال).
السبب الثاني هو عدم تحديد الملاكات الفعلية في المؤسسات والإدارات الحكومية، والملاكات تعني الحاجة الفعلية -بالأرقام- لكل مؤسسة من الموظفين من كل الفئات.
- أما موضوع الملاكات، وهو من الموضوعات المتعلقة بتحديد أعداد الموظفين في جميع الدوائر الحكومية فإنه من أهم المواضيع المساعدة على تثبيت العمال المؤقتين وتعديل أوضاعهم بحسب شهاداتهم، لأنه يحدد الشواغر الموجودة في كل مؤسسة أو دائرة حكومية ويلزمها بتنفيذ قرارات وتعاميم الحكومة ذات العلاقة دون إمكانية التفسيرات المختلفة.
وفي هذا الخصوص أيضاً صدر عن رئيس مجلس الوزراء تعميم إلى كافة الجهات الحكومية يطلب منها تحديد الملاكات العددية لديها وحدد فترة للانتهاء من ذلك، انتهت الفترة ولكن لم يتم الالتزام بمضمونه.
- أمين العمل في الاتحاد العام لنقابات العمال السيد أحمد الحسن أكد صحة ما ذكرناه سابقاً بخصوص عوائق تثبيت العمال المؤقتين، مبيناً أن الاتحاد طالب الحكومة أكثر من مرة بتثبيت العمال الذين لم يستفيدوا من القانون رقم (8) لعام 2001 وحتى عام 2005 تاريخ نفاذ القانون 50 لعام 2004، وخاصة أن التثبيت لا يحمل الدولة أي نفقات مالية لكون العمال يعملون منذ سنوات وعلى أعمال لها صفة الديمومة.
وأوضح أنه عندما اجتمع السيد رئيس مجلس الوزراء مع المكتب التنفيذي للاتحاد تم بحث موضوع تثبيت العمال المؤقتين وأن الموضوع لاقى تفهماً وتجاوباً من قبل رئيس الحكومة، وصدر قرار من رئيس مجلس الوزراء طلب فيه من الإدارات والمؤسسات الحكومية تسوية أوضاع العمال المؤقتين حسب الشاغر والاعتماد، وكنا نظن أن القرار سيسوي أوضاع20 إلى 25٪ من العمال كحد أدنى، لكن ظننا لم يكن في محله بسبب التفسيرات المختلفة لكلمة تسوية من قبل الجهات المعنية.
- أما مديرة القوى العاملة (قطاع عام) في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل السيدة رشا الحرفوش، وحين سألناها عن موقف الوزارة من تثبيت العمال المؤقتين والعوائق التي تحول دون ذلك، فأوضحت أن تشغيل العمال المؤقتين في الدولة يتم استناداً إلى الباب السادس عشر من القانون الأساسي للعاملين في الدولة رقم (50 لعام 2004) بمواده (146-147-148) وأن الفقرة (ب) من المادة (148) نصت على أن «الاستخدام المؤقت مهما مدّد أو جدّد لا يتحول إلى استخدام دائم وتنتهي مفاعيل العمل به بانتهاء الصكوك الناظمة له، إلا إذا مددت وجددت أصولاً».
وبينت أن الجهة المنوط بها تثبيت العمال المؤقتين هي رئاسة مجلس الوزراء وقد صدرت منذ عام 2005 وحتى الآن مجموعة من التعاميم عن المجلس تمكن العمال المؤقتين من تحويل استخدامهم من مؤقت إلى دائم وفق شروط الشاغر والاعتماد.
ومن تلك التعاميم تعميم رئيس مجلس الوزراء رقم (9208/15/تاريخ 28/12/2005) الذي سمح للعمال المؤقتين الذين تم ترشيحهم بموجب ترشيحات أصولية من مكتب التشغيل بالاشتراك في الاختبارات لدى الجهات التي يعملون لديها على أن يكونوا على رأس عملهم عند إجراء الاختبار وفي حال توافر الشاغر والاعتماد، على أن يتم ترشيح ثلاثة أضعاف العدد المطلوب من المكتب.
وفي خطوة لاحقة أصدر مجلس الوزراء التعميم رقم (5659/15/تاريخ 17/9/2008) الذي خفف من الشروط المطلوبة لتثبيت العمال المؤقتين،وذلك بأن ألغى الشرط الموجود في التعميم الذي سبقه المتعلق بالترشيح عن طريق مكتب التشغيل المختص، وسمح لهم «بالاشتراك بالاختبارات التي تجريها جهاتهم لإملاء الشواغر لديها دون النظر إلى تسجيلهم أو ترشيحهم من مكتب التشغيل المختص.
- ورأت مديرة القوى العاملة أن تعميم رئاسة الوزراء الأخير قد شمل جميع حالات المتعاقدين وسد جميع ثغرات التعاميم السابقة بهذا الخصوص، وحين قلنا لها إن العمال المؤقتين لم يقطفوا ثمرات تلك التعاميم، قالت إن المديريات والمؤسسات التابعين لها هي المسؤولة عن عدم إجراء اختبارات لملء الشواغر لديها، أما فيما يتعلق بإمكانية قيام وزارة الشؤون بدور مافي هذا الخصوص فأوضحت أن الوزارة ليست جهة وصائية أو رقابية على أداء الجهات العامة ، بل هي جهة وسيطة بين سوق العمل والجهات الطالبة في القطاعات الثلاثة.
وبذلك نكون قد عدنا إلى الحلقة المفرغة التي بدأنا بها مع اتحاد العمال وهي الاختلاف في تفسير التعاميم والقرارات.
- الحلقة المفرغة التي يجب الإمساك بها وإصلاح القطع الحاصل فيها هي تحديد الملاكات في كافة الدوائر والمؤسسات، لأن عدم تحديد تلك الملاكات هو الذي يترك أمر التثبيت وملء الشواغر تابعاً إلى أمزجة المديرين والمسؤولين في الدوائر والمؤسسات وهذا ما أكده مدير التشغيل وسوق العمل في هيئة تخطيط الدولة الدكتور أديب صقر الذي يبين أن هناك العديد من الجهات الحكومية تعمل وفق مراسيم ملاكات قديمة جداً مثل المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي في حلب منذ العام 1962.
- وأضاف: إن هناك جهات حكومية تعمل دون مراسيم ملاكات حتى الآن الأمر الذي يجعل عدد الموظفين أو تثبيتهم عائداً إلى أمزجة المسؤولين في تلك الجهات ، مبيناً أن الهيئة تعمل بالتنسيق مع كافة الوزارات الجهات الحكومية لتتبع تنفيذ خطة القوى العاملة عبر تقارير وكتب شهرية ترصد التغيرات الحاصلة في ميزان حركة القوى العاملة من تسرب وتعيين بشكل شهري وربع سنوي وسنوي، وتنسق الهيئة في هذا الأمر مع رئاسة الوزراء ووزارة المالية (لجنة الملاكات) والجهة الحكومية طالبة التعديل على ملاكها العددي في إطار الخطة الخمسية، وتجتمع لجنة من هذه الجهات يوم الاثنين من كل أسبوع برئاسة معاون وزير المالية الدكتور محمد حمندوش الذي ينوب عنه غالباً مدير الموازنة العامة في وزارة المالية السيد مظهر شوبط، وتتم مناقشة الجهة الطالبة تحديداً أو تعديل الملاك، ويصدر عن ذلك «محضر ضبط» يقدم توصياته.
أما عضو لجنة الملاكات في وزارة المالية ومدير الموازنة العامة السيد مظهر شوبط فأضاف على كلام الدكتور أديب صقر: إن هناك تعميماً صادراً عن رئاسة مجلس الوزراء إلى كافة المؤسسات والدوائر الحكومية يطلب منها تحديد الملاكات لديها وحدد التعميم حتى الشهر التاسع من العام نفسه للانتهاء من ذلك، لكن الكثير من تلك الجهات لم تنفذ مضمونه حتى الآن .
وأوضح أن تحديد الملاكات يمكن كل الجهات من تثبيت العاملين لديها، استناداً إلى تعميم رئاسة الوزراء رقم ( 5659/15/ تاريخ 2008)
- ولأن الموضوع يلامس آمال وآلام العمال المؤقتين وأسرهم وذويهم توجهنا أخيراً إلى مجلس الشعب وسألنا عضو المجلس الاستاذ غالب عنيز عن دور المجلس وما قام به في هذا الشأن فقال: بالفعل تم بحث الموضوع تحت قبة المجلس مراراً وتكراراً مع الحكومة التي بينت في الفترة الأخيرة أنها شكلت لجنة من رئاسة مجلس الوزراء لدراسة تثبيت بعض العاملين المؤقتين.
وأضاف: إن التثبيت أمر ضروري لأنه عامل استقرار نفسي واجتماعي وخاصة أنه لا يكلف الدولة سوى تعويض (التقاعد والوفاة) الذي يقتطع أصلاً من الراتب ويتم تسديده من التأمينات ، كما أشار إلى المئات من المعلمين والمعلمات الوكلاء الذين عملوا لفترة طويلة واكتسبوا خبرة تجعلهم أولى بالتثبيت من غيرهم «إذ إن الموضوع ليس موضوع شهادة فحسب ، بل إن الخبرة هي الأساس في موضوع العمل والتعليم بخاصة».
وفيما يتعلق بتعديل الوضع من فئة إلى أخرى بحسب الشهادة العلمية قال: نحن مع تعديل أوضاعهم، وهذا حق لهم، وقد سمح لهم القانون الأساسي للعاملين في الدولة بذلك في حال توفر الشاغر والاعتماد، وبخصوص الذين تعينوا بشهادات دنيا ثم أبرزوا بعد ذلك شهادات أعلى بيّن أنه مع تعديل أوضاعهم شريطة التأكد من عدم الالتفاف على القانون، إذ يجب احترام حقوق الآخرين الواقفين على الدور في مكاتب التشغيل، داعياً إلى ايجاد آلية تعالج وتضبط مثل هذه الحالات كأن تتأكد الجهة طالبة العمل من آخر الشهادات التي حصل عليها طالب التوظيف من جهات معينة وعدم الاكتفاء بما يقدمه طالب التوظيف من ثبوتيات.
لابد من الإشارة إلى حالات موجودة على أرض الواقع، ولقد وقع عليها ظلم من جراء المادة التي تمنع تعديل الوضع للحاصل على الشهادة الأعلى قبل التعيين.
من تلك الحالات على سبيل المثال، بعض الموظفين (لدينا أسماؤهم) من الذين عملوا بعقود موسمية لدى وزارة التعليم العالي عام 1999 وكانوا يحملون الشهادة المتوسطة (التاسع) والبعض (الثانوية) بصفة حراس على مداخل الوحدات السكنية وبعض أكشاك البيع داخل المدينة الجامعية ثم دخلوا كليات الجامعة المختلفة، ولم يكونوا ينوون البقاء في وظائفهم تلك وخاصة أنها عقود على الفئة الخامسة، بل كان هدفهم العمل المؤقت للقدرة على متابعة الدراسة، لكن المفاجأة أن عقودهم الموسمية تحولت في العام 2003 إلى وكالة ومن ثم تم تثبيتهم عام 2005، وبقي قسم منهم (وهم الآن يحملون شهادات جامعية يعمل على الفئة الخامسة)، فهل في ذلك عدل وهل نكافىء ذلك الطالب الذي كافح وعمل لإتمام دراسته بإبقائه حارساً ألا تحتاج أي دائرة حكومية إلى تخصصاتهم العلمية، وخاصة إذا علمنا أن هناك الكثيرين من حملة الشهادات المتوسطة يحتلون شواغر تقع ضمن ملاك الفئة الأولى حصراً؟!!
هلال عون
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد