الوجه الآخر لمشكلة ارتفاع الأسعار

21-01-2007

الوجه الآخر لمشكلة ارتفاع الأسعار

أصبح ارتفاع أسعار السلع الغذائية محور حديث وحوار الشارع ، وأخذت حيزاً كبيراً من اهتمامات ومناقشات الحكومة في اجتماعاتها الأيام الأخيرة السابقة من أجل اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة.

لكن ما نأمله أن لا تنتهي بقرارات ارتجالية قد يكون لها انعكاسات سلبية حادة على الإنتاج والمنتجين بل أن تكون مبنية على دراسات حقيقية للسوق و أسباب الارتفاع ، لأنه ليس بالقرارات فقط يمكن خفض الأسعار بل بمعالجة جذور المشكلة ومكامن الخلل من هذا المنطلق قمنا بهذا التحقيق للوقوف على الحيز الذي يخص المنتجات الزراعية. ‏

يشير المهندس حسان بدور مدير الزراعة في اللاذقية الى أن الإنتاج المتوقع للخضروات في المحافظة لهذا العام هوكالتالي للبندورة 60 ألف طن ، سّوق منها حتى الآن 30 ألف طن ، الملفوف 2500 طن ، الخيار 2300 طن ، الفليفلة 42 ألف طن ، الباذنجان 24 ألف طن ، الفاصولياء 18 ألف طن ، الفريز30 ألف طن ، البصل الأخضر 2200 طن ، فجل 650 طن ، والخس والسلق 1500 طن ، السبانخ 100 طن ، وزهر القرنبيط 500 طن ومن المتوقع أن يبلغ إنتاجنا من البطاطا للعروة الربيعية حوالي 300 ألف طن ... ‏

ويبلغ العدد الإجمالي للبيوت البلاستيكية في الساحل 10298 مزروع منها 9814 منها 8541 للبندورة و458 للخيار وما تبقى لنباتات الزينة والخضروات الأخرى ويرى المهندس بدور أن أهم أسباب ارتفاع معدلات الأسعار هذا العام وخصوصاً الخضروات يرجع للعوامل الجوية التي سادت المنطقة وأن التصدير أحد العوامل لكنه الأقل تأثيراً ودعا إلى ترشيد تصدير المنتجات الزراعية ذات الإنتاجية المحدودة ، بشرط تسويقها داخلياً تحت نظر و رقابة تموينية صارمة تعمل على تقليص الفارق بين سعر مبيع المنتج والسعر الذي يصل للمستهلك ، كما و يجب إعداد دراسة ميدانية حقيقية لكافة المحاصيل المنتجة وطنياً من حيث الكميات المنتجة وحاجة السوق للتصريف وبذلك نخلق حالة من التوازن . ونوه الى أن تحسن الأسعار ـ ليس بالشكل الجنوني المنفلت ـ ينعكس إيجاباً على الإنتاج الزراعي وسوف يدخل مساحات جديدة من الأراضي في الزراعة وسيغير نظرة الفلاح للعملية الزراعية ما يكفل عودة من هجروا أراضيهم لممارسة أعمال أخرى بسبب خسائرهم المتلاحقة ، كما لعب دوراً كبيراً في تدني إنتاج الخضروات وتدني أسعارها الشديد لفترات زمنية لا بأس بها ما انعكس سلباً على المساحات المزروعة وتحول معظم المزارعين لزراعة الأشجار بعيداً عن زراعة الخضروات التي تحتاجها السوق المحلية. ‏

طبعاً يبدو أن العرض والطلب هما المحرك الأساسي في ارتفاع أسعار العديد من المنتجات الزراعية كما يرى المهندس أحمد فندة رئيس مصلحة الزراعة في جبلة حيث يقول: إن قلة العرض هذا العام يرجع لثلاثة أسباب في المنطقة الساحلية ، أولها الجفاف والناتج عن انحباس المطر لفترة طويلة غير معهودة في المنطقة سابقاً مما سبب إقلاع الكثير من المزارعين عن زراعة بعض الخضار الشتوية خصوصاً في المناطق غير المروية في الأراضي الجبلية والتي تعتمد على مياه الأمطار علماً أن الأمطار توقفت بشكل مفاجئ من تاريخ15/12/2006 ولغاية 7/1/2007 حيث هطلت مطرة وحيدة (22مم) لتعود الأمطار للانحباس من جديد حتى تاريخه مع أننا في ذروة موسم الشتاء ، والسبب الثاني الصقيع حيث رافق الجفاف انخفاض حاد في درجات الحرارة ولمدة طويلة إلى مادون درجة النمو لجميع الخضار الشتوية والمحمية وبالتالي سبب تدنياً كبيراً في النمو وبالنتيجة بالإنتاج ، فهنالك مساحات كبيرة مزروعة لكن توقف نموها أي لا يوجد إنتاج ، ويضاف إلى ما سبق الإقبال الكبير للاخوة التجار العراقيين على أسواق الهال أمام عرض قليل أصلاً . ‏

إن ثمار هذا الغلاء للمنتجات الزراعية يقطفها السماسرة والتجار كما يقول رئيس اتحاد الفلاحين في اللاذقية السيد علي مرتكوش ، فالفلاح أو المزارع لا يحصل سوى على جزء أقل من نصف الأسعار الرائجة في السوق ويحصل المستفيدون الذين يلعبون على اقتناص الفرص على الجزء الأكبر من الكعكة فعلى سبيل المثال كيلو المقشرات من الحمضيات يباع بين 8 ـ 20 ليرة بمعدل وسطي في سوق الهال ، بينما تجاوز سعر الكيلو للمستهلك في دمشق الـ50 ليرة . نحن مع ربح التاجر لكن ليس بهذا الشكل الاستغلالي للمستهلك ، وإذا كانت الحكومة جادة بمعالجة الموضوع فعليها أن لا تقوم بإجراءات متسرعة وتأخذ بحسبانها الظروف الجوية والكوارث الطبيعية التي يتعرض لها المزارع ، وأن لا نبني قرارات قد نندم عليها لفترات طويلة يوم لا ينفع الندم ، فإيقاف التصدير ليس حلاً بل على العكس يجب تشجيع التصدير لتحسن وضع المزارع كي يصبح قادراً على الإنتاج في السنوات القادمة ، ومن الضروري ردم الهوة بين ما يبيعه المزارع وما يشتريه المستهلك وهذا يحتاج إلى رقابة ومتابعة من الجهات المعنية ، وتساءل مرتكوش: لماذا أثناء انخفاض أي مادة من المنتجات الزراعية مادون سعر التكلفة والتي تشكل خسارة كبيرة للفلاح لا أحد يتحرك أو يفكر برفع سعرها أو التعويض عن خسارته؟ فاليافاوي على سبيل المثال الآن بـ 7 ليرات أقل من سعر التكلفة بكثير ، والغريب في الأمر أنه في ظل هذا الإنتاج الوفير من الحمضيات والذي يقارب 900 ألف طن نفاجأ بفتح الباب لاستيراد بعض أنواع الحمضيات هذا سيؤدي إلى كساد السوق و خسارة وكسر المزارع وبالتالي خروج الكثير من المزارعين من معادلة الإنتاج إلى أعمال أخرى بسبب الأسعار المتدنية التي لاحقتهم طيلة السنوات الماضية . فتحسن أوضاع المزارع وتحقيق أرباح عادلة كفيلة بعودتهم للإنتاج وبقوة ما يحقق التوازن بين العرض والطلب وانخفاض الأسعار تلقائيا، وأكبر دعم تقدمه الحكومة هو المساهمة في تأمين وتخفيض تكاليف الإنتاج التي تقصم ظهر المزارع والتي تذهب بمعظم دخله . ‏

و يقول السيد حسام تجور مدير التجارة الداخلية في اللاذقية : نقوم بسبر السوق بشكل يومي من حيث الأسعار وترسل إلى السيد الوزير ولقد قمنا بتنظيم الكثير من الضبوط بسبب الغلاء في أسواق المفرق وأسواق الهال وأغلقت العديد من المحال ، ويرى أن لا بد من استيراد بعض المواد لتحقيق التوازن ولقد وجه السيد رئيس الوزراء للمؤسسات الاستهلاكية والخزن والتبريد للسماح باستيراد بعض المواد التي ارتفع سعرها بشكل لافت ، وحول الحل لردم الفجوة بين سعر المبيع في سوق الهال والمبيع للمستهلك يرى أنه يجب التقيد والالتزام البيع بالفاتورة بين المزارع والتاجر ما يحقق ضبط للأسعار . وحاولنا الحصول على بعض الأرقام التصديرية للخضراوات من غرفة التجارة وغرفة الزراعة ومديرية التجارة الخارجية في اللاذقية ، ولكن عبثاً وكانت كل جهة تتقاذفنا إلى الجهة الأخرى قائلة: إن ليس لديها هكذا أرقام وليس ضمن اختصاصها . ‏

ويقول المهندس أحمد سليمان رئيس وحدة الشراشير الإرشادية في جبلة : إن الإنتاج الزراعي في سوريا ثروة وطنية يجب الحفاظ عليها واستثمارها بشكل اقتصادي مدروس حيث تكون أحد مصادر الدخل القومي الأساسية ، نحن كإرشاد زراعي نطبق وفي مواقع كثيرة برامج الزراعة النظيفة سواء برامج الإدارة المتكاملة أو برامج الزراعة العضوية ولدينا إنتاج بالنحل الطنان ، وهذه الأنواع تفتش عنها جميع مجتمعات العالم وهي متاحة لدينا في سوريا نتيجة الظروف البيئية والمناخية المتعددة الفصول غير الموجودة عند الآخرين ، إن تدني أسعار الخضراوات العام الماضي ومنها البندورة على سبيل المثال أدى إلى انخفاض مردود وحدة المساحة ما أدى إلى انحسار هذه الزراعة إلى حد ما في محافظة اللاذقية حيث وصلت كلفة الكيلو غرام من البندورة المحمية إلى ما يعادل 12 ليرة بينما كانت تباع ب7 ـ 10 وهذا أدى إلى خسارة وإفلاس الكثير من المزارعين الذين توقفوا وخرجوا من معادلة الإنتاج واتجهوا لمجالات أخرى ، فإذا لم نستطع زيادة دخل المزارع بطريقة أو بأخرى سنصل إلى مرحلة يقل فيها إنتاج الخضراوات بشكل عام وبالتالي نفتقد لفرص عمل للكثير من أبناء محافظتي اللاذقية و طرطوس ،في هذا العام حتى الآن كانت درجات الحرارة منخفضة جداً ما أدى لاستهلاك كميات كبيرة من الطاقة للتدفئة لمدة طويلة دامت أكثر من شهر بسبب الصقيع ما أدى إلى انخفاض بمعدلات الإنتاج بشكل كبير حيث أن معدل إنتاج البيت الواحد في هذه الظروف لا يتعدى الطن بينما بالأيام العادية يبلغ حوالى 6 أطنان . ولابد من الإشارة الى أن إنتاج المنطقة وحسب التحاليل خال من الأثر المتبقي والسموم والأسمدة خلافاً للبندورة التي تأتينا من أحد الدول المجاورة حيث يتم رشها بجميع أنواع السموم وتروى بمياه الصرف ، وتضاف لها جميع أنواع الأسمدة . ‏

و للوقوف على أوضاع الإنتاج الزراعي وظروفه كان لنا لقاءات مع المزارعين ،حيث يصف المزارع محمود القليع زراعة البندورة المحمية بالعمل الشاق والمضني ، منذ أكثر من شهر لم نذق طعم النوم لمتابعة تشغيل التدفئة في البيوت البلاستيكية بسبب الصقيع وأي غفلة أو تأخير يؤدي إلى كارثة وخسارة كل الموسم ،وبحساب تكاليف الإنتاج خلال بداية الموسم في الربيع والخريف تصل تكلفة الكيلو غرام للبندورة حوالي 12 ـ 15 ليرة بينما كانت تباع ب7 ـ 8 ليرات ، أما في هذه الظروف الشتوية القاسية فتقفز تكلفة الكيلو إلى أكثر من 25 ليرة ويجب أن أبيعها بـ30 ـ 35 كي أتجاوز التكلفة ، بينما الأسعار المرتفعة لهذه المادة هي من صنع التجار والذين يتحكمون بمنتجاتنا كما يريدون ولا ننسى المعاناة من الأسعار المرتفعة والكاوية لأدوات ومستلزمات الإنتاج وصعوبة تأمين المازوت في ذروة أزمة الصقيع ، ونفس الأمر بالنسبة للمزروعات الأخرى حيث أن الخسائر المتكررة وبسبب تدني الأسعار في الأعوام الماضية وارتفاع التكاليف اضافة للعوامل الجوية جعلت الكثيرين لا يقدمون على هذه الزراعات ما أدى إلى قلة الإنتاج والعرض . ‏

المزارع محمد إسماعيل : إن المعاناة في الزراعة المحمية تزداد وتتفاقم أثناء الشتاء حيث تزداد الأمراض كالعفن الرمادي واللفحة والعناكب والذبابة البيضاء والنميتوتدا وتعفن الجذور ،ما يجعلنا بحاجة لمزيد من الأدوية و هذا يعني ارتفاع فاتورة التكاليف ، فإذا كانت الحكومة تريد تخفيض أسعار المنتجات الزراعية لماذا لا تقوم بضبط أسعار مستلزمات الإنتاج فغرام البذور لبعض أصناف البندورة يتجاوز سعر غرام الذهب ، كما نضطر لتأمين الأسمدة من السوق السودة وبأسعار مرتفعة لأننا لا نقدر أن نحصل على ما نريده من المصارف الزراعية بينما يحصل عليها وبسهولة سماسرة السماد . وما زاد الطين بله أن المصارف الزراعية أوقفت إعطاء القروض للزراعات المحمية بحجة أنها مشاريع خاسرة ، و سمعنا عن إجراءات لإيقاف التصدير لبعض المنتجات لتخفيض أسعارها ، لكن بالمقابل لا أحد يفكر بحماية المنتجات الزراعية والتعويض عن المزارع أثناء انخفاض الأسعار أقل من سعر التكلفة بكثير حيث كنا نبيع منتجاتنا بأبخس الأثمان في حين نراها في المحلات بأضعاف مضاعفة ففي هكذا ظروف كيف سنستمر وكيف سننتج ؟!!! ، في العام الماضي مئات الأطنان من الملفوف والخس والبصل وغيرها .أتلفت بأرضها لأسعارها المتدنية، لم يسألنا أحد عن خسائرنا ما جعل الكثيرين يبتعدون عن المغامرة لزراعة غير مضمونة وهذه هي النتيجة قلة في العرض و ارتفاع حاد بالأسعار، عندما يكون هنالك المردود في القطاع الزراعي إيجابيا ينعكس إيجابياً على جميع فعاليات المجتمع الاقتصادية. ‏

المزارع عيسى عمران : بسبب الظروف الجوية هذا العام أنخفض عندي إنتاج البيت الواحد من 1500كغ إلى 200 كغ إضافة لتكاليف التدفئة ، وإذا ما حسبنا التكاليف الأخرى ورغم تحسن الأسعار فإن المعادلة خاسرة للمزارع لأن كمية الإنتاج المتدنية لا تعوض التكاليف أبداً وإذا لم تبق الأسعار بهذا الشكل الأيام القادمة فستكون خسائرنا كبيرة جداً مع العلم أن أغلب عملنا بالدين ، وما سيزيد الطين بلة ـ بل ستكون الضربة القاضية ـ إذا ما فكرت الجهات المعنية بإدخال البندورة الأردنية والمصرية إلى أسواقنا. ‏


 عاطف عفيف

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...