تجربة المسرح التونسي لم تأت من السماء بل جاءت بقرار سياسي هام
حضور مسرحيته «آخر ساعة» عن نص رفيقة دربه، الكاتبة والممثلة المسرحية ليلى طوبال، كان منقطع النظير في الدورة الأخيرة لمهرجان قرطاج، وها هو اليوم يتفق مع دار الأوبرا السورية على تقديم عرضين لهذه المسرحية، في 12 و13 من أيار القادم، ليمضي بعدها إلى بيروت حيث سيقدم «آخر ساعة» بالتعاون مع مسرح دوار الشمس.
في هذا الحوار يتحدث المخرج التونسي عن خصوصية تجربته التي بدأها عام 1985 بتأسيس تجمعه الفني في مسرح الحمراء بتونس، وعن أهمية الممثل كعنصر حاسم في اللعبة المسرحية بعيداً عن التكنولوجيا ومبالغاتها على الخشبة، حيث يبوح صاحب «نواصي» بضجره من الجيل المسرحي الجديد في تونس، وتهرب السلطة العربية من دعم المسرح، وأهمية التجربة التونسية عربياً وافريقياً.
أين تقف اليوم من مشروعك المسرحي لا سيما بعد تحقيقك لعرض «آخر ساعة»، .. حدثنا عن هذا العرض وخصوصيته في الكتابة والإخراج وبقية العناصر المسرحية الأخرى؟
بعد حوالى عشر سنوات من العمل على الجسد العربي والإفريقي للممثل المسرحي، والذي توج بمسرحية «رهائن» 2006، أتت مسرحية «آخر ساعة» لتكون بداية مرحلة جديدة من مراحل تأهيل الممثل العربي بصفة عامة، فـ»رهائن» كانت تعتمد على الجسد وحركيته وإيقاعه الخارجي، أما في «آخر ساعة» فالاعتماد كان على الإيقاع الداخلي للممثل والاقتصاد في الحركة على مستوى الأداء، الذي أقدمه هنا بحسب مرجعيات كلاسيكية، تنبع في الوقت نفسه من رتم الممثل الداخلي وحسب اتجاهات حداثية في فن التمثيل.
على مستوى النص الذي كتبته «ليلى طوبال» كان اختيارنا لموضوع الموت بعد نزع ثياب الجنائزية عن فكرة الموت ذاتها، فأنا أتكلم عن هذا الموت لأنني أتكلم عن الحياة، فحتى هذه الساعة البشر يعرفون أن الحياة نهايتها ستكون بالموت، إلى أن يأتي ما يغير هذه الفرضية في يوم من الأيام، يحاول العرض أن يفهم هذه العلاقة الجذرية بين الموت والحياة، يحاول أن يبعد ذلك التفكير المزمن عند الإنسان بالموت، لنخلص إلى أن الكائن الإنساني عليه أن يعيش حياته دون ذلك التفكير المرير بالنهاية التي تفسد عليه معيشه اليومي وهو ينتظر أجله، لذلك عملت على المستوى الدراماتورجي وفق ما يسمى بالكتابة المتقطعة. هذه التقنية التي استوحيناها من فكرة العرض، عبر أحداث بطلتها «نجمة» امرأة في العقد الخامس من عمرها يدق ملاك الموت بابها ساعةً قبل موعده، ليعلمها أنها ستقضي بعد ذلك، في هذه الأثناء تستذكر «نجمة» شريط حياتها على هيئة مشاهد خاطفة لن تكفي لاسترجاع عمر بأكمله، لذلك لجأنا أنا و»ليلى» لإنجاز عرض على الركح يخضع لكتابة متشظية، أو متقطعة كما قلت لك، فتتذكر هذه المرأة حياتها على شكل شظايا من العمر وليس العمر بأكمله، وهذا يختلف عن الشكل الذي أنجزته في عرض «رهائن» المعتمد على تكتل وانفجار باقة الممثلين على الخشبة، أما في «آخر ساعة» ستلاحظ أن شخصيات العرض لا تلمس بعضها طيلة ساعة ونصف (فترة العرض) إلا في وضعية واحدة عندما يستذكرون أيام الطفولة وهم يستمعون إلى قصص الحكواتي، لقد كان هذا شيئاً صعباً من جهة تنفيذه في المسرح العربي أو الإفريقي.
شيء آخر أريد أن ألفت إليه نظر النقاد والصحافة هو ابتعاد «آخر ساعة» عن الصراخ الذي اشتهر به المسرح التونسي، إضافة إلى اعتمادي على الإضاءة المتشظية التي تبعت نوعية الكتابة، فهذه الإضاءة أساسية في عمل الممثل لتوضيح حكاية الشخصية على الخشبة، وأتت على هيئة أشكال هندسية تنير الشخصيات من خلال شظايا الحكاية.
منهج أرتو
البعض يقول انك قاربت أسلوب «أنتونان أرتو» في عرضك «رهائن»، كيف خلصت إلى هذه الديناميكية؟
أظن أن هناك أمرين هامين بالنسبة لعمل المخرج مع الممثل المسرحي، الأول: احترام هذا الممثل الذي يستعين بك كمخرج ويحترمك كي يصبح طوع يديك، الأمر الثاني: شغلك الطويل معه على تكوين صيغة خاصة لشراكة فنية تتيح للطرفين مساحة أكثر حرية للإبداع، وهذا يتطلب الكثير من الوقت، ففي عرض «آخر ساعة» اشتغلت أربعة إلى خمسة أشهر مع الممثل لأنه العنصر الأهم في العملية المسرحية، فحتى يستقبل ما تقوله له يجب أن تتوفر الأريحية والشغف بينك وبينه سواء في زمن البروفة أو في زمن العرض.
أظن أن المسرح العربي المعاصر ينتمي لعدة مدارس، صحيح أنني في عرض «رهائن» قد اقتربت من مدرسة « آرتو»، هذا ممكن، لكنك ستجدني في «آخر ساعة» أراهن على الحالة الدرامية الداخلية للشخصية التي يتبناها الممثل ويدافع عنها، وهذا باعتقادي بعيد عن منهج «آرتو» الذي اقتربت منه في «رهائن» لكنني لم أُعط الممثلين حبوباً للهلوسة، فمستوى التماهي بين ممثلي «آخر ساعة» كان إلى أبعد الحدود، وهذا بدوره ولد تماهياً متدرجاً بين الشخصية والممثل من جهة، وبين الجمهور من جهة أخرى، لذلك اشتغلت على قطع هذا التماهي في كل لحظة من لحظات العرض، في القطع على مستوى حالات الممثل وخلخلة الثنائيات المطروحة، وذلك بخلق تناقضات للشخصية المسرحية حتى لا يتم التعاطف معها، فالمتفرج العربي اعتاد على البطل الإيجابي أو السلبي، اعتاد على الخير والشر المطلق في هذه الشخصية أو تلك، أما في ما أقدمه فسترى أن جميع الشخصيات هي شخصيات إيجابية ووحشية في الوقت ذاته، وهذا يجعل من المشاهد مدركاً لما تشعر به الشخصية من غير أن يتعاطف معها.
أتذكر هنا رد فعل الجمهور في تونس على «آخر ساعة»، حيث قال لي أحد الخارجين من صالة الحمراء «لقد جعلتنا نحب الموت»، فالجمهور خرج من عرض يحكي عن الموت وهو يحبه، وفي الوقت ذاته أحب الحياة، لأن المسرحية تصدت لمرجعيات الناس عن الموت وردود أفعالهم نحوه، تصوراتهم، وأفكارهم المسبقة عن نهاية حياتهم، فالعرض جعل الجمهور يفكر بالموت بعيداً عن التصور الشعبي النمطي.، بعيداً عن الخوف منه.
يتردد في تونس اليوم أن جيل «عز الدين قنون» وجماعة المسرح الجديد لم تتح الفرص الكافية لجيل الشباب؟.
خسارة أن يفكر الشباب المسرحي في تونس بهذه الطريقة، فمن جهة أقول ان هذا مشروع بالنسبة لجيل يريد أن يأخذ مكانه في الحياة وفي الفن، لكن هناك مسرحيين روادا مضت عليهم ثلاثون سنة وهم يشتغلون في المسرح، والذي وصلت إليه أنا أو غيري من المسرحيين التونسيين كفاضل الجعايبي وتوفيق جبالي لم يأت من فراغ، والطرق أمامنا لم تكن مفروشة بالورود عندما بدأنا في افتتاح مسارح للناس، فعلى المستوى المادي كانت الظروف في السبعينيات أصعب بكثير من الوقت الراهن، ومنذ ثلاثين سنة من كان يتجرأ على التفكير في افتتاح مسرح..
جيلنا من افتتح المسارح، فلا يمكن أن نوجد مسرح بلا مسارح، أما الجيل الجديد فما الذي قدمه للمسرح التونسي؟ أقول لك: لا شيء، فمع أنني قمت بتجربة المسرح في البيت، والمسرح خارج المسرح، إلا أنني كنت بحاجة كما كل أبناء جيلي إلى المكان الذي أستطيع فيه خلق مسرحي الخاص بي، لا بد من مكان أحتله كي يصير مسرحي، خذ مثلاً مسرح الحمراء، هذه الصالة القديمة التي يعود بناؤها إلى عام 1922 والتي قمت بترميمها وإعادتها إلى المشهد الثقافي التونسي، لقد جعلتها فضاءً مفتوحاً لكل من يريد أن يعمل من الشباب، لكن أين هؤلاء الشباب؟ ماذا يفعلون؟ أنا شخصياً قدمت الكرسي في صالة الحمراء مقابل دينار، وقلت للجميع تعالوا واشتغلوا، لقد طلبت أجراً رمزياً، ولا يغطي واحد على ألف من المبالغ الكبيرة التي أدفعها للدولة والكهرباء والعاملين في المسرح، لكن أحداً لم يأت للعمل، لماذا؟ لأن هؤلاء الشباب اعتادوا على التواكل، ففي حين قدمت مؤخراً على مسرح الحمراء سبعة وثلاثين عرضاً لـ»آخر ساعة» أيام الخميس والجمعة والسبت من كل أسبوع، تركت أيام الأسبوع الباقية للشباب كي يتدربوا ويقدموا ما لديهم، لكن كما قلت لك لم يطرق أحد من هؤلاء باب المسرح، فأين الشباب الذين يتكلمون عن الفرصة وهم غير قادرين على المبادرة؟ يتكلمون عن المنافسة، أجل تستطيع أن تثبت نفسك أمام الكبار وتعطي مناخاً من المنافسة بين جيلين، إلا أن هذا لا يعني أن جميع شباب المسرح في تونس على هذه الشاكلة من الخمول، فأنا أعرف أن هناك تجارب شبابية جادة تنضج وتتبلور يوماً بعد يوم، كما يحدث في تجربة مسرح «فو» لرجاء بن عمار.
أريد أن أسألك عن رأيك الشخصي في إدخال التكنولوجيا والصورة إلى المسرح؟
شكرا على هذا السؤال الذي أرّقني كثيراً في الفترة الأخيرة، فلا أذيع سراً إن قلت لك انني عندما بدأت بالشغل على نص «آخر ساعة» كنت أفكر بالاستعانة بهذه التكنولوجيا عبر استخدام الفيديو وتطويع الرقص والموسيقى الحية على الخشبة، وما إلى ذلك، لكنني عندما بدأت البروفة الأولى ألغيت كل شيء فكرت به، وابتعدت تماماً عن الموسيقى والكريوغرافيا والرقص مبقياً على ثلاثية الممثل.. الجسد.. والكلمة، حتى أنني لم ألجأ إلى بهرجة من الألوان في الإضاءة، فقد أبقيت على كشّافات عادية طيلة فترة العرض، ورغم أنني اعتمدت على أشكال هندسية للضوء لكنني لم ألجأ إلى البرتقالي والأزرق والأحمر وما إلى ذلك، بل أبقيت على ممثل مع ثياب عادية وكرسي هزاز، هذا كل شيء، ما أريد قوله للمرة الألف أن المسرح هو الممثل ولا شيء سواه. ومن يقل ان المسرح أصبح مستقبله للتكنولوجيا والفيديو فعليه أن يتذكر ما حل بالآلات المسرحية التي استخدمها «مايرخولد» في روسيا ثلاثينيات القرن الفائت، وكيف تُركت هذه الآلات جانباً، هذا أمر محسوم ولا يقبل النقاش، فالشغل في المسرح أولاً وأخيراً يعتمد على الممثل، إن أبلغ الأشياء أبسطها، وبلا أي تعقيدات، أي الاعتماد على زخم المشاعر المسرحية التي تصل إلى المتلقي وتحركه من الداخل، هذا أساس العملية المسرحية، وما لا يمكن أن تأخذه من الفيديو والتلفزيون، ففي المسرح العلاقة بين الممثل والجمهور علاقة حية وعفوية، ولذلك أقول دائماً: إذا كُتِب لفن المسرح الخلود فذلك لأنه يموت في اللحظة التي يولد فيها.
إن لحظة الولادة بالنسبة للمسرح هي لحظة الموت، لذا هو ملتصق بالحياة تماماً كما حدث في «آخر ساعة»، وكأن هذا العرض يريد أن يكون لحظة لقاء الولادة بالموت، فالأشياء الخالدة هي التي تولد وتموت وتندثر، وليس الخالد من يولد ليصير جماداً من الجمادات، الخالد هو من يندثر ويموت في لحظة ولادته، وهذا كنه الفلسفة التي أومن بها.
نرجسية
وسط إعادة التساؤلات سياسياً وثقافياً في تونس، والكلام عن تنازل يمكن أن يحدث بالنسبة للحريات الفردية التي كسبتها تونس أيام بورقيبة، كيف يواجه المسرح ذلك؟
إعادة التساؤلات الكبرى ليست في تونس فقط، فالعالم كله يراجع الآن مسائل عديدة، المرأة حتى اليوم تحتفل بيوم حقوقها، لكن ما أريد أن أقوله ان التونسيين لن يتراجعوا عن حقوقهم الفردية وعما أنجزوه منذ عهد بورقيبة، وهذا ليس على المستوى الشعبي فقط، وإنما على المستوى السياسي أيضاًًًً، وحتى لو لاحظت مظاهر متزمتة ومتعصبة لأصوات تتعالى اليوم في الشارع التونسي، فهي لن تستطيع إعادتنا إلى الوراء، بل نطمح إلى ما هو أكثر وأرقى وأرفع مما تحقق سواء على مستوى التعليم والضمان الصحي للمواطن، أو من جهة الحريات الفردية التي أرستها تونس على مدى سنوات من الحراك الاجتماعي والسياسي والثقافي.
على العكس نحن ما زلنا في تونس نشعر أننا في بداية الطريق، والعالم كله كذلك، فالمرأة ما زالت مضطهدة وتطالب بحقوقها في العالم أجمع، والحكاية لم تتوقف على مصر وتونس و سوريا، بل هي مضطهدة حتى في فرنسا، لكن هذا لا يلغي أن تجربة الحريات الفردية في تونس هي الأهم في بلدان العالم الثالث منذ خمسينيات القرن الفائت حتى هذه اللحظة.
هل أفهم من كلامك أنك تطمح إلى مسرح خالٍ من الأخطاء؟
لا وجود لمسرح خال من الأخطاء، فالمسرح مثل الحياة، هو ليس الحياة، ولا يشبهها إطلاقاً، لكنه كالحياة، فأنا لا أومن بأن المسرح هو صورة الحياة، لكن ثمة شبها كما قلت لك، البشر يولدون ليموتوا، ولا شيء آخر، ولهذا فالمسرح مليء بالأخطاء والتناقضات مثل الحياة، وهذا أجمل شيء موجود فيه.
لا أعرف إن كانت الحكاية هي عبارة عن تصنيع للأخطاء، وإن حدث ذلك فهو آتٍ من تلاقح الأفكار بين الكاتب والمخرج والممثل، أو من تفسيرات خاطئة لبعض الحالات المطروحة، وهذا ما يمكن استدراكه في عروض تالية.
الأخطاء بتصوري دائمة التوالد لأنها تعكس عبر العرض المسرحي الداخل الإنساني، إنها مرآة العقل والحس والمخيلة الإنسانية التي تصنع هذه الأخطاء وتستدركها وتصوبها ومن ثم تعود لإنتاجها بطرق وتمظهرات مختلفة، تعبر عن موقع الإنسان في هذا العالم، ماذا يريد؟ وماذا يفعل؟ و كيف؟
المسرحيون التونسيون يشعرون اليوم بالنرجسية تجاه التجارب المسرحية الأخرى في العالم العربي؟.
علي أن أوضح أولاً ان المسرح التونسي هو بعض التجارب وليس جميعها، حتى لا نحشر كل الناس في الكيس نفسه، هذا أمر طبيعي بديهي مثله مثل أي تجربة مسرحية في العالم، خذ مثلاُ المسرح الإنكليزي هو بعض التجارب وليس كلها كتجربة «هارولد بنتر» مثلاًُ، لكن من أين أتت هذه التجارب الهامة؟ إنها لم تأتِ من السماء، بل جاءت بقرار سياسي هام، وذلك عندما أدخل «بورقيبة» المسرح إلى المدارس سنة 1962، وقتذاك أصبح المسرح كأنه إجباري في تونس، عبر الفرق المسرحية الخاصة بكل مدرسة، إضافة إلى الفرق الموسيقية، هذا أنتج نوعا من التنافس بين هذه الفرق، أنتج بدوره مهرجانات جهوية وإقليمية ومحلية انتعش معها المسرح وصار من أولويات الحياة التونسية المعاصرة، وهذا بدوره قدم العديد من الأجيال التي تؤمن بالمسرح، فنحن خرجنا من هذه الفرق المدرسية، ومن ثم تابعنا تعلم المسرح في الأكاديميات العليا، هذا ما أنتج جماعة المسرح الجديد وأسماء كبيرة في عالم المسرح كجليلة بكار والجعايبي وجبالي، فالفرق المسرحية في تونس لها جمهور يشبه مشجعي كرة القدم، فكل جمهور كان يشجع فرقته المسرحية، ومن خلال هذا المناخ خرج مغرمون بالمسرح وأعطوا أعمارهم وحياتهم للخشبة.
هذا برأيي ما جعل للمسرح التونسي هذا التفوق على أقرانه في العالم العربي وأفريقيا، وما تبع ذلك من تأسيس المعهد العالي للفنون المسرحية، والمركز العربي الافريقي للتكوين والبحوث المسرحية، ومع ذلك يجب اليوم إعادة النظر في هذا التفوق، عبر ضخ دماء جديدة في المسرح التونسي تكون قادرة على إحداث رجّة جديدة في مقترحاته الفنية والفكرية والجمالية، فمنذ سنوات بدأ المسرح في تونس يعاني من الترهل والنوم على أذنيه، فالريادة لا تعني أن ننام في العسل، إلا أن هناك تجارب عربية حققت مؤخراً حضوراً هاماً، كالتجارب التي بدأها جهاد سعد وغسان مسعود في سوريا، وتجارب عبد المنعم عمايري ورغدا شعراني الأخيرة التي كانت برأيي من التجارب المسرحية الهامة والجريئة سورياً وعربياً، إلا أن ضعف التمويل والأسباب الموضوعية المتعلقة بدعم هذه التجارب ورعايتها تحد من تقدمها، إذ يجب دعمها باستمرار وليس على فترات متقطعة، فهذا الدعم يجب أن لا يرتبط بشوق السلطة إلى المسرح حتى تقدم الدعم اللوجستي لهم، بل يجب دعم هذه التجارب باستمرار ما دامت قادرة على العطاء، على الأقل عرض في السنة مع المساهمة من قبل الجهات الرسمية في توزيعه وتسويقه.
ثمة أيضاً تجارب جديدة صاعدة ومهمة في لبنان ومصر والجزائر، ومن الأهمية بمكان أن تتعرف هذه التجارب الى بعضها، وأن تتواصل بطريقة أو بأخرى من خلال إحياء المهرجانات العربية التي ماتت منذ أواخر سبعينيات القرن الفائت، كمهرجان المغرب العربي الذي كان يضم فرقاً من تونس والجزائر والمغرب وليبيا ومصر، وهذا ما نفعله اليوم من خلال المركز العربي الافريقي للتكوين والدراسات المسرحية الذي يعنى بالشباب المحترفين وتأهيلهم في مختلف فنون الركح، ومهن الخشبة، والحرف المسرحية من إضاءة ورقص وتمثيل وإدارة منصة، وإخراج وكتابة وتصميم أزياء، لا بد من دعم المسرح العربي من طرفي السلطة والقرار الاقتصادي في البلدان العربية، ولا بد من حث المثقفين العرب وإطلاعهم على الدور الحقيقي الذي يلعبه المسرح في حياتهم حتى يساهموا في إرساء ثقافة مسرحية في كل بلد عربي، فالفن التجاري سوقه موجودة ولا ينافسه عليها أحد، أما الإبداع المسرحي فهو بحاجة إلى إعطاء أدنى فرصة من النجاح كي تعود الناس إلى صالات العرض وتعتاد على المسرح وتحبه.
سامر محمد اسماعيل
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد