جمال عبد الناصر كما يراه باسل الخطيب
أخيراً وبعد سجالات يستعد المخرج باسل الخطيب للبدء في تصوير مسلسله الجديد «ناصر» بعد أن وقع الاختيار عليه من شركة «محمد فوزي» المنتجة للعمل. المسلسل يتناول حياة الزعيم المصري الراحل جمال عبدالناصر منذ ولادته عام 1918 حتى رحيله عام 1970م. ومن المنتظر أن تبدأ عمليات التصوير في سوريا مطلع نيسان (ابريل) المقبل، ثم تستكمل، في مصر حيث المسرح الرئيس لأحداث العمل.
وفيما يتعلق بالممثل الذي سيجسد شخصية عبدالناصر تضاربت التخمينات كثيراً في هذا الشأن، فقد قيل في البداية أن الفنان السوري جمال سليمان سيقوم بتجسيد الدور غير أن خلافاً وقع بينه وبين صنّاع العمل حول الفترة العمرية التي سيظهر فيها، إذ ارتأى سليمان أن يبدأ دوره مع اندلاع ثورة تموز (يوليو) 1952، في حين رأى المنتج أن يظهر قبل هذه الفترة وهو ما لا يتناسب وعمر سليمان.
وحول هذه المسألة أكد الخطيب أن «عدداً من الفنانين المصريين رفضوا أن يلعبوا هذا الدور» لأسباب لم يذكرها. لكنه أوضح في حديث: «صحيح ان الدور يغري الفنان، لكنه ينطوي على المسؤولية والتحدي، وحين يوافق أحد الفنانين على أن يجسد دوراً، يجب أن ينجح فيه لأن فشله سيكون بمثابة كارثة له وللعمل. ويبدو أن الفنانين المصريين، الذين عرض عليهم الدور، ورفضوا، فكروا في احتمال عدم قدرتهم على اعطاء الشخصية حقها، فآثروا الابتعاد. لن ألوم أحداً، فهذا خيارهم وأستطيع فهمه»، ورفض الخطيب الإفصاح عن أسماء الممثلين المرشحين لهذا الدور بعد ان استبعد سليمان، وعلل هذا الإحجام بأن «الوسط الفني المصري شديد الحساسية من هذه الناحية، لذلك لن نبوح بأي اسم الى أن نتفق، بصورة نهائية، مع الممثل الذي سيلعب الدور بالفعل».
في الحقيقة لم يشأ المخرج السوري، الفلسطيني الأصل، أن يخوض في سجال قد يفهم منه انه رد على تصريحات أدلى بها المخرج المصري محمد فاضل الذي كان مرشحاً لإخراج هذا العمل، فاكتفى بالقول: «قبل أشهر قليلة اتصل بي المنتج محمد فوزي، وعرض علي مشروع مسلسل «ناصر»، فأبديت موافقتي المبدئية على الحلقات الأولى التي كتبها يسري الجندي الذي يعد أحد أهم كتاب الدراما والمسرح في مصر. هذه الحلقات أثارت اعجابي لأنها مكتوبة على نحو يتناسب مع مكانة زعيم كبير مثل جمال عبدالناصر. وبناء عليه تم الاتفاق، وبدأنا عمليات التحضير»، وأشار الخطيب الى أن «عروضاً كثيرة» قدمت له، في السابق، للعمل في مصر لكنه آثر التريث حتى يعثر على «مشروع كبير فنياً وجمالياً»، وقد وجده في هذا المسلسل.
ورداً على سؤال حول كيفية تعاطي العمل مع شخصية مثيرة للانقسام والجدال مثل عبدالناصر (فمنهم من يراه بطلاً تاريخياً عظيماً، وآخرون يحمّلونه مسؤولية النكسات التي أصابت العرب) يقول الخطيب: «هناك ما يشبه الاتفاق الضمني بين أطراف العمل، بمن في ذلك أفراد من عائلة الزعيم الراحل، الذين يتابعون حيثيات العمل، على معالجة المرحلة التي حكم فيها عبدالناصر بما لها وبما عليها، وهناك تفاهم يتمثل في أن هذه الشخصية لها حسناتها ولها سيئاتها. ولئن كان عبدالناصر زعيماً كبيراً، فهو في النهاية انسان له مشاعره، وهواجسه، وأخطاؤه. نحن نسعى الى تقديمه بكل أبعاده الانسانية، ولحظات تردده وقلقه وإحساسه بأن قد اتخذ، في لحظات معينة، خيارات خاطئة، وسنبتعد عن تقديم تلك الصورة المغلفة بالمثالية والكمال. وعندما نتناول هذه الشخصية بهذا المنطق سنضمن انتزاع اعجاب حتى اكثر المعارضين لعبدالناصر».
والمعروف أن عبدالناصر تصدى بقسوة لمعارضيه من الشيوعيين والإسلاميين، وقام بإعدام بعضهم، فهل سيتطرق المسلسل الى هذه الأحداث؟ يرد الخطيب: «سيتم التطرق إليها، لكن بأسلوب حذر وغير مباشر، ولن نكشف الآن، قبل انجاز المسلسل، كيف عولجت هذه النقاط. لكن استطيع القول إن المسلسل يعالج محطات مهمة، ولحظات مؤثرة في التاريخ العربي بطريقة صريحة. وسيستند المسلسل الى معلومات وتفاصيل تزودنا بها ابنة الراحل هدى عبدالناصر المسؤولة عن كل ما يتعلق بالزعيم الراحل اعلامياً، فهي تقرأ الحلقات وتزود المؤلف ببعض التفاصيل الحياتية المتعلقة بوالدها، وأسرته، والتي قد لا يعرفها المشاهد العربي، فهي أمور خاصة، ولولا تعاونها لما استطعنا رسم هذه الشخصية ببعدها الانساني والاجتماعي، فهناك تفاصيل كثيرة غير واردة في الأدبيات السياسية التي تحدثت عن عبدالناصر».
يدرك الخطيب أن مثل هذه الأعمال التي تتناول التاريخ القريب، والذي لا يزال بعض رموزها يعيش بيننا، ستكون عرضة للنقد والمساءلة، لذا يقول: «لسنا متوهمين بأننا سننجز عملاً ينال رضا الجميع، خصوصاً أولئك الذين عاصروا عبدالناصر وعملوا معه. ومثلما سيحظى العمل برضى الكثيرين، فإنه سيجد الكثير من الانتقاد والاعتراض، وهذا أمر طبيعي لدى مقاربة شخصية اشكالية مثل عبدالناصر، وقد حدث ذلك في مسلسل نزار قباني، إذ ظهر الكثير من الأصوات التي عارضت ما قدمه المسلسل. لا يمكن، بأي حال، انجاز عمل يرضي الجميع، وهذا ليس هدفي على كل حال. أنا سأحاول قدر الإمكان، وبالاستناد الى الحقائق التاريخية، أن اقدم هذه الشخصية بسلبياتها وايجابياتها».
وشكا الخطيب من ندرة المادة الوثائقية البصرية، «فكل المشاهد واللقطات التي تتعلق بالأحداث التاريخية التي عاصرها عبدالناصر، وشارك في صنعها، وظفت مرات في البرامج والأفلام، حتى حفظناها عن ظهر قلب، لذلك سنسعى الى ايجاد معادل درامي بصري، مواز لكل تلك الأحداث، وقد يكون لهذا الأسلوب التأثير الأقوى، باستثناء بعض الأحداث التي لا يمكن أن تجد حلولاً بصرية لها، مثل تشييع الجنازة، لذلك سنستعين، عندئذ، بالمادة الوثائقية».
وأبدى الخطيب استغرابه مما قيل من أن مخرجاً مصرياً كان اكثر جدارة بإنجاز عمل عن عبدالناصر، مثلما أن مخرجاً سورياً أقدر على انجاز عمل عن شكري القوتلي، قائلاً: «لدي رغبة في الابتعاد عما هو سوري ومصري، فعبدالناصر زعيم عربي، وهو كان رئيساً للشعب السوري فترة الوحدة السورية – المصرية (1958 – 1961) ما يعني السوريين مثلما يعني أي مصري أو عربي». وبعدما قال، في نوع من التحدي، ان «الأمور بنتائجها النهائية»، عبّر الخطيب عن أمنيته في أن يجد مخرجاً مصرياً ينجز عملاً عن يوسف العظمة مثلاً، أو عن القوتلي. «هذا يشعرني بالغبطة، ويكرس منطق التكامل الفني».
وشدد الخطيب، في السياق ذاته: «لا يمكن أن آخذ موقفاً عدائياً من أي مخرج عربي يحقق تجربة فنية خارج حدود بلاده، وأنا سبق أن حققت مسلسل «أسد الجزيرة» عن مؤسس دولة الكويت، واعتبر العمل، في حينه، من افضل الإنتاجات على الصعيد العربي»، ودعا الخطيب الى الخروج من «الحيز الجغرافي الضيق، والى العمل بتعاون وتكامل»، منوهاً بموقف بعض اصدقائه المصريين «مثل الفنان نور شريف، وكمال رمزي، وسمير فريد، وماجدة موريس... فهؤلاء يرحبون بأي تواصل أو تعاون فني ليس فقط بين سوريا ومصر بل بين مختلف الدول العربية».
وأسهب الخطيب في شرح موقفه، إذ أشار الى ان عدداً كبيراً من التجارب الفنية «تناقض فكرة الحيز الجغرافي الضيق. هذا كلام معيب ولا يليق بأي فنان ان يتحدث بهذا المستوى، وثمة تجارب سينمائية حققها مخرجون من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا عن أهوال الحرب العالمية الثانية، خصوصاً ما جرى في الاتحاد السوفياتي السابق، وهم لا يربطهم شيء به لا على صعيد الجغرافيا أو اللغة أو التاريخ... ومع ذلك قدموا أعمالاً مؤثرة تضاهي في عمق معالجتها ورؤيتها تلك الأفلام التي أنجزها المخرجون الروس أنفسهم».
وتابع الخطيب بأن «نجاح أي عمل فني يعتمد على النص الجيد، والإنتاج القوي، والمخرج المبدع»، لافتاً الى ان الجهة الإنتاجية «يجب أن تتمتع برؤية فنية، فلا يمكن لأي منتج أن يغامر بإنتاج عمل ضخم عن عبدالناصر، فجهة الإنتاج لها موقف معين، وهي لا تضع اعتباطياً هذه الموازنة الضخمة، بل تسعى الى تسويق وجهة نظر تؤمن بها، وتلاقي وجهات النظر بين المؤلف والمخرج والمنتج هو الذي يؤدي الى حال نموذجية تقود، بدورها، الى انتاج عمل ناجح».
إبراهيم حاج عبدي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد