سعد الله ونوس: تجربة مسكونة بهاجس الكتابة وعشق المسرح
عاش الكاتب المسرحي السوري سعد الله ونوس حياته مسكونا بهاجس الكتابة وعشق المسرح ليصبح رائدا من كبار رواد المسرح العربي لما قدمه من إضافات جديدة لهذا الفن سواء على مستوى التنظير أو المضمون أو المستوى الفني فضلا عن إسهامه بخلق مسرح جديد مختلف عن مسرح الخطابة ومتميز بطابعه الوجودي والفلسفي.
ولد سعد الله ونوس سنة 1941 في قرية حصين البحر بالقرب من مدينة طرطوس وهو من أسرة فقيرة عاشت ضائقة مالية وصفها ونوس بأنها سنوات بؤس وجوع وحرمان وعندما التحق بالمدرسة الابتدائية أظهر ضعفاً في مادة التعبير ما جعله يكثر من المطالعة عملاً بنصيحة مدرس اللغة العربية وكان أول كتاب اقتناه هو دمعة وابتسامة لجبران خليل جبران وهو في الثانية عشرة من عمره ثم نمت مجموعة كتبه وتنوعت حتى عشق القراءة وازداد ولعه بها إلى درجة أنه كان يشتري كتبه بالدين.
تابع دراسته الثانوية في طرطوس حيث حصل على الثانوية العامة عام 1959 ثم سافر إلى القاهرة ليتابع دراسته الجامعية في قسم الصحافة بكلية الآداب وحصل على الإجازة عام 1963بدأ في تلك الفترة يمارس الصحافة والكتابة في عدة صحف ومجلات سورية ولبنانية فضلا عن اهتمامه بالمسرح فكتب مسرحيات قصيرة صدرت عن وزارة الثقافة في سورية عام 1965 بكتاب مستقل بعنوان حكايا جوقة التماثيل.
سافر إلى فرنسا عام 1966 وتعرف على المسرح الغربي في فترة تحولاته الأساسية واستطاع أن يستوعب أهم الطروحات الجديدة في تلك المرحلة ويطوعها في أعماله على أرضية المسرح العربي عبر عملية جدلية اعتمدت المزج بينها وبين أشكال وتقاليد الفرجة في تراثنا الثقافي والشعبي ما ساهم في شهرته منذ الستينيات كواحد من أبرز وجوه الحركة الثقافية والمسرحية في العالم العربي.
كما طرح ونوس فكرة تسييس المسرح كبديل عن المسرح السياسي إذ كان مؤمناً بأهمية المسرح في إحداث التغييرات السياسية والاجتماعية في العالم العربي وعمل على خلق مسرح عربي يستهدف تنوير الجمهور وتوعيته بقصد تغيير المجتمع والارتقاء بمسيرته ومن أجرأ مسرحياته السياسية الفيل يا ملك الزمان 1969 والملك هو الملك 1977 و رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة1978.
أما أفكاره عن المسرح والثقافة فصاغها بشكل نظري في كتابين بيانات لمسرح عربي جديد وهوامش ثقافية وتبلورت اهتماماته على المستوى الثقافي في نواح عديدة إذ قام بترجمة جان فيلار إلى العربية وكتب مسرحية عن مؤسس المسرح في سورية بعنوان سهرة مع أبي خليل القباني كما ساهم في ترسيخ أسس لمهرجان مسرحي في دمشق وأسس وترأس تحرير مجلة مسرحية مختصة هي الحياة المسرحية فضلا عن مساهمته بإنشاء معهد لتدريس المسرح في سورية.
صدرت أعماله الكاملة عام 1996 في ثلاثة مجلدات عن دار الأهالي بدمشق وترجمت مسرحياته إلى عدة لغات عالمية كما نشرت وتم عرضها في كثير من الدول العربية والأوروبية ومن أهم مسرحياته الملك هو الملك 1978 و سهرة مع أبي خليل القباني1973 وحفلة سمر من أجل 5 حزيران 1968 وغيرها وكرم سعد الله ونوس في محافل عديدة أهمها مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي ومهرجان قرطاج بتونس عام 1989 وحصل على جائزة سلطان العويس الثقافية في دورتها الأولى.
هكذا كان سعد الله ونوس مقاتلاً بالكلمة وحالماً بالحرية حتى آخر لحظة في حياته حيث ذكرت زوجته فايزة شاويش أنه لم يترك الكتابة والورق والأقلام حتى في أيامه الأخيرة بالمستشفى إلى أن رحل في الخامس عشر من أيار 1997 إثر مرض عضال دام لسنوات إلا أنه لم يزده إلا إصرارا وحلما ومما قاله في تلك اللحظات .. إننا محكومون بالأمل وما يحدث اليوم لا يمكن ان يكون نهاية التاريخ منذ أربعة أعوام وأنا أقاوم السرطان وكانت الكتابة والمسرح بالذات أهم وسائل مقاومتي لأكتب وبصورة محمومة أعمالا مسرحية عديدة.
المصدر: سانا
إضافة تعليق جديد