سد الموصل: بين جدّية التحذيرات.. والابتزاز المالي والسياسي!
يُعَدّ سد الموصل من أهم السدود في العالم، وثاني أكبرها في منطقة الشرق الأوسط، من حيث قدرته الاستيعابية وموقعه الاستراتيجي، إذ إنه يضبط حركة المياه في نهر دجلة الذي يمرّ في العراق من الشمال إلى الجنوب، وخصوصاً في بغداد.
ويعاني هذا السد من إشكالية رافقته منذ اللحظات الأولى لإنشائه، إذ تتعرّض قواعده وأساساته لعملية تآكل تحتاج إلى حقن مستمر بالإسمنت الخاص، وهذا ما دأبت عليه إدارة السد منذ عشرات السنين.
لكن الحدث البارز الذي طرأ على تركيبته وبنيانه، يتمثل في التضارب الحاد بين الآراء الفنية حول مستقبله وقدرته على الصمود، وإمكانية انهياره، أو على الأقل حدوث تشققات كبيرة فيه، الأمر الذي يعني في حال انهياره غرق مدينة الموصل ومدن عدة أخرى، وربما يصل الخطر إلى بغداد.
الخبراء الفنيون العراقيون ووزارة الموارد المائية يؤكدون سلامة وضع السد، وعدم وجود خطر كبير يُحدق به، بينما يُصرُّ الأميركيون على أنه مهدَّد بالانهيار ويهدد بكارثة كبيرة، وهذا الجدل يخرج من حدوده الفنية إلى ساحة الابتزاز والتوظيف السياسي.
جهود محلية وأفكار عالمية ومخاطر وتحديات تقنية تحتاج إلى الوقوف الجاد والمطمئن إلى حدودها ومداها.
وأشار النائب عضو لجنة الخدمات النيابية بيستون زنكنه، إلى أن «وزير الموارد المائية، وأثناء لقاء معه، أعلن أنه يتمّ التهويل بموضوع انهيار السد سياسياً من قبل وسائل الإعلام، وخاصة العراقية، ولكن التهويل الكبير والمثير للجدل ظهر في وسائل الإعلام العالمية، وتحديداً الأميركية، وهذا شبيه بما حصل بين العامين 2007 و2011 من جهة التهويل الإعلامي والاستغلال السياسي.
وأضاف زنكنه أن «الوزير أكد أن مسألة انهيار السد غير واردة، لا سيما وأنه تمّ تشكيل لجنة من خبراء ومعنيين في السدود لدراسة وضعه من الناحية التقنية، كما أن المياه التي تتسرّب منه ليست بالكمية الكبيرة التي تحدّث عنها الإعلام، وعلاوة على ذلك، كان يتم حقن السد في السابق بكميات من الاسمنت الجيد بمقدار 500 طن سنوياً، والآن تمت زيادة الكمية لتصل إلى ألفي طن.
وأوضح زنكنه أن «هناك عواقب خطيرة في حال انهيار السد، فهو سيدمّر محافظة الموصل بالكامل، و70 في المئة من محافظة صلاح الدين، ويصل ارتفاع الماء في العاصمة بغداد إلى ثمانية أمتار». وشدّد «على عدم إدراج الموضوع تحت عنوان ينهار السد أو لا ينهار. المسألة بحت تقنية»، بالإضافة إلى أن «الضغوط الشعبية والإعلامية التي يتعرّض لها (رئيس الحكومة حيدر) العبادي دفعته الى اللجوء إلى الشركة الإيطالية تيفي، وتوقيع العقد المعروف وقيمته 200 مليون دولار، وهذا المبلغ لا يكفي لإصلاح كل الضرر».
بدورها، النائب عن «دولة القانون»، المنضوية في «التحالف الوطني»، عالية نصيف أبدت تخوفها من انهيار السد، مشيرة إلى «الآراء المتناقضة حوله من حيث الناحية التقنية». وأبدت خشية واضحة من التحذيرات الأميركية حول وضع السد، معتبرة أن «من بين أهدافها الضغط على رئيس الحكومة لاستثمار الأموال في عملية تحصين السد».
ورأت أن «ملف (سد) الموصل ليس بتلك الخطورة التي هوّل بها الإعلام الأميركي في حال انهار السد. فليس هناك من خطر حقيقي، لاسيما وأن غالبية سدود العالم تحقن بالمواد اللازمة وتبقى ديموميتها. وهذا ما جاء على لسان المدراء والمختصين في مجلس محافظة الموصل».
ودعت إلى «تسليم ملف ترميم الموصل إلى شركات رصينة لا تقبل الرشوة، لكون المسؤولية لا تقع على عاتق أي طرف سياسي أو خارجي، وإنما المسؤولية المباشرة تقع على عاتق العبادي، وعليه أن يتحمّلها أمام الشعب العراقي والتاريخ».
من جهته، النائب عن «الحزب الديموقراطي الكردستاني» في محافظة الموصل ماجد شنكالي كان له رأي مخالف، فهو يعتبر أن «هناك خطورة حقيقية من انهيار السد»، مشيراً إلى أنه «لو لم تكن هناك كارثة محدقة من انهياره لما كانت كابوساً لرئيس أكبر دولة في العالم». وقال إن «واشنطن طرحت الموضوع لأنها أمام قضية إنسانية وأخلاقية، وكونها هي مَن حرَّر العراق في العام 2003».
وأكد شنكالي، أن «سد الموصل منذ بداية إنشائه في الثمانينيات، وهو يعاني من مشاكل، لأن بناءه تم على ارض جبسية قابلة للتشقق، وهو بحاجة وبشكل يومي إلى عملية تحشية أو حقن بالاسمنت الخاص. لهذا عمد النظام السابق بالشروع في بناء سد بادوش كسد مساند لسد الموصل. ولكن سد بادوش لم يكتمل بناؤه بسبب الحروب التي خاضها النظام السابق».
ودعا شنكالي «وزارة الموارد المائية إلى إعادة تأهيل السد وإصلاح الأضرار فيه، والعمل على بناء سد مساند له، فالخطورة الآن، إذا كانت نسبتها 1 في المئة، فستقلّ كثيراً أو تختفي عند بناء السد الجديد».
الخبير المائي عون عبد ذياب أشار، إلى أنه «لا يمكن لأي خبير أن يقدّم تطمينات بأن السد سينهار أو لا ينهار، لكون المشكلة موجودة منذ إنشائه، وقد أوصى مستشار سويسري في ذلك الوقت باستمرار أعمال الحقن منذ البداية. ودأبت وزارة الموارد (المائية) منذ ذلك الحين على مواصلة العملية».
وأضاف أن «حقن السد توقف لبعض الوقت بعد سيطرة داعش عليه، ولكن بعد تحريره تمّ فحص أنفاق التحشية بصورة دقيقة، وعملية الحقن مستمرة بواسطة الكادر العراقي. أما الشركة الإيطالية فهي شركة متخصصة بهذا العمل، كما أن هناك تقنيات جديدة تجب الاستفادة منها من خلال تدريب الكادر العراقي، لأن انهياره يعني وقوع كارثة كبرى».
سد الموصل
تم بناء سد الموصل بين العامين 1980 و1984، من قبل شركة ألمانية - إيطالية مشتركة، على بعد 30 كيلومتراً شمال غرب مدينة الموصل، وتم تدشينه في العام 1986.
ويبلغ ارتفاع السد 113 متراً، وطوله 3.4 كيلومترات، وتطلّب إنشاؤه نحو 37.7 مليون متر مكعب من المواد، معظمها استُخدم من الخرسانة والتربة.
وقدرت الشركة عمره بنحو 80 عاماً. ولعل أبرز الأسباب التي فاقمت مشكلة السد وصموده أنه أنشئ في الأساس على تربة قابلة للذوبان، وتحتاج إلى التدعيم بشكل متواصل من أجل تعزيزه ومنع انهياره، الذي قد يدفع المياه، التي يبلغ ارتفاعها 20 متراً، باتجاه مدينة الموصل التي تضم نحو 1.7 مليون نسمة. ويتوجب ملء تجاويف السد باستمرار بمادة الجص بكميات قدرت في العام 2007 بمئتي طن سنوياً.
وبحسب دراسة أجراها مفتشون أميركيون، في العام 2007، فقد قدر معدل إنتاج السد بـ750 ميغاواط تكفي لتغطية حاجة 675 ألف منزل. ويخزن السد 12 مليار متر مكعب من المياه لأغراض الشرب والزراعة لجميع أنحاء محافظة نينوى، ويشكل جزءاً من نظام التحكم الإقليمي بالفيضانات.
والمنسوب التشغيلي للسد هو 330 متراً، ويخزن حوالي 12 مليار متر مكعب من المياه، بمساحة 380 كيلومتراً مربعاً .أما المنسوب الأعلى للفيضان في السد فهو338.5 متراً وبحجم 14.53 مليار متر مكعب.
وتكشف دراسة قدمتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في العام 2007 أن بنية السد ليست مستقرة، لأنه شُيّد على الجبس والحجر الجيري الذي يضعف عند تعرضه للماء ويترك تجاويف في الجزء السفلي.
ووضعت تصميمات السد مجموعة من الاستشاريين السويسريين «سويس كونسلتانتس غروب»، ونفذته مجموعة شركات ألمانية ايطالية «غيمود». وتم تعبئة بحيرته في ربيع العام 1985، ومع أول تسرب في تلك الفترة تم حقن ما يصل إلى 50 ألف طن من المواد المثبتة في السد. وفي نهاية الثمانينيات بلغت كمية الحقن في أساسات السد 20 ألف طن، بحجم يقارب 25 ألف متر مكعب.
سعاد الراشد
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد