بسام كوسا منقلباً على أدوار الشر يعاود تموضعه الفني
إعادة تموضع، أو العودة إلى قواعده سالماً، هي التعبير الأقرب لملامسة للحضور التمثيلي العالي للفنان بسام كوسا في الموسم الرمضاني الحالي. فالفنان ـ النجم الذي أخذنا عليه مبالغته خلال الأعوام السابقة الأخيرة في تقديم أدوار الشر في أعماله «جمال الروح»، «الحوت»، «بيت جدي»، «كوم الحجر»، «أحقاد خفية»، «المخرز» في «ليالي الصالحية» وشخصية «الأحد عشري» في «باب الحارة» وغيرها، يعود اليوم ليحدث انقلاباً على أدوار الشر هذه، لصالح التنوع الذي اعتدناه في خياراته التمثيلية، وابتكار أدوات تعبير جديدة ومختلفة في تجسيد أدواره.
ثلاثة مسلسلات يشارك فيها النجم كوسا هذا العام هي مسلسل «سحابة صيف» مع شخصية الفلسطيني «أبو حبيب»، وشخصية «يوسف» بائع الكتب في مسلسل «زمن العار»، وفي الجزء الثاني من مسلسل «بيت جدي» يقدم شخصية ضابط التحري «صبري»، وفي هذا الأخير يواصل الفنان كوسا تقديم الشخصية الشريرة التي تعرفنا اليها في الجزء الأول من المسلسل، لكنه يعود ليبهرنا في مسلسلي «سحابة صيف» و»زمن العار» بدورين مختلفين.
ما بين الفلسطيني «أبو حبيب» في «سحابة صيف»، و»يوسف» بائع الكتب في «زمن العار» تضيق المسافة بين التمثيل والحقيقة. يعيش الممثل بسام كوسا داخل شخصيته في كل من المسلسلين، يطوعهما لحسّه الخاص، لتسقط مسافة الإيهام بين الشخصية المرسومة على الورق في مربع الشاشة الصغيرة، وشخصية تشبهها، تنبض بالروح بيننا، حتى يكاد المرء يجزم بأنه يعرف «أبا حبيب»، ويعيش مع «يوسف».
يبيع «يوسف» الكتب القديمة، لكنه يؤكد لصديقه أنه لا يطيق القراءة أو حتى التحدث عنها. ليس بعيداً ربما عن «يوسف»، يقف «أبو حبيب» على أطراف المخيم، يسلم بأنه ها هنا يعيش لاجئاً بعيداً عن حيفا، يتذكر البلاد البعيدة، لكنه لا يزال رغم كل ظروف اللجوء، مسكوناً بالعيش على أمجاد ذكرى عائلته الإقطاعية أيام حيفا قبل النكبة.
تمزج الشخصيتان («أبو حبيب» و»يوسف») بين القوة والشهامة والنبل، رغم ضيق اليد. إذ يستدين الأول مبلغاً من المال ليعيل أسرة عراقية دخلت هي الأخرى بازار اللجوء مع الاحتلال الأميركي للعراق، بينما يضحي الثاني بنصف ما يملك من أجل «بثينة» لتدفعه للدكتورة التي خلصتها من الحمل السري. كلاهما يعيش في ضائقة مالية لكنهما من النبالة ما يدفعهما لوضع أنفسهما في مأزق لإخراج غيرهما من مأزقه: يعايش «أبو حبيب» مرض السكري الذي يغلبه ويأتي على ساقه، ويعود «يوسف» ليصالح الحياة مع «بثينة» التي تتركه لاحقاً أسيرة حيرته حين ترفض الزواج منه.
كلاهما شخصية من ورق، يسكب بسام كوسا في جسديهما الحياة ليسقط عنهما افتراضية وجودهما. ربما كان لرسم الشخصيتين في النص المكتوب دور في ذلك، لكن المؤكد أن لأداء الفنان كوسا السلس والعفوي الدور الحاسم في ذلك التوهج في الأداء. فبسام كوسا يعرف كيف يطوع كل أدوات تعبيره كممثل في سبيل كسر ذلك الإيهام، بدءاً من التعبير عبر الوجه والعينين وصولاً إلى حركات الجسد ككل. وهو بعيداً عن المبالغة يستخدم تلونات صوته وتقمصه الحالة ليوصل رسالة صادقة ولافتة.
هكذا استطاع الرجل أن يتجاوز ملل الظهور المتكرر ونمطيته: المطب الذي يسقط فيه جميع الممثلين اليوم حين يؤدون أكثر من دور خلال الموسم الواحد. وبذلك يؤكد بسام كوسا على الأقل أنه صاحب مدرسة في التمثيل، ربما تخطئ خياراته أحياناً لكنها لا تلبث أن تستعيد بوصلتها.
ماهر منصور
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد