تلوث البيئة يكلف سوريا 5% من الناتج المحلي
تعاظم الاهتمام بالبيئة وحمايتها إلى درجة أنها أصبحت تعد واحدة من أبرز القضايا العالمية الراهنة, ومع تزايد وتنوع أشكال, ومظاهر التعديات التي تقع على البيئة إما بصورة مباشرة أو غير مباشرة,
لجأت الدول إلى كافة الوسائل الكفيلة بتأمين حماية شاملة فعالة للبيئة ومنطلقة من مبدأ مفاده أن حماية البيئة هي حماية الإنسان الذي هو غاية الحياة ومنطلقها.
فحماية صحة الإنسان لا تكون بزيادة عدد المشافي والمراكز الطبية والأطباء بل بتأمين بيئة صحية له, منطلقين من المقولة (درهم وقاية خير من قنطار علاج), فما المقصود بالبيئة وهل هي الماء والهواء والتربة فقط؟
- الدكتورة هند وهبة أستاذة في كلية الهندسة المدنية في جامعة دمشق ورئيسة قسم الهندسة البيئية تؤكد أن البيئة الصحية تتسع لتشمل : السكن الصحي والماء والهواء النقي والتربة الخصبة والغابة الكثيفة والمساحات الخضراء (الحدائق) وكذلك الشوارع والطرقات النظيفة والهدوء والراحة وكذلك الطمأنينة المادية والمعنوية.
ثم أوضحت أن منظمة الصحة العالمية قدرت بأن الظروف البيئية المتردية تؤدي إلى 25% من مجمل الأمراض التي يمكن الوقاية منها في العالم, وما زالت المشكلات التقليدية مثل تلوث المياه وسوء الصرف الصحي وعدم الاهتمام بإدارة النفايات الصلبة من العوامل البيئية الأساسية التي تسبب الأمراض.
فالأمراض التي تنقلها الحشرات تصيب أكثر من 700 مليون شخص سنوياً وتعد الملاريا من أشهر الأمراض المنقولة بوساطة الحشرات واعتبرتها منظمة الصحة العالمية العدو الأول للإنسان إذ تسبب 1.5 - 2.7 مليون حالة وفاة في السنة.
كذلك تكون المواد الكيميائية التي تنتشر عن طريق الهواء عاملاً رئيسياً في تسبب مرض السل والتهاب الشعب الهوائية وأمراض القلب والسرطانات والربو, ويشكل التعرض للمبيدات والأسمدة والمعادن الثقيلة عن طريق تلوث التربة والماء والهواء والغذاء مخاطر على الصحة وينتج عن استخدام المبيدات 3.5 - 5 ملايين حالة تسمم حادة سنوياً.
أيضاً أظهرت الدراسات أن التعرض للمعادن الثقيلة يؤدي إلى تخلف في النمو لدى الإنسان وأضرار الكلى والسرطانات المختلفة وقد تؤثر في مقدرات الأطفال على التعلم والتكامل الاجتماعي ومقاومة الأمراض وعلى التوالد مستقبلاً.
توضح الدكتورة وهبة أنه يمكننا تلمس الأثر المباشر لتدهور البيئة على صحة الإنسان من خلال الكثير من الأمثلة مثل تلوث الهواء وخصوصاً في المدن والمناطق الصناعية وكذلك المناطق المعرضة للتصحر وتعرية التربة والحمل الهوائي للأتربة والغبار, حيث تكثر أمراض العيون والقلب والربو والحساسية والسرطانات وأمراض الدم وغيرها, كما تتسبب بخسائر بشرية ونفقات علاجية تشكل بمجملها عبئاً فردياً واجتماعياً مكلفاً كما يتراكم الرصاص والمعادن الثقيلة في الخلايا الدماغية والعصبية ويتسبب في انخفاض الذكاء والقدرات العقلية إضافة إلى نقص الحديد في الدم, وهو ما يؤدي إلى إعاقة نمو الأطفال بصورة طبيعية وتزداد مخاطر الهواء الملوث بالمفعول التراكمي البطيء للعديد من الملوثات بالجسم والتي تسبب السرطانات.
وبالنسبة للمياه الملوثة فتفيد الدراسات أن نصف أسرة المشافي في العالم يشغلها مرضى بأسباب تعود إلى نقص وتلوث المياه وإن 2 مليون طفل دون سن الخامسة يموتون سنوياً في البلدان النامية للسبب نفسه.
وتبين أن كلفة التدهور البيئي في سورية لعام 2005 قدرت بما يناهز 5% من الناتج المحلي الإجمالي ولايشمل هذا التقدير قيمة خسارة الأرواح البشرية المتوفاة بالأمراض الناتجة عن التلوث بل فقط الكلفة العلاجية لهذه الأمراض وخسارة أيام العمل المرتبة على ذلك لما يتضمن قيمة فقدان الموارد الطبيعية والتنوع الحيوي والتراث الحضاري, لذلك يجب أن تكون مسؤولية الحكومات المعاصرة إقامة وتحصين أربعة خطوط دفاعية لحماية صحة مواطنيها وهي الحد من العوامل البيئية المسببة للأمراض وتوفير الغذاء السليم والطب الوقائي, وأخيراً الطب العلاجي.
- ما إشكاليات تطبيق التشريعات البيئية؟
- إن أهمها فقدان التنسيق وروح الاستخلاص وقدم صياغة النصوص وكذلك عدم مطابقة النصوص الصادرة لواقع الحال وعدم فعالية أو عدم تطبيق العقوبات الرادعة وكذلك عدم إنفاذ النصوص الصادرة المتعلقة بالبيئة ونقص الموارد البشرية المؤهلة وقصور في إدارة الكوادر المتاحة وضعف الهيكل التنظيمي والإداري وأخيراً مشكلات التمويل.
لماذا تحولت الأنهار إلى حاويات كبيرة ولماذا الحاويات مصدر إزعاج وإساءة لجمال المدينة ولماذا أمراض القلب والكلى والسرطانات بازدياد ولماذا كل هذا الضجيج بكل مكان ولماذا مشافي الأمراض العصبية والنفسية في ازدياد ولماذا...? هل الأسباب بذلك...?! تربوية وأخلاقية أم اجتماعية واقتصادية وسياسية. وتقول د.وهبة إن 70% من تلوث البيئة في بلدنا سببه تربوي وأخلاقي يعود لتدني الوعي البيئي للمواطن.
لتحسين الوضع البيئي الحالي يجب تنمية الوعي البيئي لدى المواطن ونشر الثقافة البيئية لغاية الامتثال للقوانين طوعاً وتطبيق الحوافز المالية لتشجيع الالتزام بقوانين البيئة وتنظيم برامج التثقيف البيئي وإنشاء دوائر قضائية بيئية للفصل في قضايا البيئة, وتطوير تخصصات صحة البيئة بين أطباء الصحة الوقائية وتفعيل دور أجهزة الإعلام بتناول القضايا البيئية وتفعيل دور الجمعيات الأهلية المعنية بالبيئة في وضع أحكام التشريعات البيئية موضع التنفيذ وإعداد الكوادر القيادية القادرة على تطبيق القوانين.
ميساء العجي
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد