توتر أميركي ـ إسرائيلي: تقرير «الرباعية» ينتقد الاستيطان
يبدو أن العلاقة الأميركية ـ الإسرائيلية مقبلة على التوتر قريباً بسبب تقرير الرباعية الدولية الذي سينشر نهاية أيار الحالي، متضمناً انتقاداً شديداً لإسرائيل.
وواضح أن المساعي الإسرائيلية لإقناع الإدارة الأميركية بالتدخل لدى أعضاء الرباعية الدولية لتلطيف حدة الانتقاد، باءت بالفشل. لكن مشكلة الإسرائيليين في الموقف الأميركي أنه قد يشكل بداية احتدام النقد الأميركي للاستيطان، ما قد يشير إلى تهيئة لتغيير الموقف في مجلس الأمن عند مناقشة هذه المسألة.
وكان وزراء خارجية الرباعية الدولية، الذين التقوا في ميونيخ شباط الماضي، قد أعلنوا نيتهم أن ينشروا خلال بضعة أشهر تقريراً عن الجمود السياسي بين إسرائيل والفلسطينيين. وللمرة الأولى، تضمن البيان أيضاً موقفاً من التعاون المحتمل بين الرباعية ومجلس الأمن. وأحد أسباب القرار لإعداد التقرير كان رغبة أعضاء الرباعية الرد على المبادرة الفرنسية لعقد مؤتمر سلام دولي، وضمان أن الفرنسيين لا يمنحون أنفسهم الريادة بهذا الشأن في الساحة الدولية.
ونقلت صحيفة «هآرتس» عن مسؤولين إسرائيليين كبار وديبلوماسيين غربيين قولهم إن من المتوقع أن يكون التقرير قصيراً نسبياً، ويتضمن توصيفاً للوضع الميداني وتوصيات لخطوات تتخذها إسرائيل والفلسطينيون. وترى تل أبيب أن التقرير سيتضمن انتقاداً شديداً لإسرائيل، خصوصا بشأن البناء في المستوطنات والقيود على الفلسطينيين في «المناطق ج»، التي تسيطر إسرائيل فيها إدارياً وأمنياً على حد سواء.
وأشار المراسل السياسي لـ«هآرتس» باراك رابيد إلى أن إسرائيل تحاول تخفيف حدة التقرير الذي سينشره في نهاية الشهر أعضاء الرباعية، والذي ينتقد بشدة البناء الاستيطاني في الضفة الغربية وفي شرقي القدس. ولاحظ أن التخوف الأساس في تل أبيب هو تصاعد الموقف الأميركي ضد المستوطنات. وتحاول إسرائيل الحيلولة دون أن يتضمن التقرير تعاطياً مع خطوات مستقبلية محتملة في الموضوع الإسرائيلي ـ الفلسطيني من جانب مجلس الأمن.
وكانت وكالة «أسوشييتد برس» قد أشارت قبل يومين إلى أنه لغرض صياغة التقرير وافقت الإدارة الأميركية على استخدام لغة أكثر حدة مما في الماضي في شجب البناء في المستوطنات، كما من المتوقع للتقرير أن يتضمن انتقاداً للسلطة الفلسطينية بشأن التحريض ضد إسرائيل وعدم منع الهجمات ضد الإسرائيليين.
وأوضحت «هآرتس» أنه رغم عدم وضوح ما ستكون عليه الآثار العملية لانتقاد إسرائيل في التقرير، فإن تل أبيب تولي التقرير أهمية شديدة. وعزت سبب ذلك إلى أن هذه ستكون المرة الأولى منذ سنوات عديدة التي تعرض فيها الأسرة الدولية موقفاً حديثاً حول الجمود في المسيرة السلمية، وتفعل ذلك تقريباً من دون مراعاة للطرفين نفسيهما. ولاحقاً فإن استنتاجات التقرير كفيلة بأن تشكل أساساً لمواصلة مبادرة السلام الفرنسية، أو لخطوة تبلور إرث الرئيس الأميركي باراك أوباما في هذا الشأن، في نهاية السنة. بل إن التقرير قد يشكل أساساً لاستئناف المسيرة السلمية بعد دخول الرئيس الجديد إلى البيت الأبيض.
ونقلت «هآرتس» عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله إن إسرائيل تجري اتصالات مع كل أعضاء الرباعية في محاولة لتلطيف حدة التقرير. وقالت إن من ينسق الأعمال في هذا الموضوع هو مبعوث رئيس الوزراء المحامي اسحق مولخو، الذي يجري محادثات منتظمة في الموضوع مع المبعوث الأميركي في موضوع الشرق الأوسط فرانك لفنشتاين. كما أن مسؤولين كباراً في وزارة الخارجية الإسرائيلية يجرون محادثات مشابهة مع مندوبي الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي وروسيا. وقدمت تل أبيب إلى ممثلي الرباعية وثائق مختلفة في محاولة لتلطيف الانتقاد على إسرائيل، أو على الأقل تشديد الانتقاد على الفلسطينيين.
وفي كل حال قال مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى إن «السؤال الأساس هو كم سيكون حاداً انتقاد المستوطنات. وحول هذا الموضوع، يمكن لكل أعضاء الرباعية أن يتحدوا من دون أي مشكلة». وأشار الموظف الكبير إلى أن إسرائيل تريد تجنب وضع تتوافق فيه الولايات المتحدة مع الدول الأخرى على تشديد موقفها وأن تدخل إلى التقرير تعابير ترى المستوطنات غير قانونية. وحتى اليوم اتخذت الولايات المتحدة موقفاً يقول إن المستوطنات غير شرعية وتشكل عائقاً أمام السلام.
ونقلت «هآرتس» عن المسؤول الإسرائيلي الكبير قوله إن إسرائيل معنية بمنع كل ذكر في التقرير لأعمال مستقبلية محتملة في مجلس الأمن. وهكذا مثلاً يخشون في القدس المحتلة من إمكانية أن يرفع أعضاء الرباعية التقرير إلى مجلس الأمن للبحث في تبنيه من أعضاء المجلس كقرار رسمي. إمكانية أخرى هي أن يوصي التقرير بعمل في مجلس الأمن بشأن المستوطنات، أو تحديد مبادئ لاستئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين في ظل تناول لمسائل الحدود، القدس، الأمن أو اللاجئين.
وخلصت «هآرتس» إلى أنه في الأسابيع الأخيرة غدا تقرير الرباعية تقريراً أميركياً إلى حد كبير. ومع أن مبعوث الأمم المتحدة نيكولاي ملادنوف ومبعوث الاتحاد الأوروبي فيرناندو جنتليني يساهمان في المضامين والتوصيات، إلا أن من يتصدر الكتابة هو المبعوث الأميركي لفنشتاين. وكان يوم الخميس الماضي قد التقى في واشنطن وزير الخارجية الاميركي جون كيري ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني وبحثا في التقرير وفي موعد نشره. وفي الأسبوع المقبل سيلتقي في موسكو مبعوثو الرباعية في محاولة لتوحيد الصياغات المختلفة التي أعدوها في صيغة واحدة.
وأشار موظف إسرائيلي رفيع المستوى إلى أنه من المعلومات التي وصلت وزارة الخارجية في القدس يتبين أن الموعد المتوقع لنشر التقرير هو 25 أيار، أي قبل نحو أسبوع من اجتماع وزراء الخارجية في باريس لبحث الموضوع الإسرائيلي - الفلسطيني. وبادرت الحكومة الفرنسية إلى اللقاء كجزء من مبادرتها لعقد مؤتمر سلام دولي حتى نهاية السنة. وأشار الموظف إلى أن أعضاء الرباعية يريدون نشر التقرير قبل اللقاء في باريس وبالتالي التأثير على جدول أعماله.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد