اللاذقية : ازدحام وحذر على وقع معارك الريف
تزدحم شوارع اللاذقية بالسيارات والمارة، في مشهد لم تكن تشهده المدينة الساحلية الهادئة قبل عامين، حيث كان يقتصر الازدحام على شواطئها، لا شوارع وأحياء مدينتها. يراقب سائق التاكسي الازدحام ويقول بضيق «هذه ليست اللاذقية، أطول توصيلة كانت أقل من عشر دقائق، أما الآن فقد تستغرق التوصيلة نصف ساعة أو ساعة في بعض الأحيان»، قبل أن يشير إلى لوحتي سيارتين أمامه، إحداهما تحمل اسم مدينة حلب، والأخرى حمص.
وبالرغم من الفرز المناطقي، الذي تسببت الأحداث السورية بتعميقه في اللاذقية، إلا ان المهجرين من المدن الأخرى يتوزعون في معظم أحياء المدينة. وقد استقبلت حتى الآن ما يعادل عدد سكانها، حيث ارتفع عدد قاطنيها من نحو 750 ألف نسمة إلى نحو 1,5 مليون نسمة، بحسب تقديرات مصادر رسمية.
وتزدحم الأسواق مع اقتراب عيد الفطر، وينتشر الباعة الجوالون بكثرة، إلا انه بالرغم من ذلك، تبقى حركة البيع والشراء قليلة.
«لا عيد هذا العام على ما يبدو»، يقول صاحب محل ألبسة. ويضيف «المواطنون يتمشون في الاسواق، يتفرجون على البضائع ولا يشترون، أظن أن معهم الحق فالجرح كبير، ولا وقت للعيد في الحرب».
لم تكن اللاذقية طيلة العامين السابقين بعيدة عن اجواء الحرب التي تعيشها سوريا، فبالرغم من هدوئها وبعدها عن المناطق الساخنة، إلا انها تستقبل يومياً جثامين مقاتلين فقدوا حياتهم على جبهات القتال العديدة.
وما من منزل في المدينة الهادئة إلا وزاره الموت، حاله كحال بقية المدن السورية، إلا ان الأحداث الاخيرة التي شهدها الريف الشمالي زادت من جرح المدينة، حيث قامت مجموعة فصائل معارضة متشددة ابرزها «جبهة النصرة» و«الدولة الإسلامية في العراق والشام» باقتحام عدة قرى ذات غالبية علوية، تبعتها عمليات تصفية لعدة عائلات وخطف.
وعلى مدار يومين، كانت الأنباء الواردة من الريف الشمالي، الشغل الشاغل لأبناء المدينة: معلومات متضاربة وغير دقيقة، أمام تجاهل من وسائل الإعلام الرسمية لما يشهده الريف. وحدها سيارات تحمل جرحى وقتلى تدخل المدينة، وأصوات انفجارات سمعها سكان المدينة فجراً يضاف إليه تحليق مكثف للطيران.
«هي الحرب»، يقول صاحب مقهى وقف يراقب الطائرة الحربية. ويضيف «أصبحت المعارك قريبة جداً» قبل ان يعود إلى مقهاه الذي يحتوي على بضعة زبائن.
وعلى وقع المعارك القريبة، شاب اللاذقية حذر وخشية من ارتفاع التوتر الطائفي، ووقوع إشكالات وأعمال عنف، إلا ان أياً من هذه الحوادث لم تقع، الجميع يلتزم الصمت، والحذر، سواء من سكان المدينة أو الوافدين إليها.
ويعلل الحر فضل غزال، وهو ابن شقيق الشيخ العلوي بدر غزال الذي قامت جماعة متشددة باختطافه خلال اقتحامها لقرية البارودة، سبب هدوء المدينة إلى «وعي سكان المدينة بأن من قام بارتكاب هذه الأعمال ليس من ابناء المنطقة». وتابع «هم غرباء من جنسيات مختلفة، لا شأن لابناء المدينة بهم حتى من توجه منهم لحمل السلاح والقتال ضد الجيش في هذه الاحداث».
ويشير غزال في حديثه إلينا الى أن «الخوف ساد من امتداد هذه المعارك، ووقوع إشكالات واقتتال داخل المدينة، إلا انها أصرت على الهدوء، والترقب»، لافتاً إلى أن «كل ما يشغل بالنا في الوقت الحالي هو مصير المخطوفين، ومن ضمنهم الشيخ بدر، لا حقد ولا ضغينة تجاه اي من ابناء المدينة من الطوائف الأخرى، فهم من هذه الأعمال براء».
ويرى غزال ان أكثر ما يشغل بال سكان اللاذقية في الوقت الحالي هو اقتراب المعارك من مناطقهم في وقت يقاتل فيه ابناء هذه المناطق على جبهات أخرى في سوريا. وقال «لا يوجد في هذه القرى شبان يدافعون عنها، معظمهم يقاتلون في مناطق أخرى ساخنة». وتابع «أنا لا أؤيد أن يحمل السلاح اشخاص غير منظمين ضمن صفوف القوى المسلحة الحكومية. الجيش هو كل ما يعوّل عليه المواطنون في الوقت الحالي».
ويأتي ذلك في وقت قالت فيه مصادر ميدانية إن الوضع الميداني في الريف الشمالي يشهد حالة تقدم بطيئة للجيش، والذي تمكن من السيطرة على قمة الشيخ نبهان، تحت غطاء ناري كثيف (مدفعي وصاروخي). وفي المقابل، ذكرت مصادر معارضة أن كتائب مقاتلة بدأت بالــــتراجع عن القرى التي سيطرت عليها، من دون تقدم كبـــير لمشـــاة الجــيش والكتائب الموالية للحكــومة (الدفاع الوطــني كتائب البعث) المشاركة في العملية في الوقت الحالي.
وبحسب المصدر الميداني فإن مسلحي المعارضة دخلوا فعلياً ثماني قرى هي استربة، وبومكة، وبلوطة، وبارودة، وعرامة، ودرج نباتا، ودرج تلا، والحمبوشي. أما الجيش السوري فاستعاد بيت الشكوحي، وسط معارك في استربة، التي تشهد انتشاراً للقناصة.
ولا يمكن الوقوف بشكل دقيق على عدد الضحايا من المدنيين خلال اقتحام المسلحين للقرى، إلا ان مصادر طبية قالت لـ«السفير» انه تم توثيق 136 قتيلاً من المدنيين، من بينهم نساء وأطفال، ولا يزال العشرات في عداد المفقودين. إلا ان مصدراً عسكرياً أوضح لـنا أنه من الصعب في الوقت الحالي إحصاء عدد القتلى بسبب عدم دخول مشاة الجيش إلى القرى حتى الآن.
وفي المقابل، كشفت مصادر معارضة أن الكتائب «أسرت» نحو 150 شخصاً من بينهم الشيخ بدر غزال، ويتم في الوقت الحالي التفاوض لإطلاق سراحهم مقابل إطلاق موقوفين تابعين لتشكيلات معارضة متشددة قامت السلطات بالقبض عليهم في وقت سابق.
علاء حلبي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد