العمى العابر... انسداد شرايين الرقبة وأمراض القلب
فقد بصره ثوانيَ معدودة ثم عاد وكأن شيئاً لم يحصل. تكررت هذه الحادثة معه أكثر من مرة من دون أن يعيرها اهتماماً أو يستشير طبيباً. مضت الأيام وحدثت الفاجعة بفقدان البصر كلياً. وفي المستشفى تبين أنه أصيب بجلطة داخل الشريان الذي يغذي العين أدت إلى فقدان النظر المستمر.
العمى العابر شكوى شائعة لا يسلم منها أحد حتى الأطفال، وهو يحدث أكثر ما يحدث عند الكبار الذين تخطوا الخمسين من العمر. وغالباً ما يصف المريض العمى العابر بسحابة رمادية أو ضبابية أو عتمات تتحرك تدريجاً من المحيط الخارجي للعين باتجاه مركز الرؤية، وتستمر هذه الشكوى من ثوان إلى دقائق، لكنها أحياناً قد تستغرق ساعات. وهناك أسباب متنوعة تقود إلى الإصابة بالعمى العابر نعرضها كالآتي:
- تضيق شرايين الرقبة، وهو من أكثر الأسباب المؤدية إلى العمى العابر، ويحدث هذا المرض نتيجة تراكم الترسبات الدهنية على البطانة الداخلية لشرايين الرقبة التي تغذي العين والدماغ، ويؤدي تفكك هذه الترسبات إلى قطع صغيرة يمكن أن تذهب لتحط رحالها في شرايين العين مسببة تضيقها أو ربما انسدادها كلياً ما يقود إلى العمى الدائم. وإذا خطر على بال الترسبات الدهنية أن تذهب إلى الشرايين المغذية للمخ فإنها تقود إما إلى السكتة الدماغية العابرة وإما إلى السكتة الدماغية الحقيقية التي قد تنتهي بمضاعفات خطيرة جداً.
إن تضيق شرايين الرقبة مرض يبدأ صامتاً من دون عوارض في بداياته، وقد تكون الإصابة بالعمى العابر من العوارض الأولى التي تشير إلى وجوده. ومن الممكن التعرف إلى التضيق بسهولة من خلال فحص بسيط هو التصوير بالأمواج فوق الصوتية، وفي حال اكتشاف أن التضيق في الشريان بلغ مرحلة حرجة يختار الطبيب العلاج المناسب لإزالة الترسبات الشحمية أو يقرر وضع دعامة شريانية تساعد على إبقاء الشريان سالكاً.
- أمراض القلب. إن العلل التي تصيب العضلة القلبية وشرايين القلب وصماماته قد تترافق مع اضطرابات في نظم القلب وفي الدورة الدموية يمكن أن تؤثر سلباً على عملية تدفق الدم إلى العين فيعاني الشخص من العمى العابر، خصوصاً عند النهوض من وضعية الجلوس.
- الصداع النصفي. فقدان الرؤية العابر قد يكون من العلامات المنذرة التي تسبق اندلاع نوبة الصداع النصفي. ويعزو العلماء هذا الأمر إلى تضيق مفاجئ في الشريان المغذي للعين. وقد يشعر المصاب بالصداع النصفي ومن عوارض أخرى منذرة إلى جانب العمى العابر، مثل رؤية وميض أو لمعان في الضوء، والشعور بالوخز في الذراع أو في الرجل، والإحساس بالوهن والضعف وقلة الحيل، واضطراب في القدرة على الكلام.
- التهاب الشرايين الصدغية، وهو مرض يحدث نتيجة غزو خلايا عملاقة للخلايا التي ترصف بطانة الشرايين الصدغية ظناً منها أنها خلايا غريبة، ما يقود إلى تفاعلات التهابية يصاحبها نشوء تضيق في الشرايين وبالتالي إلى انخفاض تدفق الدم. ويمكن أن يمتد التهاب الشرايين الصدغية إلى الشرايين الصغيرة التي تغذي العينين والعصبين البصريين ما قد يتسبب في قطع التروية الدموية لفترات قصيرة تؤدي إلى المعاناة من العمى العابر. أما إذا انقطعت التروية الدموية كلياً فإن العمى الكلي سيكون على الموعد. ويصيب التهاب الشرايين الصدغية المسنين، وتزداد خطورته مع التقدم في السن إلى درجة أن الذين في سن الثمانين هم أكثر عرضة له بمقدار 10 مرات مقارنة مع الذين في سن الخمسين. ويجب أن يتم علاج التهاب الشرايين الصدغية باكراً وإلا فإن العواقب قد تكون بالغة الخطورة.
- ارتفاع ضغط العين الحاد، وفيه يحدث احتباس السوائل داخل العين فلا يتم تصريفها كما يجب فيعاني المصاب نوبة حادة تترافق مع ضعف في الرؤية، إلى جانب آلام شديدة في العين وفي النصف المقابل للرأس، خصوصاً في الناحية الخلفية، وقد يشعر المريض بضعف عام، وبغثيان، ويصاب بالتقيؤ، وترتفع حرارة الجسم. وقد يصدف أحياناً أن تقود هذه العوارض إلى وضع تشخيص خاطئ يساهم في تأخير تقديم المساعدة اللازمة ما يـعرّض المصاب لعواقب وخيمة.
- أمراض العصب البصري، وقد تحصل في أي عمر، وفي كثير من الأحيان لا تظهر لهذه الأمراض عوارض إلا بعد أن تكون ضربت ضربتها وتسببت في مضاعفات أحدها العمى العابر أو العمى الدائم.
- رضوض العين، وهي تؤدي إلى نزف يمكن أن يضر بالنظر ويشوش الرؤية، وقد يحصل العمى.
- فقر الدم المنجلي، وفيه يكون خضاب الدم شاذاً في الكريات الحمر، ما يجعل الأخيرة صلبة شاذة ولزجة تملك قدرة كبيرة على الالتصاق ببطانة الشرايين الصغيرة، ومنها تلك التي تغذي العين، فيقل تدفق الدم فيها أو قد تنسد فيحدث العمى العابر أو المستمر.
- أسباب أخرى، من بينها استعمال القطرات من دون مشورة طبية، وفورات الغضب والانفعالات الشديدة، واستعمال الهاتف الجوال بعين واحدة.
نعم إن استعمال الهاتف بعين واحدة من قبل البعض يمكن أن يسبب العمى العابر، وقد تم تسجيل حالتين موثقتين لدى سيدتين جراء هذا التصرف السيء، إذ ذكر الأطباء الذين نشروا التقرير في صحيفة «نيوإنغلاند جورنال» الطبية، أن السيدتين اشتكتا من العمى العابر لفترة وصلت إلى 15 دقيقة، تبين بعد القيام بالتحريات أن السبب يعود إلى النظر إلى الهاتف بعين واحدة، فحذار من هذا التصرف الأرعن بالتطلع إلى الجوال بعين واحدة وطمس الأخرى بالوسادة كما يفعل البعض في فراش النوم.
في المختصر، إن العمى العابر قد يخفي ظرفاً ساخناً لا بد من تحديد سببه وعلاجه من قبل الطبيب المختص الوحيد القادر على وضع النقاط على حروف التشخيص والعلاج، وفق ما تقتضي حاجة المريض، حتى لا يقع في مطب فقدان النظر كلياً فيعيش في ظلام دائم، وهل هناك ما هو أبشع من الظلام!
د. أنور نعمة
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد