جَلْدٌ في السعوديّة: الإعلام الغربي مصابٌ بالصدمة
خلال الأيّام الماضية، بدت وسائل الإعلام الغربية كما لو أنّها اكتشفت للتوّ وجود السعودية على خريطة العالم، إذ تعاطت بنبرة الصدمة والاستغراب مع أيّ معلومة حول الحريات الدينية والاجتماعية في المملكة. هكذا راحت «فوكس نيوز» تسخر من فتوى دينية لشيخ سعودي يحرّم بناء رجل الثلج، فيما اهتمّ موقع «فايس» بنشر فيديو مسرّب، يظهر إعدام امرأة في أحد شوارع مكة، على يد أربعة شرطيين سعوديين.
تركّز الاهتمام على قضيّة الكاتب والناشط السعودي رائف بدوي، بعد تسريب مشاهد لجلده خمسين جلدة قبل أيّام، في أولى مراحل تنفيذ الحكم عليه بألف جلدة. وكان قد حكم على بدوي أيضاً بالسجن عشر سنوات، بعد إدانته بتهمة «الإساءة للإسلام».
وجدت القنوات العالمية في قضيّة الناشط السعودي بوابةً ملائمة لمراجعة علاقة الولايات المتحدة بحليفها التاريخي السعودي، وربط كل ذلك بالهجوم على «شارلي إيبدو». تسأل «سي أن أن» إن كانت السعودية «اشترت صمت» العالم حول إساءاتها في مجال حقوق الإنسان. وعلى شاشة «بي بي سي»، يلحظ برنامج «نيوز نايت» أنّ الحكومات الغربية تجد صعوبة في انتقاد السعودية علناً، بسبب قيمة عقود السلاح بين الجانبين. كما تنشر «ذا اندبندنت» مقالاً شديد اللهجة بعنوان «السعودية: تاريخ من النفاق نختار تجاهله»، بتوقيع روبرت فيسك. يستعرض المقال تاريخ الحركة الوهابية ويقارن بينها وبين ممارسات «داعش». «اليوم يرغب، الأميركيون والأوروبيون، في رسم خطّ فاصل بين السعوديين المعتدلين الموالين للغرب والمالكين للنفط، والذين تمت الإشادة باستنكارهم «الهجوم الإرهابي الجبان في باريس»، وبين أصدقائهم الوهابيين الذين يقومون بقطع رؤوس اللصوص وتجار المخدرات بعد محاكمات جائرة، ويُعذّبون الأقليات المسلمة الشيعية، ويجلدون الصحافيين المتمردين». ويستطرد الكاتب: «الوهابيون السعوديون، أيضاً، يذرفون دموع التماسيح على قتل رسامي الكاريكاتور في «شارلي ايبدو» الذين سخروا من دينهم، في حين يتعاطفون مع الأصوليين في سوريا والعراق وأفغانستان».
على الضفّة الموازية، تختار الحملة التضامنيّة مع رائف بدوي، «مخاطبة الغرب بلغته». هكذا أعادت بعض وسائل الإعلام بثّ رسالة مصوّرة نشرتها «منظّمة العفو الدوليّة» على «يوتيوب» في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، يتحدّث فيها الطفل «دودي» إلى والده المعتقل (3:40 د.). يسأل الابن: «لماذا أنت في السجن يا أبي؟ أسأل نفسي ذلك السؤال كل يوم. أصحيح أن ذلك بسبب إنشائك موقعاً إلكترونياً يشجع على الحوار السياسي والاجتماعي؟». يتحدّث الطفل الفرنسيّة كمن يتمّ تلقينه لغة وعبارات لا تتوافق مع سنّه، ما يُضعف من رسالة الشريط. يظهر الفيديو حياة العائلة اللاجئة في كندا، وينقل مشاعر طفلٍ يشتاق لوالده ويضع خطة مع أخواته الصغيرات لتهريبه من السجن. لكن البشرة السمراء الجميلة للأطفال، تبدو كأنّها التفصيل الوحيد غير المفتعَل في الفيديو الموجّه لمخاطبة الرأي العام الغربي أوّلاً وأخيراً.
ذلك الاهتمام المستجدّ بقضيّة رائف بدوي، يدعو إلى السؤال عن سبب تلك الصحوة المفاجئة لوسائل الإعلام الغربية حول وضع الحريّات في السعودية. هل كان سيحظى بذلك الاهتمام لو أنه أنشأ موقعاً يطالب بتأميم شركات النفط السعودية مثلاً؟ غالباً لا. ومع ذلك يبقى توقيت الاهتمام المكثّف بالأخبار «المقلقة» الواردة من مملكة النفط أمراً مثيراً للجدل، ولا يمكن قراءته بمعزل عن كل ما يحدث في فصام الحرب ضدّ الإرهاب. والأهمّ هو تلمّس وجود توجّه إعلامي، بدأ مع الهجوم على «شارلي إيبدو»، ويستمرّ الآن مع قضية رائف بدوي، مفاده الانطلاق من شعور بالدونيّة، والاعتذار المتكرِّر من الغرب على إقلاق راحته لكون البلدان العربيّة هي مصدر كلّ التخلف والتعصّب والشرور.
نور أبو فراج
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد