جرائم «الثوّار» في حلب: مسيرة حافلة تحت سمع العالم وبصره
في آذار من عام 2013 خرج إلى العلن شريطٌ مصوّرٌ يُظهر مجموعة مقاتلين من «الجيش الحر» في حلب يتفنّن أفرادُها في تعذيب واحدٍ من أشهر الأشخاص في مدينة حلب. يومَها تحلّق عدد من المقاتلين حول عبد الحميد مامو، الشهير باسم «الرجل الأصفر»، وقاموا بإذلاله وضربه ونتف شاربيه، كذلك طلبوا منه تقليد نباح الكلب قبل سوقه إلى جهة مجهولة.
يومَها سارعت صفحة «الثورة السورية» على فايسبوك، التي كانت المنبر «الثوري» الأوّل، إلى نفي أي صلة لـ«الجيش الحر» بالحادثة التي «لا تمتّ لسلوك الجيش الحر بصلة». أيّام قليلة كانت كافية لطيّ القضيّة التي كان اثنان من «أبطالها» مُقاتلَين في صفوف «كتائب نور الدين زنكي الإسلاميّة» (كانت وقتَها جزءاً من «تجمّع ألوية فاستقم كما أُمرت»).
«داعش» حارب الانتهاكات!
لم يكن ذلك النمط من السلوك جديداً على المجموعات المسلّحة التي اجتاحت حلب منذ تموز 2012. تنوّعت الانتهاكات بدءاً من الضرب والخطف وليس انتهاءً بالتعذيب والقتل، وبدت شمّاعة «الأخطاء الفرديّة» مناسبةً دائماً. لم تنل تلك الانتهاكات أدنى نصيب من الإدانات الدولية، التي كانت متفرّغة في تلك الفترة لإحصاء وتدوين الانتهاكات التي يقوم بها موالو المعسكر المقابل المحسوب على السلطات السوريّة فحسب. كان لمسلّحي «نور الدين زنكي» صولات وجولات في هذا الباب، شأنهم في ذلك شأن كثير من المجموعات المسلّحة، بدءاً بـ«لواء التوحيد» مروراً بـ«لواء شهداء بدر» و«لواء عاصفة الشّمال» وليس انتهاءً بـ«لواء أحرار سوريا». المفارقة أنّ هذه الانتهاكات التي استهدفت المجتمع المحلي في حلب وريفها مهّدت لاحقاً لاستقبال أبناء تلك المناطق تنظيم «داعش» بالترحاب والتهليل. وفي ظل الصمت المطبق عن سلوكيّات «الثوّار»، وجد أبناء تلك المناطق أنفسهم أمام «مُخلّصٍ» تجسّد في التنظيم الذي لعب أوّل الأمر دوراً محوريّاً في ملاحقة وتصفية تلك المجموعات تباعاً. قام التنظيم بالانقضاض على «عاصفة الشمال»، وبإعدام حسن جزرة قائد «لواء أحفاد المرسلين»، وتصفية مجموعته، وبإجراءات كثيرة مشابهة، قبل أن يكشف التنظيم لاحقاً عن وجهه الحقيقي، وليجد «الرأي العام العالمي» في «داعش» جسماً مناسباً لإلباسه كل أنواع «القلق والذعر».
... و«النصرة» أيضاً!
على خُطى مشابهة سارت «جبهة النصرة» إبّان الانتكاسة التي مُنيت بها على يد «الدولة الإسلاميّة»، وسارعَت إلى خطب ودّ «حواضن» جديدة عبر «بسط العدل ومحاسبة المعتدين» من المجموعات المسلّحة المحليّة. ولعلّ أبرز الأمثلة في هذا السياق هو حرب التصفية التي شنّتها «النصرة» ضد «جبهة ثوّار سوريا» بقيادة جمال معروف في عام 2014.
وجوه الشبه بين الأخيرة و«نور الدين زنكي» كانت كثيرة، وعلى رأسها تصنيف المجموعتين من بين «الفصائل المعتدلة» وفقاً للفرز الأميركي. في المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة «ثوار سوريا»، عثرَت «جبهة النصرة» على أكوام من الجثث والرؤوس المقطوعة. ابتهج سكّان ريف إدلب بتخلصهم من جمال معروف وثُلّته، قبل أن يدفعوا لاحقاً أثماناً مضاعفة لذلك الابتهاج على يد الفرع السوري لتنظيم «القاعدة» الذي ورث مناطقهم ومن عليها. المفارقة أنّ آبار الجثث لم تؤثّر على التصنيف «المعتدل» لـ«ثوّار سوريا»، وظلّت المجموعات التابعة لها في الجنوب السوري تقاتل إلى اليوم تحت إشراف «غرفة عمليّات الموك» (Military Operatio Center) المتخصّصة في دعم «الثوّار المعتدلين».
«أحرار الشام» قاطعة الرؤوس
في آب الماضي، حصلنا على شريط مصوّر يوثّق قيام مسلّحين تابعين لـ«حركة أحرار الشام الإسلاميّة» بقطع رأس مسلّح مصاب . جاء ذلك فيما كان صفحات كبريات الجرائد العالميّة (مثل الغارديان، وواشنطن بوست) مفتوحةً أمام «المسؤول السياسي للحركة» لينشر مقالات متتالية تؤكّد أن «أحرار الشّام» فصيل معتدل و«شريك جدير بالثقة». الشريط الذي نشره لاحقاً «المرصد السوري لحقوق الانسان» قوبل بتجاهل شبه تام، ولم تفكّر جهة في إدانته أو «القلق» بشأنه حتى اليوم.
«الزنكي» المتكيّفة
منذ نشأتها في قبتان الجبل (ريف حلب الغربي) امتازت «حركة نور الدين زنكي» ببراعة كبيرة في تغيير جلدها واصطفافاتها. تشكّلت في تشرين الثاني 2011 تحت اسم «كتيبة نور الدين زنكي» على يد توفيق شهاب الدين. انضمت إلى «لواء التوحيد» في تموز 2012، ثم انسحبت منه مع نهاية عام 2012. انضمّت بعدها إلى «تجمّع فاستقم كما أُمرت» المقرّب من الإخوان المسلمين، وتمّت إضافة كلمة «الإسلامية» إلى اسمها فأصبحت «كتائب نور الدين الزنكي الإسلامية»، ونالت نصيباً وافراً من التمويل القطري. ثمّ انسحبت من التجمع في حزيران 2013 وعملت بشكل مستقل بعد أن قفزت إلى رأس المجموعات المدعومة من سلفيّي الكويت من خلال «الهيئة الشعبيّة الكويتيّة» برئاسة حجّاج العجمي. مطلع عام 2014 كانت «الزنكي» أحد أعمدة «جيش المجاهدين»، وصار توفيق شهاب الدين قائداً عامّاً لـ«الجيش»، وعاد التمويل القطري إلى التدفق عبر «هيئة حماية المدنيين القطرية». في أيار 2014 أعلنت انسحابها من «المجاهدين»، وغيّرت اسمها من «كتائب نور الدين الزنكي الإسلامية» إلى «حركة نور الدين الزنكي» وصار تمويلها مرتبطاً بشكل أساسي بغرفة عمليّات «الموك» التي يديرها الأميركيون. لـ«الزنكي» مع سكان مدينة حلب قصص كثيرة، منها مسؤوليتها المتكررة عن قطع التيار الكهربائي وتعطيش المدينة مرّات عدّة. اشتهر أحد «قادتها» باسم «علي أبو حبلة»، نسبةً إلى تهديده المستمر بأنه قادر على إغراق حلب في الظلام بـ«شدّة حبل وحدة»، وتنفيذه هذا التهديد في معظم الأحيان.
«العفو» استيقظت متأخرة
في مطلع تموز الجاري، استيقظت منظمة العفو الدوليّة (متأخّرة جدّاً) لتكتشف وتكشف في تقرير لها أنّ «الجماعات المسلحة التي تنشط في حلب وإدلب والمناطق المجاورة لهما في شمال سوريا قد نفذت موجة مروعة من عمليات الاختطاف والتعذيب والقتل بإجراءات موجزة». وعلى الرغم من أن أسبوعين فصلا بين التقرير المذكور (الذي ضمّ اسم «حركة نور الدين زنكي») وحادثة قطع رأس الطفل الفلسطيني، غير أنّ تقرير «العفو» لم يُثر حفيظة «المجتمع الدولي» أو قلقه.
صهيب عنجريني
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد