المواقع الثقافية العربية: نسخ الكترونية عن أعمال ورقية
حال المواقع الثقافية العربية على شبكة الانترنت تكاد تكون محزنة. وتبدو هذه المواقع كأنها تعيش في عصر غابر ضعيف الصلة بأصول عالم الانترنت وفضاءاته المفتوحة والافتراضية. فالتواصل بين المواقع الثقافية العربية وقراء هذه المواقع مقطوع أو شبه مقطوع وعلى سبيل المثل، يوجه موقع «هامش» الرسالة الآتية الى القراء: «نرجو من أصدقائنا القراء عدم بعث أي مواد للنشر مع فائق محبتنا واحترامنا». ينتهج هذا الموقع سياسة منع التواصل مع القراء. والتواصل على الشبكة الالكترونية هو جوهر العالم الافتراضي السائل. ويكتفي بعض هذه المواقع بتوفير حق التعليق على المقالة للقارئ.
ويستقبل الباحث عن المواقع العربية الثقافية على شبكة الإنترنت عدداً من المقالات الصادرة باللغة الانكليزية التي تنعى هذه المواقع، وترثي حالها. ولا يجد متصفح نحو عشرين موقعاً من المواقع العربية على الشبكة، منها موقع «جهة الشعر» و «كيكا» و «دروب» و «إيلاف» و «شروق» و «ديوان العرب» و «البوتقة»، في هذا الرثاء مبالغة أو تجن. فمعظم هذه المواقع يكتفي بجمع مقالات ثقافية ومراجعات كتب وقصائد سبق أن نشرت في الصحف البيروتية أو المصرية والعربية. وهذه المواقع هي أشبه بوسيط بين زائرها وبقية الصحف، وسيط يختار باقة من المواضيع المنشورة في زوايا الصحف العربية الادبية، ويعيد نشرها.
وفي حالات كثيرة، لا تذكر المواقع – الوسيط مصدر المقالات المنشورة على صفحاتها، وتنسب مقالات صحف أخرى إليها. وقلة من المواقع تجمع بين دور الموقع – الوسيط وبين نشر مقالات خاصة بها كتبها مستكتبون في صفحاتها الالكترونية. ومن هذه المواقع موقع «كيكا»، فعلى سبيل المثال، نشر هذا الموقع ملفاً كبيراً من المقالات عن الشاعر العراقي الراحل أخيراً، سركون بولص، نقلاً عن صحف عربية، منها «الحياة» اللندنية و «السفير» البيروتية و «القدس العربي». والى هذه المقالات المنقولة، ينشر موقع كيكا مقالات خاصة به تتناول الشعر والمذكرات الشخصية والمقالات الادبية. وينشر موقع «دروب» مساهمات القراء ورواد موقعه في خانة «كوفي شوب» المخصصة لأعمالهم.
وعلى خلاف المواقع الغربية، وهذه تطلب من روادها على الانترنت تصنيف المادة المكتوبة، وتقويمها وتوصية الآخرين بقراءتها، تغلق المواقع العربية صفحاتها أمام القراء وزائري الموقع، ولا تستقبل مساهمات القراء في الرأي والنقد الادبي والشعري.
وتزعم هذه المواقع احتكار كتابها أو كتاب الصحف الاخرى الخبرات الادبية والمعرفة والنقد الأدبي. فالقارئ هو متلق لما يكتب «المثقفون»، وهو جمهورهم الأبكم، في حين ان مواقع غربية مثل «ويكيبيديا» (الموسوعة الرقمية) و «آغورافوكس» و «رو89» تدعو روادها الى كتابة محتوى الموقع.
ولم يفض اكتشاف معلومات خاطئة في الموسوعة الرقمية التي يحررها روادها الى اغلاق هذه الموسوعة والطعن في جميع محتوياتها. فمبتكرو هذه الموسوعة دعوا رواد موقعهم الى تصحيح المعلومات الخاطئة والابلاغ عنها، ووضعوا آلية تقوم المعلومات، وتحذف المعلومات الخاطئة.
ولا يقتصر ميل المواقع الغربية الى التفاعل مع قرائها «على الخط» (online) على المواقع الادبية والثقافية. فالصحف الفرنسية والبريطانية والاميركية تنشر مدونات القراء جنباً الى جنب كتاب عواميدها وضيوفها. ولا تنشر المواقع الغربية مقالات الصحف الاخرى، بل تعرض مقالات خاصة بها. ويذهب موقع « إنفو سيك نيوز» الى ان تصميم المواقع العربية رديء، وأن رداءة التصميم وضعف حماية المواقع تعوق نمو التجارة الإلكترونية بالشرق الأوسط.
وبحسب دراسة شملت موقع أكثر من ثلاثين مؤسسة طوال أربعة أعوام نفذتها شركة «إي هوستنغ داتا»، تفتقر المواقع العربية إلى أنظمة أمنية تصد هجمات قراصنة الإنترنت، وتحول دون تعطيلهم الموقع ودون ولوجهم إلى أجهزة الكومبيوتر الخاصة بالعاملين في الموقع. فالقائمون على الدراسة نفذوا عمليات قرصنة بسيطة ومسالمة ضد هذه المواقع، ونجح 99 في المئة من هذه العمليات.
والاعلانات التجارية نادرة على المواقع العربية بسبب عزوف القيمين على هذه المواقع عن التفاعل مع القراء، فاستقطاب القراء ورسم بطاقة اجتماعية لهم هو شرط استقطاب الاعلانات، وجني أموال تمول الموقع وكتابه.
وفي وقت يتلكأ القيمون على المواقع العربية في فتح مواقعهم امام مساهمات القراء، يقوم الغرب هذه الخطوة بعد اختبارها طوال أعوام. فالغرب يعيد، اليوم، النظر في «مواقع المساهمة» المفتوحة على غاربها، وهي مواقع تمنح متصفحها حرية نشر ما يريد نشره على صفحاتها من دون التزام معايير ادبية وأخلاقية.
ويبدو ان المواقع العربية الثقافية الالكترونية تحاكي فكرة يجمع عليها أكثر من أديب وشاعر لبناني ألا وهي أن يكون الموقع نسخة طبق الاصل عن الصحيفة والمنشورة الورقيتين. فهذه المواقع هي مرآة تلكؤ الادباء العرب والشعراء والناشرين في ولوج عالم الانترنت الافتراضي، والقبول بتغير شكل المنشورة والاعمال المكتوبة، وبالاحتكام الى القارئ.
فالمواقع العربية لا تقدم مواد الكترونية أصلية، بل نسخاً الكترونية عن اعمال ورقية سبق ان نشرت في الصحف والمجلات.
منال نحاس
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد