دفنوا 400 مليوناً في ماء النهر

11-02-2007

دفنوا 400 مليوناً في ماء النهر

عندما تم تنفيذ مشروع تحسين الفرع الصغير لنهرالفرا ت بديرالزور في منتصف الثمانينات كان الهدف منه التحكم بغزارة تدفق مياه النهر وتشذيب حوافه مع ترك مساحات يمكن إقامة مشاريع متنزهات وحدائق ترفيهية صغيرة فيها بحيث تعطي جمالية للنهر ومن ثم للمدينة وتكون متنفساً للأهالي يقضون فيه أوقاتهم وخاصة في فصل الصيف الحار جداً, ولكن ماحصل أن المشروع لم يحقق أي هدف من أهدافه, فتدفق المياه غالباً يكون عشوائياً خلال فيضان النهر حيث المياه تغمر الجدران الاستنادية للسرير وبالتالي تغرق جميع المساحات الشاغرة كون المياه تعود عن طريق المصب بعكس جريان النهر وتصبح هنا عمليات التحكم بالغزارة من البوابات الرئيسية في رأس الكسر غير مجدية, أما المواقع المتروكة على الحواف فلم تكن أكثر من أماكن لمكبات القمامة وبقايا مخلفات الأبنية السكنية وبعض المنشآت المطلة على النهر..‏

لو عدنا إلى بدايات المشروع نجد أن مجرد التفكير به لايتجاوز حدود الاحجية ويبدو أن المسؤولين عنه أرادوا كسب التحدي في المثل القائل( روح بلّط البحر) فقاموا( بتبليط) النهر منفقين آنذاك على هذا المشروع الذي لايمكن وصفه إلا( بالخزعبلة) أكثر من 400 مليون ليرة سورية, وهنا وكأن مدينة ديرالزور في ذلك الوقت كانت في أحسن حالاتها خدمياً وتنموياً ولا ينقصها سوى تبليط النهر وتحويله إلى ساقية آسنة باعتبار أن كثيراً من مجاري الصرف الصحي للمدينة تصب فيها..‏

ولأنه تم تبليط قاع وجوانب فرع النهر الذي يخترق وسط المدينة من غربها إلى شرقها على امتداد نحو 6 كليو مترات, فقد نتج عن ذلك مشكلة خطيرة لم تكن في حسابات الجهابذة الدارسين, حيث ارتفع منسوب المياه الجوفية في عدد من أحياء المدينة وأصبحت أقبية المنازل عرضة للغرق والطوفان ويعود السبب حسب رأي الفنيين والمختصين إلى عمليات التبليط التي سدت جميع منافذ انحدار جيوب المياه الجوفية باتجاه سرير النهر وبالتالي فإن تلك المياه ليس أمامها أي مخرج إلا أن تجد منفذاً آخر أكثر انخفاضاً مثل الأقبية لتخرج منها أو تبقى في تزايد لتعوم المدينة عليها.‏

المشكلات الأخرى التي ظهرت بعد استثمار المشروع لاتقل أهمية عن الأولى, إذ تحول قاع سرير النهر إلى مزرعة للأوساخ ونباتات الزل والطحالب والإشنيات التي بدورها شكلت عائقاً في حركة وجريان مياه النهر ويصعب إزالة هذه النباتات لعدم توفر آليات خاصة بتعزيل مجرى السرير, كما أن الأخطاء في دراسة المناسيب جعلت مياه النهر تجري بشكل عكسي في أوقات الفيضان, وعلى الرغم من المحاولات المتكررة لعدد من الجهات المحلية في المحافظة لتجاوز حالات الخلل وإمكانية تحسين واقع المشروع, فلم تحقق أي جدوى ويبدو أنها كانت عبارة عن حلول ترقيعية لا أكثر بدليل زراعة أسماك الكارب العاشب في النهر لتنظيفه من النباتات التي تنمو بين مفاصل قاع السرير والتي لم تستمر طويلاً وسرعان مافشلت, وكذلك النوافير التي وعدت بوضعها بعض الجهات وسط السرير لتزيين النهر فلم تنجز سوى واحدة منها وكان من الأجدى ألا توضع لكونها بدائية الصنع وتفتقد جميع مواصفات ومزايا النوافير, أما تنظيف جوانب النهر فحدث ولاحرج, فإلقاء الأوساخ والقمامة وبعض المخلفات يتم في وضح النهار وعلى عينك يا مسؤول.‏

الحديث عن الوضع المتردي للنهر سواء في المجالس العامة أو في الاجتماعات الرسمية لاينقطع والجميع يضع اللوم على مجلس مدينة ديرالزور باعتباره المسؤول المباشر عن هذا الواقع, وهنا لو أردنا تحديد المسؤوليات نجد أنها لاتنحصر في البلدية وحدها وإنما في باقي الجهات وعلى رأسها السلطة المحلية وإن كانت المسؤولية الأكبر تقع على عاتق الأولى, فتردي الوضع ليس بمنأى عن تلك الجهات لكونها تعرفه جيداً وتدرك الواجبات المرتبة عليها حيال ذلك وخاصة عندما تعلم علم اليقين أن تجاوز هذا التردي يحتاج إلى دعم كبير وحملات جماعية في العمل تشارك فيه جميع القطاعات وفي مقدمتها السيد محافظ دير الزور, ولا أحد ينكر أن البلدية مقصرة كثيراً في هذا الجانب وجميع التبريرات التي تتلطى بها لم تكن أكثر من محاولة للهروب والتنصل من المسؤولية.‏

حين حاولت بعض الجهات أن تساهم في إنقاذ الحال من خلال إقامة مشروعات ترفيهية صغيرة على جوانب السرير بغية إزالة المناظر السيئة للأوساخ التي تلقى في تلك المواقع واجهت إجراءات معقدة وتعنتاً غيرمسبوق من البلدية وهذا مايجعل عدداً كبيراً من الجهات تعزف عن المشاركة وكلنا يتذكر ماحصل مع جمعية أصدقاء البيئة عندما طلبت من البلدية تحديد موقع لها على جوانب سرير النهر لإقامة حديقة بيئية حيث لقت من القائمين على مجلس المدينة مالم يكن في حسبانها ومالم تتوقعه, ولولا تدخل بعض المسؤولين لما حصلت الجمعية على الموقع وأقامت فيه الحديقة التي تعد انموذجا يحتذى به لمشروعات اخرى منتظرة ولنتذكر أيضا ما حصل مع صاحب منشأة مجمع وفندق السعيد السياحي عندما ردت البلدية طلبه لرعاية الأشجار المزروعة في الجزيرة المقابلة للمجمع والاهتمام بها وهنا نتساءل بغرابة اذا كانت البلدية عاجزة عن فعل شيء فلماذا لا تفسح المجال أمام الآخرين ليكونوا بمثابة مؤازرة لها في الأوقات الحالكة?! ولماذا لا يكون تدخل السلطة فاعلاً في مثل هذه الحالات والتي من شأنها أن تسهم في تغيير الواقع للأفضل؟!‏

إن واقع نهر الفرات- الفرع الصغير لم يعد يحتمل الإهمال واللامبالاة والتبريرات التي يطلقها المسؤولون في المحافظة وبامتياز كون الحال يتعدى حدود الكارثي وخاصة عندما تنفق مئات الملايين من الليرات على مشروع لم نحصد منه سوى الفشل وخيبات الأمل وما يتطلب الآن أن نعيد الحسابات بشكل آخر لنتجاوز حالات الخلل التي تحصل ونحقق ما يمكن فعله في عمليات التحسين بحيث ينعكس ذلك على المدينة والمواطن فهل نكسب الفرصة قبل أن يتداركنا الزمن أم نستمر في لا مبالاتنا ونخسر أكثر مما استنفزناه لننتظر ماذا ستفعلون ياسادة يا مسؤولين!!‏

المصدر: الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...