تركيا اليوم: زيارة الأسد وتصويت البرلمان على اجتياح العراق

16-10-2007

تركيا اليوم: زيارة الأسد وتصويت البرلمان على اجتياح العراق

تركيا على موعد اليوم مع حدثين مهمين: زيارة الرئيس بشار الأسد، وتصويت البرلمان على مذكرة للحكومة بإرسال قوات خارج الحدود وبتفويض لمدة سنة، والمقصود هنا شمال العراق.
في الحدث الاول، تجيء زيارة الأسد في وقت حساس في المنطقة وللعلاقات الثنائية بين البلدين. فقبل حوالى الشهر ونيف، أغارت الطائرات الإسرائيلية على الأراضي السورية منتهكة المجال الجوي التركي من دون نفي حتى الآن امكانية انها انطلقت من الأراضي التركية.
ومع استمرار صمت المؤسسة العسكرية التركية وعدم نشر نبأ هذا الانتهاك حتى الآن على موقعها الالكتروني، تطرح علامات استفهام عما اذا كانت الطائرات الاسرائيلية قد استخدمت ليس فقط الفضاء التركي، بل كذلك معطيات تركية حول الأهداف السورية، كما ألمحت الى ذلك احدى الصحف التركية أمس الأول.
ولعل تأكيد وزير الخارجية التركية علي باباجان رفض انقرة استخدام اراضيها ضد دولة اخرى مجاورة، يقع في اطار مشكلة ناشئة بين انقرة ودمشق. والاحتمال الغالب ان حكومة رجب طيب اردوغان لم تكن على علم بالحادثة، وما كان لها ان تعلم أبدا لو لم تسقط الطائرات الاسرائيلية خزانات وقودها على اراض تركية.
من هنا، تأتي زيارة الأسد لتأكيد التعاون مع حكومة اردوغان وتعزيز العلاقات الثنائية في وجه المصطادين في الماء العكر، سواء من جانب اسرائيل او بعض القوى داخل تركيا. وكان لافتا ان تتحدث إحدى الصحف التركية عن ان الزيارة ستتركز على بحث اوجه التعاون العسكري بين البلدين من دون التطرق الى الانتهاك الاسرائيلي للسيادة التركية.
وتأتي زيارة الأسد عشية مؤتمر اسطنبول لدول الجوار للعراق. ويكتسب توقيت الزيارة اهمية اضافية بعد قرار الكونغرس الاميركي بتقسيم العراق، وهو خطر مشترك على تركيا وسوريا، وبالطبع على كل دول المنطقة.
ان الزيارة في هذا التوقيت بالذات، كما عشية التوتر التركي مع واشنطن بسبب حزب العمال الكردستاني، رسالة تركية الى واشنطن مفادها ان تركيا تقف الى جانب مصالحها التي تلتقي في هذه القضايا مع سوريا، ورسالة اقليمية قوية جدا تؤكد ان لسوريا وتركيا دورا اساسيا في تقرير مستقبل العراق ولا يمكن عزلهما تحت اي ذريعة.
ومن المستبعد الا تتطرق محادثات الأسد مع اردوغان والرئيس عبد الله غول الى مؤتمر السلام الذي ينوي جورج بوش عقده، خصوصا ان تركيا تقوم بدور ما في التخفيف من التوترات بين اسرائيل وسوريا، بل محاولة التقريب بينهما.
اما الحدث الثاني، فهو التصويت المحتمل للبرلمان التركي لصالح القيام بعملية عسكرية في شمال العراق. وكان حزب العدالة والتنمية حاول منذ اشهر عدم بلوغها بسبب الخلاف على طريقة التعامل مع العنف المتصاعد في جنوب شرق تركيا. وكان الحزب يتذرع بوجود استحقاقات داخلية مثل انتخابات رئاسة الجمهورية والانتخابات النيابية.
لكن بعد عملية شيرناق الأخيرة التي اودت بحياة 13 جنديا تركيا، لم يعد حزب العدالة والتنمية قادرا على مواجهة ضغوط الرأي العام والمؤسسة العسكرية. مع ذلك فإن موقف حزب العدالة والتنمية يمكن تحديده على الشكل التالي:
1 ـ الحزب مع خيار عدم القيام بعملية عسكرية في شمال العراق وسيعمل كل ما بوسعه من اجل ذلك. والتصويت في البرلمان لن يعني حتمية القيام بعملية عسكرية، فتركيا صوتت مرتين على ارسال قوات الى العراق في العشرين من آذار والسابع من تشرين الأول 2003 ومع ذلك لم تطبق المذكرتين. بل يمكن القول ان اردوغان سيعتبر قرار البرلمان بادرة حسن نية تجاه العسكر الى ان تستنفد الوسائل السياسية.
2 ـ تنتظر تركيا من الآن وحتى شهر على الأقل خطوات معينة من جانب واشنطن تحول دون تنفيذ عملية عسكرية. والجميع يحددون امكانية اعتقال بعض زعماء او كوادر حزب العمال الكردستاني وتسليمهم الى تركيا. غير ان وقفا للنار من جانب حزب العمال الكردستاني قد يكون سحبا لشرارة الغزو التركي. وليس مستبعدا ان يكون التفاوض على اساس عدم تمرير قرار الإبادة الأرمنية في مجلس النواب الأميركي في مقابل عدم غزو العراق، وإن كان الأتراك يريدون ثمنا معينا في الساحة الكردية تحديدا.
3 ـ يدرك حزب العدالة والتنمية ان اي عملية عسكرية في شمال العراق، لن تنهي عنف حزب العمال الكردستاني. فقبل الآن، قام الجيش التركي بأربع وعشرين عملية عسكرية ولا نتائج مهمة على حد قول اردوغان نفسه. كما ان هناك معارضة شاملة من اكراد العراق ومن حكومة بغداد. من هنا، يتردد اردوغان كثيرا في اعطاء الضوء الأخضر لمثل هذه العملية (الحديث هنا عن عملية كبيرة وليست محدودة وقصيرة يمكن امتصاص ردود الفعل عليها) التي قد تنتهي إن لم تدرس حساباتها جيدا الى هزيمة للأتراك انفسهم، يقول اردوغان.
4 ـ إن احد ابرز أسباب الارتباكات والتردد لدى حزب العدالة والتنمية هو الخوف من تأثير هذه العملية على التوازنات الداخلية. ذلك ان البدء بالعملية يعني انتقال المبادرة من يد حزب العدالة والتنمية الى يد العسكر، خصوصا اذا طالت العملية العسكرية. ان استعادة نفوذ النزعة العسكرية سيكون على حساب العملية الديموقراطية والاصلاحات واعداد الدستور الجديد والعلاقات مع الاتحاد الأوروبي، وباختصار على حساب روح مشروع حزب العدالة والتنمية في تغيير النظام الى الأفضل الذي لا يعني للعسكر والعلمانيين المتشددين سوى الاطاحة بهم.
فضلا عن ذلك، لا يرتاح حزب العدالة والتنمية لخطوات تعزز النزعة القومية واليمينية والتركية ما يهدد وحدة الحزب من جانب نوابه اليساريين وذوي الأصل الكردي. وفي هذا الإطار، لا يستبعد الكثيرون من الأتراك ان يكون احد أهم اهداف حزب العمال الكردستاني هو ايضا إضعاف حزب العدالة والتنمية في المناطق الكردية بعد تفوقه على حزب المجتمع الديموقراطي الكردي، مثل تسعير النزعة القومية واشعال العنف من وسيلة فضلى لاستعادة حزب العمال الكردستاني نفوذا وسط أكراد تركيا سلبه منه حزب العدالة والتنمية.
5 ـ يكاد جميع المحللين الأتراك يلتقون عند نقطة ان حزب العمال الكردستاني يحاول ايضا استدراج تركيا الى المستنقع العراقي وايقاع الهزيمة بها، ولا سيما ان الدم الكردي موحّد اليوم ليس كما اي وقت مضى، وشمال العراق اليوم لم يعد، بالنسبة الى تركيا، ذلك «الجنوب» الذي تعرفه.
ايام حساسة، قد تكون ساخنة، تنتظر تركيا من شمال العراق الى واشنطن مع انفتاح الاحتمالات على كل الخيارات.

محمد نور الدين

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...