جبهة البوليساريو والسلام الموعود

22-04-2009

جبهة البوليساريو والسلام الموعود

الجمل: يعتبر النزاع حول الصحراء الغربية من الأكثر تعقيداً في العالم وذلك لجهة تداخل العديد من العوامل أولها العامل الداخلي الخاص بالصحراء الغربية والثاني العامل الإقليمي الخاص بدول المغرب العربي والثالث العامل الخاص بواقع النظام الدولي الراهن في مرحلة ما بعد الحرب الباردة.
* ماذا تقول المعلومات؟
تشير المعطيات الجارية إلى أن مجلس الأمن الدولي بحلول نهاية نيسان 2009 ستكون أمامه فرصة القيام باستخدام خيار تجديد تفويض بعثة الأمم المتحدة لإجراء الاستفتاء في الصحراء الغربية.
وبكلمات أخرى، سيقوم مجلس الأمن الدولي بمنح مبعوث الأمم المتحدة ولاية القيام بمهام صنع السلام، وتشير التحليلات إلى أن القيام بذلك يتطلب من مجلس الأمن الالتزام بالتعامل المتوازن مع أطراف الصراع الصحراوي:
• الطرف الأول: جبهة البوليساريو المطالبة بالاستقلال الكامل.
• الطرف الثاني: السلطات المغربية المطالبة بإبقاء الصحراء إلى السيادة المغربية.
على هذه الخلفية فإن الدبلوماسية الوقائية التي سيقوم بتنفيذ تحركاتها مبعوث الأمم المتحدة الخاص بعد حصوله على التفويض الكافي من مجلس الأمن الدولي هي دبلوماسية ستسعى لمعالجة نوعين من القضايا:
• التجاذبات حول منظور حق تقرير المصير الذي ستتمسك به جبهة البوليساريو.
• التجاذبات حول منظور اقتسام السلطة الذي ستتمسك به السلطات المغربية.
برغم أن الأمم المتحدة واظبت على القيام بتمديد ولاية وتفويض بعثتها الموجودة في الصحراء الغربية منذ لحظة إنشائها في نيسان 1991 فإن تمديد التفويض الذي سيقوم به مجلس الأمن الدولي بعد بضعة أيام يتميز بأنه سيتم:
• في ظل وجود إدارة أوباما الديمقراطية الجديدة في البيت الأبيض الأمريكي والتي تعتمد منظوراً في التعامل مع النزاعات يختلف عن ذلك الذي لإدارة بوش الجمهورية السابقة.
• في ظل وجود مبعوث الأمم المتحدة في المنطقة كريستوفر روس الخبير في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والذي سبق أن عمل سفيراً أمريكياً في سوريا والجزائر.
على هذه الخلفية يبرز التساؤل القائل: هل ستتحول علاقات الصراع بين السلطات المغربية وجبهة البوليساريو إلى علاقات تعاون خاصة أن مفاعيل النزاع والصراع ما تزال موجودة؟
* ملفات الصراع حول الصحراء المغربية :
خلال العصور القديمة كانت منطقة الصحراء الغربية مأهولة بسكان يطلق عليهم اسم "يافور"، ولاحقاً اختلطوا أو تم استيعابهم في مجتمع البربر واستمر خليط اليافور – البربر لفترة من الزمن إلى حين قدوم هجرات القبائل العربية التي نجحت في استيعاب خليط اليافور – البربر إثنو-ثقافياً بواسطة اللغة العربية وإثنو-دينياً بواسطة الإسلام، وبحلول نهاية القرون الوسطى قامت قبائل بني حسن البدوية العربية بعملية غزو واسعة لبلاد المغرب العربي واستطاعت الوصول إلى الصحراء الغربية في القرنين الرابع والخامس عشر.
على مدى خمسة قرون أعقبت سيطرة قبائل بني حسن حدثت عملية "مثاقفة" واختلاط أسري – عشائري – قبلي بالغة التعقيد بما أدى إلى ظهور قوام مجتمعي إثنو-ثقافي جديد نسباً يتحدث لهجة يطلق عليها خبراء الإثنولوجيا - اللغوية تسمية اللهجة العربية الحسنية ويتبنى نمط ثقافة عربية بدوية – بربرية – رعوية.
انعقد مؤتمر برلين عام 1884 الذي أقرت القوى الاستعمارية الأوروبية فيه اقتسام أراضي القارة الإفريقية وكانت الجزائر والمغرب وموريتانيا من نصيب فرنسا أما الصحراء الغربية فكانت من نصيب إسبانيا.
استولت القوات الاستعمارية الإسبانية على الصحراء الغربية وأعلنتها محمية إسبانية واستمر الاحتلال الإسباني فيها ولكن بسبب ضغوط المقاومة المسلحة الذي قادته الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب خلال خمسينات وستينات القرن الماضي اضطر الإسبان إلى إعلان رغبتهم في إنهاء الاحتلال.
لم ينتظر الصحراويون إسبانيا لكي تقوم طوعاً بمنحهم الاستقلال وجاءت جبهة البوليساريو إلى الوجود على أنقاض الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب وتصاعدت عمليات البوليساريو المسلحة طوال عام 1973 بما أجبر إسبانيا إلى الإعلان رسمياً عن الآتي:
• أولاً: إنهاء الاحتلال الإسباني للصحراء الغربية.
• ثانياً: إجراء استفتاء عام يحدد الشعب الصحراوي من خلاله مصيره.
خلال هذه الفترة برزت المؤامرات التي لم تكن بواسطة الأطراف الأجنبية وإنما كانت بواسطة الأطراف العربية حصراً فقد سعت كل من المغرب والجزائر وموريتانيا إلى ضم الصحراء الغربية.
تدرك القوات الاستعمارية جيداً أبعاد معطيات نظرية المؤامرة التي تتضمن بناء ملف الإرث الاستعماري الذي يطلق عليه خبراء تحليل السياسات الاستعمارية تسمية "المسألة الاستعمارية"، فقد تركت فرنسا ملف "المسألة الأمازيغية" في الجزائر وتركت بريطانيا ملف "المسألة الجنوبية" في السودان وملف "المسألة اليهودية" في فلسطين و"المسألة الكشميرية" في باكستان.. وهلمجراً.
سعت إسبانيا إلى ترك "المسألة الصحراوية" ونجحت في القيام بها عندما وعدت سراً كل من الجزائر والمغرب وموريتانيا بمساعدتهم في ضم الصحراء الغربية، وبينما كان الشعب الصحراوي ينتظر إجراء الاستفتاء قررت إسبانيا الرحيل على عجل من الصحراء دون إجراء الاستفتاء وكان الهدف من ذلك واضحاً وهو ترك ظاهرة فراغ القيادة تهيمن على المنطقة بحيث يتدافع "الأخوة الأعداء" العرب من أجل سلب الغنائم وهو ما حدث فعلاً، عندما اندفعت كل من المغرب والجزائر وموريتانيا للاستحواذ على الصحراء الغربية!
* ملفات الصراع حول الصحراء الغربية:
انسحبت الجزائر وموريتانيا من الصحراء الغربية علماً أن الجزائر كانت دخلت في الصراع من أجل موازنة تدخل المملكة المغربية التي سعت إلى ضم الصحراء مستخدمة العمليات العسكرية المكثفة التي تكسرت جميعها على صخرة نضال جبهة البوليساريو. ولاحقاً نجحت دبلوماسية القصر الملكي المغربي في تحويل صراع الصحراء الغربية من ملف الصراع الساخن إلى ملف الصراع الجامد عن طريق تطبيق الخطوات التالية:
• توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين الجبهة والسلطات المغربية في 6 أيلول 1991.
• تقديم وعد بإجراء استفتاء تقرير المصير بعد عام من توقيع الاتفاق.
• تعقيد الأوضاع الميدانية عن طريق إرسال ملك المغرب لما عرف بالمسيرة الخضراء التي أدت إلى خلق المزيد من الخلافات حول حقوق التصويت في الاستفتاء.
• عزز النظام الملكي المغربي علاقاته مع إسرائيل بما ترتب عليه تعزيز علاقاته مع أمريكا وبلدان غرب أوروبا الأمر الذي أتاح للمغرب فرصة إعاقة الإجراءات والترتيبات الدولية الجارية إزاء تحديد مستقبل الصحراء الغربية.
• بعد مرور الوقت أعلن الصحراويون قيام الجمهورية العربية الديمقراطية الصحراوية وشكلوا حكومة منفى.
• أعلنت 48 دولة اعترافها بشرعية الجمهورية الجديدة وقررت 13 منها السماح للجمهورية الصحراوية بإقامة سفاراتها.
• دخلت 5 منظمات دولية وإقليمية في علاقات ومعاملات مع الجمهورية الصحراوية وهي: الجامعة العربية – منظمة اتفاقية التجارة الحرة العربية الكبرى – الاتحاد الإفريقي – منظمة المؤتمر الإسلامي – الأمم المتحدة.
• أعلنت 19 دولة دعمها لضم الصحراء الغربية للملكة المغربية.
بعد صعود إدارة بوش الجمهورية بدا تأثير السياسة الخارجية الأمريكية الشرق أوسطية واضحاً في الدفع باتجاه الآتي:
• إعاقة أي تطورات أو ترتيبات إجرائية إقليمية أو دولية تؤدي إلى قيام دولة مستقلة في الصحراء الغربية.
• استخدام ملف الصراع الجامد المتعلق بمستقبل الصحراء الغربية من أجل إبقاء مفاعيل الصراع بشكل دائم في منطقة المغرب العربي.
• تفعيل الخلافات العربية – العربية والخلافات العربية – الإفريقية لجهة ابتزاز العرب ودفعهم لتقديم التنازلات التي تمثلت كما هو واضح في تقليل اهتمامهم بقضايا الصراع العربي – الإسرائيلي وتعزيز الروابط مع إسرائيل.
الآن، وبعد مرور ما يقرب من 20 عاماً على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار فإن الوعد بإجراء استفتاء بعد مرور عام واحد من وقف إطلاق النار هو وعد لم يتم تنفيذه حتى الآن فهل ستسعى بعثة الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص لإجراء الاستفتاء أم أن هناك سيناريو جديد ستسعى هذه البعثة لتطبيقه؟ بكلمات أخرى هل ستكون عملية سلام الصحراء الغربية على غرار عملية سلام الشرق الأوسط بحيث تتضمن خطوطاً مشابهة لها مثل "خطة فك الارتباط الصحراوية"  و"خارطة الطريق الصحراوية" وما شابهها؟ وهل ستستمر جبهة البوليساريو في تمديد حالة الصبر في انتظار "فرج" مجلس الأمن الدولي الذي قد لا يأتي؟

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...