تونس: فوز مرجّح للسبسي.. وخصومه يشككون
استبق أنصار الباجي قائد السبسي، زعيم حزب «نداء تونس»، صدور النتائج الرسمية للدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية، حيث خرجوا إلى شوارع العاصمة وعدد من المدن للاحتفال بفوز مرشحهم، غداة نشر نتائج غير رسمية تظهر حسمه السباق الى قصر قرطاج.
وانطلقت الاحتفالات بعد إغلاق مكاتب اقتراع داخل تونس، الأمر الذي أغضب مناصري المنصف المرزوقي رئيس الجمهورية المنتهية ولايته.
وأشار استطلاع للرأي، ليل امس، إلى أن السبسي قد فاز في جولة الإعادة للإنتخابات الرئاسية. وأظهر الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة «سيغما» أمس، إلى أن «السبسي حصل على 55.5 في المئة من الأصوات، في مقابل حصول المرزوقي على 44.5 في المئة».
وفي أول حديث له بعد صدور النتائج الأولية التي اظهرت فوزه بانتخابات رئاسة الجمهورية، قال السبسي، في تصريح مقتضب : «تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير، يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعزّ من يشاء ويذلّ من يشاء».
وأضاف السبسي «أشكر كل التونسيين على هذا اليوم العظيم وعلى ثقتهم التي أودعوها فينا».
وتابع «الشعب ارتقى بالمسار الديموقراطي إلى أعلى المراتب، فشكراً على هذا الإنجاز العظيم، ونترحم في هذه المناسبة على شهدائنا الأبرار الذين ضحوا بدمائهم حتى نصل إلى المراتب التي وصلنا إليها ونحن في انتظار النتائج النهائية التي لم تعلن بعد».
وتابع زعيم «نداء تونس»: «أتوجه بالشكر إلى كل من ساندنا من التونسيات والتونسيين، وكذلك أتوجه بالتحية إلى كل من ساند منافسنا الدكتور المنصف المرزوقي، الذي أحييه، وأؤكد أن المستقبل يحتم علينا أن نعمل ونتعاون معاً لضمان مزيد من تقدم البلاد ورقيها».
وكان مدير الحملة الانتخابية للسبسي محسن مرزوق دعا، في اجتماع احتفالي أمس، التونسيين إلى الاحتفاء بفوز السبسي بالرئاسة ونهاية الفترة المؤقتة وبداية الاستقرار وفترة الإصلاحات، قائلاً «لقد ربحنا هذه الانتخابات بفضلكم جميعاً، لقد فازت تونس بنهاية المؤقت من دون رجعة، فهنيئاً لتونس برئيسها الباجي قائد السبسي الذي سيقودها نحو بر الأمان... انتهى الفقر المؤقت والإرهاب المؤقت والتقسيم المؤقت».
غضب أنصار المرزوقي
لكن احتفالات أنصار السبسي أغضبت انصار المرزوقي، ولم يخف مدير حملته عدنان منصر استياءه من استباق مرزوق النتائج الرسمية لهيئة الانتخابات.
وقال إن «المعطيات التي قدمها محسن مرزوق لا تعكس الواقع، وفيها استباق لعمل هيئة الانتخابات»، مضيفاً «يجب احترام المنافسة النزيهة. تم تسجيل مئات التجاوزات الانتخابية الخطيرة التي اقترفها أنصار السبسي على كامل اليوم والتي رفعت الى هيئة الانتخابات، وستقول فيها المحكمة الإدارية قرارها بشأنها».
وقال منصر إنه في حال أقرّت هيئة الانتخابات بفوز السبسي بصفة نزيهة وشفافة في الجولة الرئاسية الثانية، فإنهم سيكونون أول المهنئين، «ولكن هذا الاحتمال غير وارد حتى الآن»، موضحاً «لدينا ثقة في نزاهة الهيئة التي تشرف على الانتخابات».
على صعيد آخر، قالت رئيسة بعثة مراقبة الانتخابات عن شبكة العالم العربي رئيسة «اللجنة العربية لحقوق الإنسان» فيوليت داغر أن «التجربة التونسية نموذجية ويجب أن يحتذى بها في العالم العربي.
وأضافت انه «برغم بعض التجاوزات التي لا تمس من جوهر النتائج الانتخابية، فإن تونس نجحت في تخطي الأزمات حتى بلغت مرحلة إجراء انتخابات تشريعية وجولة رئاسية أولى وثانية في كنف السلمية، وهنا أقدم تحية إكبار للشعب التونسي نساء ورجالا وشباباً لتحليهم بروح الحضارة والرقي مقارنة بعدة تجارب في البلدان العربية والغربية».
وعن التجاوزات، أكدت داغر أن «نسب الخروقات أقل من المناسبتين السابقتين، وحتى استعمال المال السياسي كظاهرة سلبية لم يسجل بالطريقة نفسها في الجولة الرئاسية الأولى»، موضحة أن «أبرز ما يمكن أن يسجل كنقطة سوداء هو الغياب اللافت لفئة الشباب عن التصويت وهو أمر محزن برغم ملاحظة أعداد كبيرة من الشباب المشاركين في الشأن العام عبر المنظمات الأهلية التي تعنى بمراقبة سير العملية الانتخابية».
وأرجعت عزوف الشباب عن التصويت الى فقدانهم الثقة في النخب السياسية وفي العملية الانتخابية وجدواها.
واعتبرت داغر أن طول المسار الانتخابي الذي امتد على ثلاثة أشهر وفي مناسبات ثلاث، دفع بعض المواطنين إلى السأم من التردد على مكاتب الاقتراع، بالإضافة إلى أن توقع جانب كبير من الشعب لنتائج الانتخابات ووفرة حظوظ أحد المرشحين أو عدم اقتناعهم بأي واحد منهما دفع عدد مهماً منهم بالتراجع عن التصويت.
وتوقعت نجاحاً لكامل المسار الانتخابي التونسي، مشيرة إلى أن «تونس لن تعود إلى ممارسات النظام السابق لأنها خطت خطوات متقدمة نحو الديموقراطية، غير أن التخوف الوحيد هو من محاولات التدخل الأجنبي في الشأن التونسي».
من جهتها، أشارت «الهيئة العليا المستقلة للانتخابات»، في مؤتمر صحافي، إلى ان نسبة الإقبال على الاقتراع بلغت 59.04 في المئة، لافتة إلى ان النسب مرجحة للارتفاع بعض الشيء حتى إغلاق آخر مكتب اقتراع في سان فرانسيكو في الولايات المتحدة صباح اليوم.
وأشار رئيس «الهيئة العليا للانتخابات» شفيق صرصار ، إلى أنه «لم تسجل انتهاكات أو تجاوزات خطيرة ختى الآن، ونسق العملية الانتخابية في تصاعد مستمر برغم التراجع النسبي لمؤشر الإقبال، وهو أمر مفهوم لعدة أسباب»، مضيفاً «في جميع الاحوال، يبقى الإقبال مقبولا والنسب طيبة مقارنة بالديموقراطيات العريقة».
واعتبر صرصار أن العملية الانتخابية تعد ناجحة، لكنه استنكر إعلان بعض المرشحين للنتائج قبل إغلاق آخر مكتب اقتراع في الخارج.
ويذكر أن العدد الإجمالي للناخبين التونسيين المسجلين للمشاركة في الانتخابات خمسة ملايين و308 آلاف و354 ناخباً، موزعين على 33 دائرة انتخابية، ست منها خارج تونس موزعة في مختلف قارات العالم بحسب عدد التونسيين المقيمين فيها.
ويبلغ عدد الناخبين المسجلين في الخارج 395 ألفاً و530 ناخباً موزعين على ست دوائر انتخابية، هي فرنسا الشمالية، وفرنسا الجنوبية، إلى جانب دائرة واحدة مخصصة لكل من إيطاليا وألمانيا والعالم العربي، بالإضافة إلى دائرة سادسة في الأميركيتين وأستراليا وباقي الدول الأوروبية.
إلى ذلك، قتل الجيش التونسي مسلحاً فجر أمس، وأوقف ثلاثة آخرين «حاولوا مهاجمة» عسكريين كانوا يحرسون مدرسة داخلها «مواد انتخابية» في منطقة حفوز من ولاية القيروان، بحسب ما أعلنت وزارة الدفاع.
وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع المقدم بلحسن الوسلاتي إن «مجموعة حاولت مهاجمة وحدة عسكرية تقوم بتأمين المواد الانتخابية في إحدى المدارس في منطقة حفوز في القيروان»، مضيفاً أن «يقظة العناصر العسكرية وسرعة رد فعلهم مكنتهم من إحباط العملية التي أسفرت عن مقتل مسلح كانت بحوزته بندقية صيد، والقبض على ثلاث مشتبه فيهم أحدهم مصاب في يده». وأكد الوسلاتي أن عسكرياً «أصيب بجروح خفيفة في كتفه» خلال صد الهجوم.
من هو الباجي قائد السبسي
الباجي قائد السبسي (88 عاماً)، إذا صحت نتائج استطلاعات الرأي سيكون الرئيس الخامس للجمهورية التونسية، وهو من مواليد 26 تشرين الثاني العام 1926 لعائلة قريبة من البايات (ملوك تونس قبل الاستقلال).
درس السبسي المحاماة في العاصمة الفرنسية باريس ويمتهنها منذ نصف قرن، وهو زعيم حزب «نداء تونس» صاحب غالبية مقاعد البرلمان المنتخب حديثاً.
أسس حزبه «نداء تونس» منذ منتصف العام 2012، جامعاً حوله شخصيات يسارية ونقابية ووجوهاً بارزة من نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وكان هدفه الأساسي حينها إزاحة «حركة النهضة» ذات المرجعية «الإخوانية».
للسبسي باع وذراع في عالم السياسة، انخرط منذ شبابه في «الحزب الحرّ الدستوري» (الحزب الذي قاد الحركة الوطنية لمقاومة المستعمر الفرنسي)، وتقلّد مناصب مهمة عديدة في الدولة التونسية، من بينها مدير الأمن الوطني في العام 1965، ثم وزيراً للدفاع في العام 1969، ثم وزيراً معتمداً لدى الوزير الأول في العام 1980.
وتقلّد مناصب عدة في الدولة كوزارة الخارجية في العام 1981، ورئيساً لمجلس النواب في مطلع التسعينيات، وصولاً إلى تقلده مهام رئاسة الحكومة بعد «الثورة» التونسية من 27 شباط 2011 وحتى 13 كانون الأول 2011، والتي قادت تونس إلى انتخاب «المجلس الوطني التأسيسي»، وهي نقطة قوته التي يحسبها له التونسيون.
حسان الفطحلي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد