دمشق مازالت تبهر الغربيين
«في الشام أعرف من أنا وسط الزحام/ هناك أرض الحلم عالية، ولكن السماء تسير عارية/ وتسكن بين أهل الشام...». لم يكن الشاعر محمود درويش الوحيد الذي ألهمته دمشق ليقول فيها الكثير. عاصمة الأمويين، أو «الشام»، تلك المدينة التي بدأت تختنق من كثرة أحلام الهجرة المؤجلة، لا تزال تمثل حضناً يجدُ فيه الغرباء ما يستحقّ العيش والحلم. ويجدون ما ينسيهم قسوة مصطلح «العالم الثالث». هذه المدينة لا تزال محط إلهام للكثيرين من زوارها الأجانب، خصوصاً الطلاب. فهؤلاء لن يجدوا مكاناً أفضل من «الفيحاء» السورية عوناً لهم على تسلمهم مفاتيح لغة الضاد.
لم تخفِ لورا دماتيريو (إيطالية تدرس القرآن الكريم والعلوم الإسلامية)، أن دمشق مدينة غريبة تختلف كثيراً عن بلادها، وأغرب ما فيها «العلاقة المتناقضة التي يعيشها الرجل هنا. فغالباً ليس لديه مشكلة في إقامة علاقات عاطفية مع الفتيات، لكنه يمنع أخته من ذلك ويرهبها إن حاولت».
لكن مواطنتها ماري لوران التي تدرس اللغة العربية منذ ثمانية أشهر، ترى أن الخلل في العلاقات لا يتوقف على طريقة الرجل في التفكير، بل يتعداها إلى الجنس الآخر. يثير استغرابها أن «العلاقة بين الجنسين غير مفهومة وغير واضحة ويشوبها كثير من الارتباك الاجتماعي».
ينظر جو آرثر، الذي يدرس العلوم السياسية في بريطانيا، إلى المسألة من زاوية أخرى. هو الآن في دمشق من أجل دراسة اللغة العربية، ويؤكد مدى تطور دور المرأة في سورية، خصوصاً في دمشق التي زارها قبل خمس سنوات. يرى جو أن هناك فارقاً واضحاً بين «نساء التسعينات ونساء الألفية الثالثة»، لجهة مدى تفهّم المجتمع لحرية المرأة في إبداء آرائها الاجتماعية والثقافية.
أما ألفي موريس الذي لا يتنقل إلا بواسطة الدراجة الهوائية لأنه يكره السيارات وأصواتها المزعجة، فإن أول كلمة تعلمها عندما جاء إلى دمشق هي: «ما في مشكلة».
قدم موريس إلى دمشق منذ بضعة أسابيع، وجال على المحافظات السورية بالدراجة الهوائية، حتى أنه جاء إلى سورية، عبر تركيا، بالطريقة ذاتها، يقول: «أتعلم اللغة العربية لتكون لغة تواصل مع أصدقائي العرب، كنت قد سمعت عن دمشق بواسطة وسائل الإعلام في بلدي سويسرا، لكنها لم تنقل الصورة الصحيحة عنها، لأن الشعب السوري شعب ودود جداً»، إضافة إلى أن دمشق «تضم تنوعاً من الأديان والجنسيات والأمزجة المختلفة».
«لفت نظري وجود باب المسجد أمام باب الكنيسة في ساحة النجمة»، تقول الأميركية لونا ستيفن (31 سنة)، التي تدرس اللغة العربية منذ 10 أشهر، معربة عن إعجابها بـ «مبدأ التسامح الديني في سورية، والتعايش الإسلامي - المسيحي، خصوصاً أن حالات الزواج بين دين وآخر أصبحت منتشرة نوعاً ما في المجتمع السوري».
لكن كاثي ماريو، الكوبية التي تدرس اللغة العربية باهتمام شخصي، لا تخفِ استغرابها من الوضع الاقتصادي في سورية: «لا أعتقد بأنني سأتّهم بالمبالغة إن قلت أن سورية فيها الشيء الكثير من كوبا، لأن متوسط دخل الفرد فيها متدنٍ مقارنةً مع ارتفاع الأسعار. بصراحة كثيراً ما أتساءل: كيف يعيش المواطن السوري؟».
الأميركي جورج ستيفن (31 سنة) كان متفائلاً، على عكس كاثي. فقد أعجب بمسألة التعليم الجامعي شبه المجاني في سورية، إضافة إلى اعتباره أن الشعب السوري ذو طبيعة «ودودة و مضيافة». كما تفاجأ بوجود «الانفتاح الاجتماعي» في سورية، معتبراً أن الإعلام الغربي «يعتّم» عليه. لكنه، في المقابل، سيبقى يكره في دمشق «زحمة المرور وتلوث الجو». في حين أن أحمد كريز خان، باكستاني يعدّ بحثاً عن نظام الاتصالات في سورية، كانت آراؤه مقتصرة على مجال دراسته. يركّز في حديثه على «تعقيد نظام الاتصالات»، لكن ما أثار إعجابه، هو محاولة تطوير القوانين والأنظمة، مبدياً استغرابه من كثرة الكفاءات الجامعية في سورية، في مقابل ندرة فرص العمل في مثل هذا «البلد النامي».
أما خالدية الصمدي الإيرانية التي تدرس في كلية الآداب، فتركز على مسألة مختلفة تماماً. ففي رأيها ان «هناك أهمية كبيرة للمعالم الأثرية، خصوصاً في منطقة دمشق القديمة»، لكنها تلاحظ في مقابل «الغنى السياحي» ما تعتبره «ضعفاً في الإعلام السياحي، وقلة العناية بالآثار».
لينا العبد
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد