الوضع الإسرائيلي على الجبهة السورية
إسرائيل تتهيّب المواجهة... وتخشى فقدان الحزام الأمني
عكس جواب معلق الشؤون العربية في القناة الثانية العبرية أيهود يعري، على أحد الأسئلة بأنه سيجيب بحذر كي لا يستخلص الجانب السوري العبر من جوابه، وجود رقابة عسكرية صارمة على مقاربتهم للتطورات الميدانية التي تشهدها المنطقة المتاخمة للجولان المحتل، خاصة أنه أردف على ذلك بالقول: «إن القوات السورية بلغت مرحلة حاسمة، إما التقدم جنوباً باتجاه الحدود الأردنية، أو باتجاه حدودنا من أجل طرد المتمردين من كل منطقة القنيطرة»، ليتساءل بعدها يعري عمّا يمكن أن تفعله إسرائيل في هذه الحالة (اتجاه القوات السورية نحو الحدود) وخاصة أنها تمر في فترة انتخابات.
ويعود منبع الاهتمام الإسرائيلي، بحسب يعري، إلى أن السؤال هو «هل الحكومة الإسرائيلية مستعدة للتسليم بانتشار حزب الله على طول الحدود مع الجولان، وبغطاء من مدفعية الجيش السوري؟ وفي حال حصل ذلك، ما العمل؟». وأعقب ذلك بالقول «هذه علامة استفهام مطروحة أمامنا ولا يمكن التهرب منها».
وقارن يعري بين المعركة في منطقة القنيطرة وريف درعا بالمعركة التي أدارها حزب الله في القصير، معتبراً أن ثمة تشابهاً كبيراً بينهما. لكنه أضاف أن آخر ما تريده إسرائيل هو أن ينجح حزب الله في طرد المتمردين ويقيم «خط جبهة أخرى لإسرائيل مع حزب الله»، مبرراً ذلك بقوله «لأنهم من الآن يتحدثون عمّا سمّوه مقاومة شعبية، وتشكيل جبهة جديدة في هذه المنطقة».
وكانت صحيفة «هآرتس» قد ذكرت أنّ الهجمات المشتركة للجيش السوري وحزب الله والحرس الثوري الإيراني قد أضيف إليها نجاح جديد، «يتمثّل في استرجاع قوّات النظام السيطرة على عدّة قرى من أيدي المتمردين» بحسب الصحيفة التي أضافت على لسان عاموس هارئيل أنّ «هذه العملية تظهر محاولة الرئيس بشار الأسد إبعاد المتمردين من مناطق سيطروا عليها منتصف 2014، خوفاً من أن يشكل تقدم منظمات المعارضة خدمة لإسرائيل». وكان وزير الدفاع الإسرائلي موشيه يعلون قد صرّح في تشرين الأول الماضي، في مقابلة مع «هآرتس»، بأنّه «توجد لإسرائيل تفاهمات مع المعتدلين في منظمات المعارضة السورية»، التي، بحسبه، تحافظ على الهدوء في منطقة الحدود، وتبعد عنها المنظمات المتطرفة مثل «جبهة النصرة» المتماهية مع «القاعدة»، مشيراً إلى أنّ هذه التفاهمات تأتي مقابل المساعدات الإنسانية الإسرائيلية «التي تشمل العلاج في المستشفيات، والتزوّد بالبطانيات في الشتاء، والغذاء للأطفال في القرى القريبة من الحدود»، بحسب يعلون.
ويسود الانطباع لدى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بأنّ القوات السورية تواجه صعوبات في هذه المرحلة، مدّعية أنّ السبب في ذلك هو «مشاكل تتعلق بالروح القتالية وقدرات الجيش السوري الذي يحارب المتمردين منذ أربع سنوات، ويتحمّل خسائر كبيرة ويعاني من النقص في الوسائل القتالية والجنود. كذلك فإن حزب الله الذي اكتسب خبرات عملية كبيرة خلال سنوات الحرب في سوريا، فقد المئات من مقاتليه في المعارك، الأمرالذي يؤثر في أداء قواته على الأرض».
وفي هذا السياق، كتب رون بن يشاي، في صحيفة «يديعوت أحرنوت»، مقالاً تحت عنوان «الأسد وحزب الله يستغلان ضعف المعارضة السورية» أورد فيه أنّ «الهجوم الذي يشنّه الأسد بمساعدة حزب الله والإيرانيين، جنوبي دمشق، يهدف إلى تخفيف ضغط المتمردين عليه في العاصمة. فمنذ سنوات يحاول الأسد اجتثاث بؤر المتمردين من الأحياء الشرقية والجنوبية لدمشق، ومنع تواصلهم مع المتمردين الإسلاميين، وعلى رأسهم جبهة النصرة، الذين اتخذوا لأنفسهم معقلاً في مدينة درعا وهضبة الجولان»، وتابع بن يشاي «لقد حاول الجيش السوري السيطرة على طريق درعا ـ دمشق ثلاث مرات من قبل وفشل في ذلك، وبقيت درعا تحت سيطرة النصرة والمجموعات الإسلامية الأخرى التي سيطرت على معظم الجولان السوري. كذلك سيطر المتمردون الصيف الماضي على معبر القنيطرة»، مؤكداً أنّ هذا الوضع يشكّل خطراً فعلياً على النظام السوري، شارحاً آلية عمل الجيش السوري في هذا الوقت بأنه «يستغل الضعف النسبي للمتمردين في أرجاء سوريا من أجل إبعاد المجموعات الإسلامية عن دمشق وحشرهم جنوباً وشرقاً، وبشكل أساسي من أجل قطع خط إمدادهم عن دمشق الذي يمر بدرعا انطلاقاً من الأردن». ويشرح، بن يشاي، حال المجموعات المسلحة في سوريا بالقول: «المتمردون في سوريا اليوم موجودون في حالة ضعف، كذلك فإن داعش في حالة دفاعية جراء الهجمات الجوية التي يشنّها التحالف الدولي، وكذلك جراء النجاحات التي يحققها الأكراد والعراقيون على الأرض. في هذه الحالة، بإمكان الأسد تركيز الجهود في منطقة جنوبي دمشق، بل وتحويل مقاتلي حزب الله والمستشارين الإيرانيين من الجبهات المهمة الأخرى، مثل حلب، ونقلهم إلى الجهد الهجومي في الجنوب»، مؤكداً أنّ الزاوية الإسرائيلية في هذه القصة تتصل بالرواية التي يرويها السوريون وحزب الله والإيرانيون، والتي تقول إن إسرائيل تؤسّس لحزام أمني على الجزء السوري من هضبة الجولان، لينبّه بعد ذلك إلى أنّ «هذا الأمر يخدم الدعاية السورية، والتفكير الاستراتيجي المشترك لإيران وسوريا، لأن حزب الله معني حالياً بفتح جبهة ضد إسرائيل في جبهة الجولان»، مشيراً إلى أنّه في حال تمّ ذلك، فالمرحلة الاستراتيجية التالية ستكون «إرساء بنية تحتية لجبهة إضافية ضد إسرائيل».
وفي السياق ذاته، ذكرت صحيفة «معاريف» أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تواكب ما يحصل وراء الحدود وتستعد لأي تطور. وقال مصدر أمني رفيع للصحيفة «في الأيام القريبة نتوقع حصول انزلاقات مهمة للنيران باتجاه الجولان الإسرائيلي»، موضحاً أنّ إسرائيل «لن ترد، ولن تتدخل في القتال، على أمل أن ينجح الأسد في استعادة السيطرة على الجزء السوري من الجولان، وفي حال تشخيص رمايات نارية مقصودة باتجاه إسرائيل فسوف يكون هناك رد».
وكان المتخصص في الشؤون العربية في الإذاعة الإسرائيلية، يوني بن مناحيم، قد قال إن «حزب الله وسوريا يحاولان استعادة السيطرة على كل مناطق الجولان التي احتلها المتمردون من أجل إقامة جبهة إضافية ضد إسرائيل. وراء هذه الخطوة تقف إيران التي تحاول ترميم محورها مع بشار الأسد وحزب الله»، مشيراً إلى أنّ سوريا وحزب الله يحاولان منع إقامة حزام أمني على امتداد الحدود مع إسرائيل، في هضبة الجولان، «يكون تحت سيطرة المتمردين ويحول دون تنفيذ عمليات ضد إسرائيل» بحسب مناحيم، الذي وجد أنّ العمليّة التي تقوم بها القوات السورية «عملية واسعة ومخططة جيداً تمّ الشروع فيها بعد استهداف القافلة في منطقة القنيطرة، وتهدف إلى استعادة السيطرة على هضبة الجولان من قبل «محور الشر» من أجل أن يحددوا هم قواعد اللعبة الجديدة في مقابل إسرائيل، وفي الوقت نفسه إرسال تحذير إلى الأردن أنه هو أيضاً يواجه جبهة جديدة وقوية».
ليس أمام إسرائيل سوى الانكفاء*
أياً كان التفاعل العلني الرسمي الاسرائيلي مع التطورات الميدانية التي يشهدها جنوبي سوريا، يبقى المسلّم به أن ما يجري يحتل أولوية متقدمة في سلم اهتمامات وحسابات المؤسستين العسكرية والسياسية الاسرائيليتين. هذا الاهتمام ينبع من خصوصية ساحة المعركة في الجنوب السوري المحاذية للجولان المحتل.
لإسرائيل أيضاً تقديراتها حول المسار الذي تسلكه التطورات في سوريا، والتي تتمحور في مجملها حول استمرار «التعادل الاستراتيجي» كما ورد في التقدير الاستخباري السنوي. في مثل هذا السيناريو، فإن استمرار سيطرة جماعات مسلحة أولويتها مواجهة محور المقاومة، أمر يصبّ في قلب المصلحة الاسرائيلية، بل هو مطلب إسرائيلي لتوفير قدر من الأمن على الخط الفاصل وإيجاد منطقة عازلة تفصله عن محور المقاومة. ولم يعد الامر يحتاج الى جهد تحليلي لإثباته بعد عدوان القنيطرة.
ورغم أن تشخيص المصلحة هو المنطلق، من ضمن أمور أخرى، لاستقراء الموقف المفترض لصانع القرار السياسي في تل أبيب، لكن ذلك غير كاف في ظل وجود عوامل مؤثرة في بلورة القرار، أولها ما يتصل بمعادلات القوى في المنطقة، إذ إن ما يجري في سوريا لا يقتصر فقط على أبعاد داخلية، بل إن الادوار التي تؤديها الاطراف الاقليمية والدولية هي العامل الاهم المتحكم في مساره وآفاقه.
السؤال الذي يفرض نفسه، في ضوء التطورات الميدانية الحالية، هو عن ردّ الفعل الاسرائيلي العملاني في مواجهة تقدم الجيش السوري، وهو أمر محصور بين خيارين: إما توجيه رسائل سياسية أو عملانية ردعية، وإما القفز مباشرة الى التدخل العسكري الواسع كجزء من مجريات المعركة؟
يمكن القول إن إسرائيل وجهت رسالتها الردعية، عبر عملية اغتيال ضابط إيراني وكوادر من المقاومة في القنيطرة في الثامن عشر من الشهر الماضي. لكن الاسرائيلي تلقى نوعين من الرد الرادع: الأول، تدفيع إسرائيل ثمناً مؤلماً ثبت أنه كان يمكن أن يكون أكثر إيلاماً (بحسب تحقيق رسمي صادر عن جيش العدو) والثاني، والأهم، إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله تغيير المعادلة السابقة من خلال الرد المفتوح على الساحات والاساليب والتوقيت. هكذا، يكون محور المقاومة قد رمى الكرة في الملعب الاسرائيلي، عبر إعلامه مسبقاً بالأثمان التي سيدفعها في حال تجاوز الخطوط المرسومة.
اما في ما يتعلق برفض التكيف مع المعادلة الجديدة، والانتقال الى تدخل عسكري مباشر في مجريات القتال في الساحة السورية ضد الجيش السوري، فقد بات من الواضح أنه سيؤدي الى استدراج تدخلات إقليمية مقابلة، وبمعدلات أشدّ وأخطر، بما يؤدي الى سيناريو متدحرج على مستوى المنطقة.
عملياً، التقدير الواقعي يقول إنه ليس أمام العدو سوى الابتعاد عن التدخل العسكري المباشر والاكتفاء بالدور الذي يؤديه على المستويات اللوجستية والاستخبارية، والرهان على الادوات والسيناريوات الاخرى التي تتمحور حول استمرار القتال. على سقف مطالبها صار الرهان يتغير من الامل بتغيير شامل في سوريا الى منع محور المقاومة من تحقيق انتصار استراتيجي يشمل كامل الساحة السورية.
*علي حيدر
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد