المسرح السوري للفقراء النبلاء فقط
«أسئلة في الفن» تحت هذا العنوان عقدت ندوة كاتب وموقف بمشاركة كل من الفنانين غسان مسعود وجهاد الزغبي مدير مديرية المسارح والموسيقى والمخرج المسرحي عبد الحكيم المرزوقي والناقد السينمائي محمد قارصلي وبإدارة عبد الرحمن الحلبي حيث قام المنتدون بالاضافة الى الحضور بتسليط الضوء على آليات العمل المسرحي وتحديد معوقاته الأساسية والتي تبين أنها تتجسد بالروتين القائم في مديرية المسارح والتي تبلغ ميزانيتها السنوية (90) مليون ل.س يخصص مبلغ (21) مليون ل.س لانتاج العروض المسرحية، ومع ذلك فنحن لا نرى انتعاشاً حقيقياً في المسرح، والذي ما يزال يراوح بين فترة وأخرى من حالة السكون الى الحركة ببطء شديد، ماذا يقول المعنيون في المديرية والفنانون المسرحيون؟
...الفنان غسان مسعود عندما سئل عن المسرح كيف يراه وماذا يعني له ضمن الفنون لا سيما وأنه حقق نجاحاً متميزاً في مسيرته الفنية على أكثر من صعيد يؤكد ان علاقته بالمسرح هي علاقة حب وعشق وقد استمر هذا العشق، كما يقول مسعود، حتى دخول أطراف أو شركاء جدد (زوجة-أطفال) وهؤلاء غير معنيين بالحفاظ على تلك العلاقة، هذا بالاضافة الى وجود طرف ثالث أثر على منحى علاقتنا بالمسرح كفنانين مسرحيين تمثل بالمؤسسة الرسمية وعلاقتها بهذا الفن...؟! الأمر الذي جعلنا نبتعد قليلاً ونتركه يستريح حتى تنضج الظروف وتصبح ملائمة بحيث تساهم في دعم حالة العشق وتجعلها تتجدد..! منوهاً الى ان مسألة الهدر الموجودة والتي تعد أحد وجوه الفساد وعدم تحقيق المعادلة المطلوبة في الفن (المتعة والفائدة) من خلال دعم نصوص هابطة وأشخاص غير مؤهلين بحيث تصبح الخسارة مضاعفة مرتين، وتتمثل المرة الأولى في الدعم والثانية في عدم تحقيق المنجز الابداعي..
فإنتاج الكم دون اعتبار للنوع هو بحد ذاته خسارة وخسارة مضاعفة حيث تم انتاج 20 مسرحية بكلفة 170 مليون ل.س من المستوى الهابط والرديء، ويذكر مسعود مؤكداً ما يقوله من خلال اشرافه على أحد المشاريع الفنية برأسمال 95 مليون ل.س لانتاج 17 مسرحية يتراوح أجر الممثل ما بين 200-400 ألف في كل عمل منها الا ان المديرية برأسمالها الذي يفوق هذا الرقم لم تتمكن من انتاج هذا العدد من الأعمال.
ويرى الفنان مسعود ان الفن لا يحدث الا بالمسرح سواء بطريقة عرض الحكاية أو لجهة تقنيات فن التمثيل منوهاً الى أنه على القطاع الرسمي دعم «الخاص» اي الابداع فأي حالة ابداعية هي حالة خاصة..
أما كيف نعيد الجمهور الى الصالات يقول مسعود ان الكرة ليست في مرمى الدولة والمؤسسات الرسمية، خاصة وأنها أخذت صبغة تعجب الكثيرين، ويرى ان المسؤولية تقع على عاتق المؤسسات وعلى المبدع معاً.
-المخرج المسرحي عبد الحكيم مرزوقي الذي يصف المسرح بأنه فن النبلاء الفقراء بامتياز ويرى ان سؤالاً مثل لماذا تحب المسرح هو كمن يسأل الوردة لماذا أنت وردة مشيراً ان فن المسرح وعلى مستوى العالم هو فن ينتعش من الأزمات..وأزمتنا الحقيقية هي أزمة أزمة حيث لا يوجد تصنيف للأزمة لان أزمة المبدع في العالم العربي يعتبرها البعض أزمة لا وجود، أي لا ترقى الى مستوى أزمة لأنها ليست أزمة قلق ابداعي، وانما هي أزمة قلق معاشي، مشيراً الى ان ظاهرة أو ظاهرتين لا تصنع ربيعاً للمسرح.
وفي هذا الرأي يؤيده الفنان جهاد الزغبي مدير مديرية المسارح مضيفاً ان المسرح موجود سواء شئنا أم أبينا والأزمة موجودة في المسرح لكن المطلوب منّا تحديدها..؟!.
منذ الشهر الأول لهذا العام ولغاية الشهر الخامس أنتجت مديرية المسارح (24) عرضاً مسرحياً على مستوى القطر ومعظمها نصوص ذات مستوى راق منها «حمام بغداد» تأليف وإخراج د.جواد الأسدي- السهروردي لعبد الفتاح قلعجي واخراج غسان الجباعي (رأس الغول) من مؤلفات محمد الماغوط وزكريا تامر اضافة الى مسرحية سينترا التي قدمت بدار الأسد اداء الفنان عبد الرحمن آل رشي- بيت الأشباح..والسؤال اذا قدمت تلك العروض يقول الزغبي: نحن إذاً نعاني من بطء في تطور الحركة المسرحية وهو تطور مرتبط بالأفراد، ويعترف الزغبي انه ومن موقعه كمدير لمديرية المسارح، لم يستطع ان يقدم شيئاً..مضيفاً نحن قدمنا نصوصاً مهمة وأعمالاً عربية وعالمية مهمة وفنانين مهمين لكننا لم نقدم مسرحاً مهماً..؟ مؤكداً ان المسرح ليس للمؤسسات الرسمية على الاطلاق، وانما للقطاع الخاص وللفرق المسرحية العاشقة للمسرح.
لافتاً الزغبي، الى ضرورة تغيير القوانين الناظمة للعمل الفني، فالمسرح في الدستور السوري حتى الآن هو من المرابع الليلية...مؤكداً أنه من موقعه كمدير لمديرية المسارح عندما حاول تغيير ما هو سائد ومعمول به قوبل بالرفض ولم يعد «باليد حيلة» كما يقال..
عبد الحكيم مرزوقي بدوره أكد على أهمية ايجاد بنية تحتية تهيىء لحركة مسرحية مشرقة مشيراً الى ان كلمة مبدع أو مفهوم مبدع مفهوم ضبابي...
ينتقل بعد ذلك عبد الرحمن الحلبي الى سؤال آخر عن القلق كسمة بشرية واعية وهي عند الفنان شبه متأصلة كيف نفهم هذه الحالة ومتى تتسارع لديه ولماذا وهل تختلف حدتها لديه من مكان الى آخر كخشبة المسرح وآلة التصوير؟.. يرى الفنان جهاد الزغبي ان القلق لدى الفنان يحفز على الابداع ومن خلال تجربته الفنية في مجالات السينما-المسرح- التلفزيون يجد أنها لا تختلف حيث ان هاجس الفنان أولاً وأخيراً الوصول الى الحالة الابداعية في الشخصية مؤكداً أنه في كل مرة وفي الدقائق الأولى من أي عرض مسرحي هناك شعور بالخوف.
أما الفنان غسان مسعود فإنه يفصل ما بين القلق المثقف-الابداع لافتاً الى ان القلق في المسرح لا يشبهه قلق آخر قائلاً: في المسرح تخوض في محيط لا تعرف هل تنتظرك جزر أم لا..أنت تبحث وفي بحثك ربما كان بين يديك أدوات تجدين فيها الكثير من المغامرة وممكن ان تكتشف المرجان أو سمك القرش..القلق في المسرح مشفوع بالمعرفة لا يحدث إذا لم يكن مشفوعاً بالمعرفة والمعرفة كتحصيل حاصل هي الوعي، حيث يجب ان تعي الشيء الذي تشتغل عليه، لكن بالتأكيد لست ضامناً لنتائجه، لذلك تم تشبيهه بالجنين الذي يولد في بطن أمه...
القلق لا يبرح المبدع الا ان ينجز العرض بكليته وهو اضافة لذلك، ففي كل ليلة عرض يتعرض العمل لهزات من شأنها ان تصلح من شأنه...مؤكداً في ختام حديثه انه اذا كان القلق متوفراً ومشفوعاً بالمعرفة فهناك من يقلق دون ان يكون موهوباً.
في حين يرى المخرج المرزوقي ان الأزمة أو المشكلة ان ثقافتنا هي ثقافة أجوبة وليست ثقافة أسئلة...ومن هنا فهي ثقافة اتكالية سمتها الاستكانة، فالمبدع الحقيقي يرتاح لقلقه والسؤال يفجر الابداعات.
والمبدع في أي مجال كان يجب ان يكون في حالة قلق دائمة هذا ما يؤكده المخرج السينمائي محمد قارصلي مضيفاً أننا نشحن الطلاب في المعهد العالي للفنون المسرحية بحالة القلق هذه ولا ننجح دائماً، ولكن السؤال هو متى يكون القلق مرضياً ومتى يكون منتجاً ابداعياً؟!.
وفي سؤال آخر لمدير الندوة عبد الرحمن الحلبي مستشهداً ببعض ما كتب في الصحف حول اتساع الفجوة بين المسرح والجمهور والتي يعزوها الى المؤسسات الرسمية التي حولت خطابها عبر الفضائيات والمسلسلات لامكانية تأسيسات تربوية جمالية عالية والى تأسيسات اعلامية ساذجة وكأنها تتضامن لتفريغ المتفرج وتجويفه واستئصال براءته لا سيما وان علاقة الجمهور بالمسرح أكثر طفولة وأكثر شغباً قبل تحول خطاب تلك المؤسسات، لهذا تباعدت المسافة بين الجمهور والمسرح.
الفنان غسان مسعود يقول هناك طلاق أبدي بين المبدع والمؤسسات الرسمية..ويرى ان المسرح السوري لم يعرف ازدهاراً يوماً...وانما هي فترة حماس وليست ازدهاراً حقيقياً مشيراً الى ان الفضول لمعرفة ما يحدث في صالات المسرح (الحمراء-القباني) في فترة الستينيات عبر رجال ذهبوا الىأوروبا وشاهدوا عروضاً كما هي ما حدا بالفضول لدى طبقة معينة من المجتمع الدمشقي الى تقليدها وكأنها تشبه الى حد ما نزهة أو سفرة...واستمر ذلك الى ان جاء مخرجو البلدان الاشتراكية في ذلك الزمان ونظروا الى الموضوع من منظار آخر (طبقي وايديولوجي) وذهبوا ليقدموا مشروعاً بديلاً ورفعوا راية المسرح الجماهيري مما أدى الى هروب تلك الطبقة التي كانت تتابع المسرح في الستينيات كشكل من أشكال الطقوس الاجتماعية في العطل.. لكن هؤلاء لم يكملوا، لأن نمط الحياة الجديد وظروفهم لم تحقق لهم شرطاً اجتماعياً مريحاً كي يذهب بعده للمسرح ليتفرج اضافة الى أنهم جاؤوا بأشكال مسرحية وكنت أشك دائماً أنهم هم يعرفون عنه هذه الأشكال ومعناها في بلدانها، وهي تناسب بيئات ومناخات معينة وثقافات معينة، حيث نقلت الى مجتمعنا وهو يعاني من هشاشة ما مما أدى الى وجود فلك حقيقي في صورة المشهد المسرحي.
وكان هناك «غش» كبير أدى الى هروب جمهور السبعينيات برمته...وذكر مسعود أنه في الثمانينيات عندما كان طالباً في السنة الأولى الدراسية في المعهد العالي للمسرح كانت تعرض مسرحيات على المسرح القومي يحضرها (5) أشخاص واستمر هذا الوضع حتى بداية التسعينيات حين جاء جيلنا وتلامذتنا وبدأ الجمهور يعود الى المسرح...وكان هذا لأننا تعاملنا معه (الجمهور) بتواضع وأردنا ان نقول شيئاً سورياً، لان ما كان يقال لم يكن سورياً، فحتى على مستوى بنية النص المسرحي هي بنية هجينة مستوردة كلياً، إضافة الى الشكل المسرحي وكيفية التعاطي مع اللغة الفصحى حيث نفّرنا الجمهور من اللغة الفصحى.
لكن أهم ما طرح من حلول لهذه المسائل العالقة والهدر الحاصل في الانتاج الفني عموماً هو ما طرحه الفنان محمد قارصلي مؤيداً تجربة محمد إدريس في اعتماد آلية إنتاج مسرحية تختلف تماماً عن الآلية المعمول بها وهي ما اعتمدت في السينما الايرانية حيث يعطى الفنان قرضاً على ان يسدده خلال مدة زمنية محددة دون فوائد...وهذا ما جعل السينما الايرانية تغزو العالم..وهذا لا يعني مطلقاً الغاء المؤسسة الرسمية انما اعتماد آلية جديدة في الانتاج..؟!.
نعيمة الإبراهيم
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد