حول إشكاليات العلمانية في سورية: قضية النائب نبيل صالح
عواطف العلي: التحامل والتحالف البرلماني السوري، ضد شخص النائب نبيل صالح ومطالبة البعض برفع الحصانة عنه بتهمة التطرف العلماني لرفعه شعار العلمانية ” الدين لله والوطن للجميع”.هل باتت العلمانية تهمة أم أن الجرم في قوله “لا للإسلام السياسي” ؟! هذا المجلس الذي أقر باحتضان بذور التطرف الإرهابي ومنحهم الجنسية السورية هو ذات المجلس الذي لم يعترض على عودة المتطرفين الإرهابيين إلى حضن الوطن ، بل إنهم هم المعززين ومن حاربوهم هم المهملين ، فهل التطرف العلماني أخطر من التطرف الإرهابي ؟!. لعهد قريب كنا نعيش عصر السلام والتسامح ولم يكن للطائفية من وجود يُذكر على الرغم من اختلافاتنا الدينية والمذهبية والطائفية. فهذه الظاهرة الأصولية الدخيلة على مجتمعنا، لا يمكن أن تدوم طويلاً. ولكن ينبغي أن نعلم أن الإسلام لم يمر في مرحلة الغربلة التنويرية التي مرت بها المسيحية الأوروبية، لهذا فإن الصيغة الأصولية التكفيرية المتحجرة للتدين عبرت إلينا من خلال الدخلاء الذين زرعتهم الأيادي الخفية وهيمنت على العقول الفتية من خلال عملائها وستظل تعبر طالما تراثنا الإسلامي لم يخضع لمنهجية النقد التاريخي التي خضع لها التراث المسيحي، والتي قاومها رجال الدين المسيحيون طيلة ثلاثمائة سنة متواصلة، من أيام سبينوزا إلى وقت انعقاد المجمع الكنسي اللاهوتي التحريري المدعو بالفاتيكان الثاني عام 1962 – 1965.المذهبية الكاثوليكية – البروتستانتية التي سحقت بعضها بعضا في أوربا بداية القرن السادس عشر، لا تختلف في شيء عن الحروب المذهبية السنية - الشيعية التي تكتسح الوطن العربي حاليًا، والفارق الوحيد هو أن الأولى حصلت قبل حوالي أربعمائة عام بينما تحصل الثانية في عهدنا بداية القرن الحادي والعشرين، وهي فقط مسافة التفاوت الزمني بين الإسلام والمسيحية الأوربية.
التدين الذي سيطر على حياتنا بدءًا من مناهج التعليم في المدرسة الإبتدائية إلى الجامعات، ومن الجوامع إلى الفضائيات سعيآ لإغراقنا في ظلاميات القرون الوسطى وعقليات العصور الغابرة، فهل ننتظر العاصفة لنتدارك السفينة ؟ شراسة المرحلة وخطورتها تتطلب العقل وليس النقل، العقل الذي يؤسس لمجتمع أكثر حرية وأكثر وإنسانية. “الله لا يمكن أن يعطينا عقولاً ويعطينا شرائع مخالفة لها “ كذلك قال إبن رشد، فالنصوص المقدسة غير الملزمة بتقديم الأجوبة القائمة على العقل والتجربة، تُهزم بالعلم والمعرفة، وإن إعادة الإعمار عماده الفتوحات الفكرية وليست الفتوحات الدينية، وأهمها الأخلاق والروح الإنسانية الأساسية للتخطيط والتطويرالمجتمعي ، وهذا ما تسعى إليه العلمانية في بناء المجتمع السوري ، ولكن مستحيل لحامل مشعل الحقيقة ألا يصاب ببعض الحروق.
تعقيب من عادل سمارة: نعم الدين لله والوطن للجميع باستثناء من قاتل الوطن، من مارس الاستغلال والنهب والفساد، من اتجه لتركيا أو خليج النفط او الكيان أو الغرب – المرضى بالذكورة – النس/ذكوريات وغيرهن.. تذكرت وأنا أتابع لُماماً الهجمة ضد النائب نبيل الصالح، قصف الاستعمار الفرنسي للبرلمان السوري، هذا هو قصف أخطر وأشد. قد لا يكون ما يجري من الغرابة في مكان لأنه بدأ منذ ان غادرت سوريا التوجه الاشتراكي لصالح السوق الاجتماعي، كطريق ليكون الوطن للقلة. كان للمرء أن يتوقع بعد حرب قوى الدين السياسي على سوريا أن لا يكون هؤلاء في البرلمان. لكن المال السياسي هو دائما في خدمة الدين السياسي. وهذا يعني وجوب البحث كيف وصل هؤلاء إلى البرلمان؟ دائما، إبحث في حياة كل شخص (هو/هي) كيف يعيش وما مصدر عيشه. كان هذا سؤالي لأهل الأنجزة والتطبيع في فلسطين المحتلة، لكن يبدو أنه قابل للتعميم في سوريا والوطن العربي. ومن جهة ثانية، انظروا أين يقع الفقر والوحشية الدموىة وأين يقع الوعي واحترام الآخر؟ هل هناك بلد تحكمه انظمة وقوى الدين السياسي وبه اية درجة من التقدم؟ بل هل يحافظ حتى على تماسكه الجغرافي؟ لا يمكن لذي بصر وبصيرة أن لا يدرك أن هذه الهجمة هي دفاع قوى الدين السياسي عن السيطرة التي تسنت لها في غفلة وسقطة من التاريخ، لذا سيقاتلونا حتى بالصهيونية. فهل يمكن لمن غطت لحاهم وعمائمهم العثمانية الشاشات وأفتوا ضد العروبة والعلمانية ووصلت فتاواهم إلى هدم الأهرام ومضاجعة الوداع أن يتخلوا عن عرشهم هذا ببساطة؟ لا فآيديولوجيا الدين السياسي هي وطنهم وليس وطنهم الوطن. وإلا ما معنى الدعوة للخلافة العثمانية العدو الأقدم والمتجدد؟
لو توجه النائب نبيل الصالح إلى جميع من يرفعون راية الإسلام ليقوم كل منهم بتعريف أية قضية في الدين لأعطى كل واحد إجابة لا تتطابق مع إجابة الآخر. لذا، يكون الدين لله، أما على الأرض، فالوطن لمن يعمل ويقاتل حماية له. أي ليس الوطن للجميع. يشعر المرء بشديد القلق على سوريا اليوم أكثر حتى من بداية العدوان. وذلك لأن تفشي الدين السياسي المرتبط بالضرورة بالثورة المضادة ( هندسة امريكية، ومال سياسي نفطي تركي، ونتائج لصالح الكيان الصهيوني ) إلى جانب تدمير مواقع الإنتاج في سوريا يجعل البلد ذو قابلية خطيرة لسيطرة قوى الدين السياسي، فالمليارات التي تحدث عنها وزير خارجية قطر السابق، هي قطرة مقابل ما يتم وسيتم دفعه الآن رشاوى للبشر والتراب. والجوع ابو الكفر طبعاً.
ما أقصده بان تصالح الصراع الديني السياسي في أوروبا كان نتيجة رسملة الدين والثقافة الدينية، إخضاع الدين لراس المال لمواقع الإنتاج. وعليه، أصبح في أوروبا ما يخاف عليه المواطن ويحرص على عدم تدميره، فصار الدين السياسيي هناك ذو شقين: 1- شق محلي طقوسي حرصا على البلد 2- شق استعماري عدواني خارجي لأن راس المال عدواني وحشي بطبيعته. وهكذا الكيان الصهيوني الإشكنازي، مذاهب دينية شتى جميعها في خدمة الكيان، لا تقاتل الملحد ولا الشيوعي . حتى في إيران، قوى الدين السياسي في خدمة الوطن والقومية، وطبعا كذلك في تركيا. فقط في الوطن العربي هذه القوى ضد الوطن!! ترى من هو معلمهم؟ حضرت مؤتمرا إسلامويا في لندن 1985 حيث تسربت إلى هناك بالقوة، لم اسمع أي رجل دين من أية قومية يشتم قوميته سوى رجال الدين السياسي العرب وشاركهم الجميع، فسألت: لماذا الهجوم فقط على القومية العربية؟ لا جواب!
أعود إلى الاقتصاد، أما وقد خسرت سوريا كثيرا من قاعدتها الصناعية الزراعية الإنتاجية، فالوضع هش إذن، وهذا هو خطر قوى الدين السياسي. لم أكن بعثيا في يوم ما، ولكنني اعتقد ان تجديد البعث على أرضية الموقف العروبي الاشتراكي وحده المطلوب اليوم. ولنتذكر جميعا أن كافة هذه العمائم واللحى لم تنتعش إلا بعد تراجع المشروع القومي العروبي منذ هزيمة 1967، وتخاذل كثير من القوميين والشيوعيين عن مواصلة المسيرة رغم الجراح مما أحدث فراغا هائلا في المجتمع العربي افقدنا الشارع لصالح انظمة وقوى الدين السياسي. ولن يتم استرداد الشارع دون الوقوف في وجه المال والدين السياسي. وهنا يجب ان تتحرك المرأة السورية غير الداعشية، لأن هؤلاء يبشرون باحتلال نصف المجتمع لنصفه الآخر. احتلال الذكور للإناث.
المصدر: نشرة كنعان الإلكترونية
إضافة تعليق جديد