تمويل عربي للحرب ضد سورية وتفويض أولي في الكونغرس
دار ما يشبه السجال السياسي عن بعد بين الرئيسين الأميركي باراك اوباما ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، قبل لقائهما اليوم في قمة دول العشرين التي قد تساهم في بلورة مشهد أكثر وضوحاً لمسار الاحتمالات السورية وسط قرع طبول الحرب التي قال وزير الخارجية الاميركي جون كيري إن «دولاً عربية عرضت تمويلها».
وإلى جانب حملة الترويج التي تمارسها الادارة الاميركية أمام العالم من داخل الكونغرس لنيل التأييد للحرب، بلغت التعبئة التي يقوم بها اوباما مستوى جعلته يربط «مصداقية» الولايات المتحدة والكونغرس والمجتمع الدولي برمته، بما اذا كانت «ضربته» ضد سوريا ستنفذ أم لا.
وفي المقابل، كان بوتين يبادله شد الحبال، ويعلن بوضوح عشية استقباله اوباما في مدينة سان بطرسبرغ أن أي حرب ستكون «عدواناً» لو نفذتها الولايات المتحدة من خارج مجلس الامن الدولي، ومن دون تقديم أدلة مقنعة عن الهجوم الكيميائي في غوطة دمشق.
وامتد السجال بين واشنطن وموسكو الى مرحلة التلويح الروسي بأن تسليم أنظمة صواريخ «اس 300» الى دمشق قد يستأنف اذا نفذت الولايات المتحدة هجومها، والتحذير في الوقت ذاته من مخاطر التلوث النووي اذا تعرض المفاعل السوري في منطقة جمرايا، الى التدمير خلال الحرب المتوقعة.
في هذا الوقت، واصل وزير الخارجية جون كيري والدفاع تشاك هايغل ورئيس الأركان مارتن ديمبسي محاولاتهم لإقناع النواب الأميركيين المترددين في دعم قرار أوباما ضرب سوريا. ووافقت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي على قرار يصرح باستخدام القوة العسكرية في سوريا بغالبية 10 أصوات مقابل سبعة، واكتفى سناتور واحد بتسجيل انه «موجود» في التصويت. ويفتح تصويت اللجنة الطريق أمام إجراء تصويت على القرار في مجلس الشيوخ بكامل هيئته، ومن المرجح أن يتم ذلك في 9 أيلول الحالي.
وقال أوباما، في مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء السويدي فريديريك ريفليدت في استوكهولم قبل توجهه اليوم الى روسيا، «رئيس الوزراء وأنا متفقان على انه في مواجهة مثل هذه الهمجية لا يمكن للمجتمع الدولي أن يبقى صامتاً». وتابع إن «الإخفاق في الرد على هذا الهجوم لن يؤدي سوى إلى زيادة خطر وقوع المزيد من الهجمات، وكذلك زيادة احتمال استخدام دول أخرى لهذه الأسلحة».
وقال أوباما، الذي كان سبق وتكلم في آب العام 2012 عن خط احمر على النظام السوري ألا يتجاوزه عبر استخدام السلاح الكيميائي، إن «العالم أجمع هو الذي وضع هذه الخطوط عبر اعتماد قرارات تحظر استخدام الأسلحة الكيميائية». وتابع «ليست مصداقيتي هي التي على المحك، بل مصداقية المجتمع الدولي ومصداقية الولايات المتحدة والكونغرس». وقال «أعتقد بأن الكونغرس سيوافق، لأنه في حال لم يتمكن المجتمع الدولي من فرض التقيد ببعض القواعد، فإن العالم سيصبح لاحقاً مكاناً أقل أماناً».
وأقر أوباما بأن الرأي العام العالمي قد يقارن بين سوريا والعراق. وقال إن «الذاكرة لا تزال حية حول العراق والاتهامات بوجود أسلحة دمار شامل، والناس قلقون إزاء مدى صحة المعلومة» حول استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا. وأضاف «لقد عارضت الحرب في العراق. ولا أريد تكرار أخطائنا ببناء قراراتنا على معلومات استخبارية خاطئة».
وعن الخلافات مع بوتين الذي سيستقبل قمة مجموعة العشرين في سان بطرسبرغ اليوم وغداً، قال أوباما «هل لا أزال آمل بأن بوتين سيغير رأيه حول بعض هذه الأمور؟. نعم لا يزال لدي أمل. وسأواصل الكلام معه لأنني اعتقد أن عملاً دولياً سيكون أكثر فاعلية» في حال تعاون موسكو. وتابع «آمل دائماً في أن نتمكن في النهاية من وقف القتل بسرعة اكبر إذا ما تبنت روسيا موقفاً مختلفاً تجاه هذه المسائل».
وفي موسكو، قال بوتين إن الكونغرس إذا وافق على الضربة المحتملة فإنه «سيسمح بعدوان لأن كل ما يحدث خارج إطار مجلس الأمن الدولي هو عدوان إلا إذا كان في حالة الدفاع عن النفس».
وأضاف بوتين «إذا كان هناك إثبات على استخدام أسلحة كيميائية ومن قبل الجيش النظامي فيجب تقديم هذا الدليل إلى مجلس الأمن الدولي ويجب ان يكون مقنعاً»، مضيفاً أنه في حال وجود هذا الدليل فإن روسيا «ستكون جاهزة للتحرك بأكبر قدر ممكن من الحزم والجدية». لكنه كرر إن احتمال استخدام النظام السوري أسلحة كيميائية «يتنافى مع أي منطق ويعتبر سخيفاً» لا سيما أن قواته موجودة في موقع الهجوم العسكري.
وأعلن بوتين أن روسيا سلمت بعض مكونات أنظمة صواريخ «اس 300» المتطورة إلى سوريا لكن قال إنه تم تعليق تسليمها حالياً. وقال «لقد سلمنا بعض المكونات لكن كل عملية التسليم لم تكتمل وقمنا بتعليقها في الوقت الراهن. لكن اذا رأينا خطوات تشكل انتهاكاً للأعراف الدولية القائمة فسنفكر كيف نتحرك قدماً بما في ذلك الإقدام على تسليم مثل هذه الأسلحة الحساسة».
إلى ذلك، قال المتحدث باسم الوزارة الكسندر لوكاشيفيتش إن «التصعيد بشأن الوضع في سوريا يثير قلقاً خاصاً بقدر ما يمكن أن يصيب عملٌ ضد هذا البلد أهدافاً حساسة من ناحية الأمن النووي». وحذر من ان «سقوط صاروخ عسكري على المفاعل الصغير الواقع في ضاحية دمشق يمكن أن يكون له تبعات كارثية: إمكان تسميم الاراضي المحيطة باليورانيوم العالي التخصيب وبمواد مشعة اخرى»، مشيراً الى «استحالة ضمان السيطرة على المواد النووية».
وقال هايغل، أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، «أوباما قال لن تكون الضربة وخزة دبوس. كانت هذه كلماته. ستكون ضربة مؤثرة تقلص في الحقيقة قدرات» النظام السوري، معرباً عن اعتقاده «أن الاحتمال مرجح جداً أن يستخدم الأسد الأسلحة الكيميائية مرة أخرى إذا لم تتحرك الولايات المتحدة لتوضح أن استخدام هذه الأسلحة أمر غير مقبول». وأضاف «بحثنا مختلف التكاليف وفقاً لمختلف الخيارات. ستكون في نطاق عشرات الملايين من الدولارات».
وعما إذا كانت هناك خطة للتعامل مع رد من «حزب الله» قد يستهدف السفارة الأميركية في لبنان أو إسرائيل، قال هايغل «أخذنا احتياطاتنا لحماية السفارة، ونتابع مع إسرائيل قضية حماية أمنها».
وكرر كيري وهايغل أنه «لن يتم نشر قوات أميركية على الأرض. لقد قالها الرئيس مراراً وتكراراً». وقال كيري «في الوقت الذي نتناقش فيه، فإن العالم ينظر إلينا، والعالم لا يتساءل عما إذا كان الأسد قام بذلك، لأنه واقع مثبت، لكن العالم يتساءل عما إذا كانت الولايات المتحدة ستوافق بصمتها على عدم التدخل تاركة هذا النوع من الأعمال الوحشية يحدث من دون عواقب». وأضاف «انه بالتالي تصويت على المسؤولية، تصويت من اجل قواعد وقوانين العالم المتمدن». .
وأعلن كيري أن «بعض الدول العربية عرضت تمويل الضربة الأميركية على سوريا». وفي ما قد يفتح الباب أمام تكرار السيناريو الليبي في سوريا، أعلن كيري أن دولا عربية كثيرة تقف إلى جانب الضربة، معتبراً أن أميركا ليست شرطي العالم، ونحن نتباحث مع دول في المنطقة، بينها الجامعة العربية والسعودية ودولة الإمارات وقطر وتركيا بالإضافة الى فرنسا.
وجدد القول إن الهدف ليس إسقاط الأسد بل توجيه ضربة له حتى لا يستخدم الأسلحة الكيميائية مجدداً.
وقال ديمبسي «نحن لا نخفف من لهجة التصعيد العسكري بعد الضربة المحتملة على سوريا»، مضيفاً «الهدف من العمل العسكري محدد وهو ردع وإضعاف نظام الأسد والحؤول دون استخدامه الكيميائي». وأعلن أن «بعض الدول ستساعد في الضربة عبر إتاحة قواعدها العسكرية». وقال «أساطيلنا البحرية متأهبة ضد أي هجوم قد يقوم به حزب الله، وإسرائيل ليست بمنأى عن الأمر».
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد