بالعصا والجزرة السعودية تحاول جمع المعارضة السورية
بعد فشل العديد من المساعي الإقليمية والدولية لتوحيد المعارضة السورية، أهمهُّا المسعى القَطَريّ الذي انتهى إلى فشل ذريع وأدّى إلى ازدياد تشتت المعارضة وتشرذمها، يستعد «المطبخ السعودي» لتجريب قدراته وإمكاناته في ابتداع وصفةٍ سحرية يلمّ من خلالها عناصر المعارضة المشتتة ومكوّناتها المتنافرة، ويضعها في قدر ديبلوماسيته ليستخرج منها الكيان الذي طالما عجز عنه الآخرون.
ومن المتوقع أن تضع السعودية كل ثقلها بهدف إنجاح المؤتمر، لأن الفشل سيكون بمثابة الصفعة لجهودها ورهاناتها، وهو ما بدأ العديد من قادة الفصائل يشعرون بثقله على كواهلهم، لأن الخيارات أمامهم باتت محدودة للغاية في ظل حساسية الموقف، إقليمياً ودولياً.
وتملك الرياض العديد من الأوراق التي ستساعدها في الضغط على الفصائل المسلحة المدعوة إلى المؤتمر، للحصول منها على تنازلات تضمن عدم الفشل على الأقل. وأهم هذه الأوراق هو التمويل والتلويح بإيقافه، أو النظر بإعادة توزيعه على الفصائل بحسب تجاوبها في المؤتمر بما يتناسب مع متطلبات المرحلة وفق المنظور السعودي.
وتشكل «قائمة الإرهاب» التي يعكف الأردن على إعدادها ورقة مهمة يمكن للرياض أن تلوح بها في وجه أي فصيل يقرر الخروج عن السرب. كما أن المظلة الدولية التي وفّرتها اجتماعات فيينا، وتلاقت من خلالها إرادة اللاعبين الإقليميين والدوليين على ضرورة وضع الأزمة السورية على سكّة الحل، سترخي بظلالها على المجتمعين، وتضطرهم إلى مسايرة هذه المظلة، لأن الجميع يدرك فداحة ثمن عدم الانصياع في هذه المرحلة.
ومع ذلك ستكون الرياض أمام امتحان عسير للغاية، وذلك لسببين: الأول، الصعوبات التي ستلاقيها في محاولة التقريب بين هيئات ومجالس المعارضة والفصائل المسلحة، وتوحيد رؤاها السياسية في ظل التباين الكبير بين توجهات هذه الهيئات والفصائل، وسعي كل منها إلى تظهير نفسه باعتباره صاحب الرؤية الصحيحة. الثاني، إدراك الرياض لأمرين رئيسيين هما اختلاف أجندة الدول الداعمة للفصائل في ما بينها، واختلافها بنفس الوقت مع أجندة المملكة، وهنا ستجد نفسها مضطرة إلى تقديم تنازلات معينة لضمان عدم تضارب الأجندات في هذه اللحظة السياسية، وكذلك حساسية المملكة تجاه توجهات بعض الفصائل وارتباطاتها الإقليمية والدولية، والتي تتنافر مع توجهات السعودية وغاياتها.
وبالتأكيد لن يكون من دواعي سرور المسؤولين في الرياض أن يروا أن غالبية الحضور يمتون بصلة ما إلى خط «الإخوان المسلمين»، وهو الخط الذي لا تتقارب معه الرياض، إلا إذا اضطرتها قوة قاهرة لذلك. كما أن بعض الفصائل، في حال حضورها، ستعزز من نفوذ بعض الأطراف الإقليمية على حساب نفوذها الذي يبدو من خلال التسريبات أنه يعتمد على أداتين أساسيتين هما «جيش الإسلام» و «الجبهة الجنوبية»، أما «أحرار الشام» فإنها تمثل ذراع المحور القطري – التركي الذي سيحظى أيضاً بمشاركة واسعة لأطياف متدرجة محسوبة على الخط «الإخواني»، وهي بحسب بعض التسريبات «الجبهة الشامية» و «جيش المجاهدين» و «فيلق الشام» و «ألوية سيف الشام».
وبالرغم من أن مشاركة «أحرار الشام» في المؤتمر باتت شبه محسومة، خاصة بعد دعوة مسؤول العلاقات الخارجية في الحركة لبيب النحاس إلى الانضواء تحت تحالف إقليمي يضم السعودية وتركيا وقطر لمواجهة تحديات المرحلة بعد التدخل الروسي في سوريا، وذلك في مقال نشره قبل أسبوعين في صحيفة سعودية. إلا أنها ستظل الأكثر إثارة للجدل والاهتمام. وسبب ذلك هو التداعيات الكبيرة التي يمكن أن تنتج عن مشاركتها في المؤتمر، والتي يمكن أن تتفاقم في حال انخراطها فعلياً في مسار الحل السلمي، الذي من المفترض أن يأتي تحت اللافتة العريضة التي رفعها اجتماع فيينا وعنوانها «علمانية» الدولة السورية.
وستتجه الأنظار إلى موقف «جبهة النصرة» من انخراط «الأحرار» في هذا المسار، والذي تدل المؤشرات الأولى إلى أنه سيشكل منعطفاً حاسماً في علاقة التنظيمين مع بعضهما، وقد يؤدي إلى تغييرات جذرية في طبيعة التحالفات العسكرية على الأرض، والتي قد يكون في مقدمة ضحاياها «جيش الفتح في إدلب».
ومن غير الواضح، حتى الآن كيف ينوي قادة «أحرار الشام» معالجة التناقضات والخلافات بين توجهات حركتهم من جهة وبين توجهات الفصائل الأخرى و «الائتلاف» السوري المعارض بشكل خاص من جهة ثانية. لأن كيفية هذه المعالجة لن تؤثر فقط على علاقة الحركة مع بعض التنظيمات الأخرى فحسب، بل سيكون لها ارتدادات داخل الحركة نفسها، التي تتقاسمها عدة تيارات متباينة هي «التيار الإصلاحي»، الخاضع لوصاية قطرية - تركية شبه كاملة، و «التيار القاعدي» الذي يرفض أي حل إلا على قاعدة تطبيق الشريعة الإسلامية بحذافيرها، و «التيار الثالث» الذي يبدو أنه أقرب إلى خط «الإخوان المسلمين» ومستعد لتقديم تنازلات كبيرة لإرضاء الإرادة الإقليمية والدولية.
وتعتبر علاقة «أحرار الشام» مع «الائتلاف» دليلاً على صعوبة الخيارات أمامها، ودقة القرارات المطلوب منها اتخاذها لعدم إفشال المؤتمر، ولعدم تعريض نفسها لدفع ثمن هذا الإفشال. فقد كانت الحركة من أولى الفصائل التي رفضت تشكيل «الائتلاف السوري» وسعت إلى محاربته. وما له دلالته في هذا السياق، أنه بعد ساعات فقط من إعلان تشكيل «الائتلاف» في تشرين الثاني من العام 2012 انبرت على الفور مجموعة من الفصائل، على رأسها «جبهة النصرة» و «أحرار الشام»، إلى إصدار ما سمّي «بيان كتائب حلب»، وهو بيان مصور أعلنت فيه رفض تشكيل «الائتلاف» واستنكرت اعتباره ممثلاً «للثورة السورية»، متهمة إياه بأنه «مشروع خارجي مفروض على الداخل». وفي خطوة تحدّ آنذاك قررت الفصائل الموقعة على البيان إعلان أن هدفها هو «تأسيس الدولة الإسلامية».
وطوال الأعوام السابقة من عمر الأزمة السورية، اتسمت العلاقة بين الطرفين بالتناقض والتنافر وتبادل الاتهامات. ولكن حدث مؤخراً تقارب مفاجئ بينهما، تمثل بتوقيع «أحرار الشام» على بيان مشترك مع «الائتلاف» وفصائل أخرى حول الموقف من العملية السياسية. وعلى الرغم من أن توقيع هذا البيان المشترك يشكل مؤشراً على حصول تغير في نظرة «الأحرار» إلى «الائتلاف»، إلا أن ذلك لا يعني أن التناقضات والتباينات قد انتهت جميعاً.
فهل سينجح مؤتمر السعودية في حل هذه العينة من عينات الخلاف بين اثنين من المشتركين فيه، علماً أن العلاقة بين الأطراف المشاركة الأخرى، سواء كانت سياسية أم عسكرية، لا تقل تعقيداً عن العلاقة بين «الأحرار» و «الائتلاف»؟ وهل سيقبل «الائتلاف» بما سيترتب على ذلك من انحسار دوره التمثيلي لصالح حركة تملك أوراق قوة على الأرض؟ وهل سيكون بمقدور «أحرار الشام» أن تتحمل ما يمكن أن يجره عليها ذلك من عداء حلفاء الأمس لها وتغير خريطة التحالفات العسكرية والميدانية بما سيؤثر حتماً على قوتها ونفوذها على الأرض؟.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد