سلّة عروض من أمير قطر للرئيس الأسد
لم يغادر وزير الخارجية القطري خالد بن محمد العطية، الطائرة التي حطت في مطار بيروت وعلى متنها مخطوفو أعزاز اللبنانيون بعد إطلاق سراحهم. كان محرجاً، من وجهة نظر قطر، التقاط صورة للعطية في المطار اللبناني تظهره كمن «ينظّف» السياسة الخارجية لبلاده من أخطاء سلفه الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني.
فضمن صفقة انتقال الحكم في قطر لمصلحة تحالف الأمير تميم مع آل المسند الممسكين بزمام القرار الأمني وآل العطية الممسكين بمفاصل قرار الخارجية والشؤون السياسية الداخلية، كان هناك تفاهم على عدم «نشر غسيل» المرحلة الماضية من السياسة الخارجية لقطر إزاء سوريا ومصر ولبنان. لكن مساهمة الدوحة في الإفراج عن المخطوفين التسعة، ومواكبة وزير خارجيتها للطائرة التي أقلتهم إلى بيروت، تسمحان بالقول إنهما مثلتا أول بصمة لآل العطية في النهج الجديد تجاه الملفات الخارجية الساخنة.
عرض تميم على الأسد
وثمة استتباعات أبعد أثراً وأكثر عمقاً لهذا التغيير القطري تجاه الملف السوري. وبحسب معلومات متقاطعة، فقد جسّت قطر، في الأسابيع الأخيرة، وبالتزامن مع دورها في إنهاء ملف مخطوفي أعزاز، نبض دمشق في شأن تصحيح العلاقة معها. واعتمدت لتحقيق هذا الهدف أكثر من قناة، حفلت كل منها بنوعية معينة من «العروض» التي أرسلتها الدوحة إلى العاصمة السورية. وتزامنت هذه الرسائل مع ما يمكن تسميته «بادرات حسن نية من طرف واحد»، كان أبرزها سحب الدوحة أخيرا يدها من لعبة الضغوط التي مارستها لأشهر على الليرة السورية، إلى جانب دول خليجية أخرى، وبالتواطؤ مع أوساط لبنانية.
وتؤكد مصادر خليجية أن نقطة الذروة في مسعى الحكم القطري الجديد لطيّ صفحة العداء للنظام السوري، حدثت نهايات الشهر الجاري بالتزامن مع إعلان الدور القطري في إنهاء ملف مخطوفي أعزاز ، وتمثلت في «سلة عروض» للرئيس بشار الأسد مباشرة من الأمير تميم بن حمد آل ثاني، وتضمّنت أساساً نقطتين اثنتين هما: أولاً، استعداد الدوحة لوقف الحملة الإعلامية التي تشنّها قناة «الجزيرة» على النظام، وثانياً التعهد بتمويل عملية إعادة إعمار في سوريا، إضافة إلى التعهد بعدم إقدام الدوحة بعد الآن على ما يضر بالأمن المالي السوري.
وكشفت المصادر نفسها أن الرئيس الأسد قارب مبادرات انفتاح الحكم الجديد في قطر بشيء من التأني المشوب بالكثير من الحذر. وهو ردّد أمام حاملي الرسائل القطرية أن ممارسات الدوحة في سوريا بالعامين الماضيين أراقت دماءً سورية، وبناءً عليه، مشكلة قطر ليست فقط مع الدولة، بل مع الشعب السوري أساساً.
ومن وجهة نظر هذه المصادر، فإن عبارة «شكراً قطر» التي شكلت عنواناً لمرحلة علاقات الدوحة بكل من حزب الله وسوريا خلال مرحلة ما قبل اندلاع الأزمة السورية، ليست سهلة إعادة تسويقها، رغم السخاء الذي يبديه الأمير تميم في عروضه، كمقابل لإعادة عقارب ساعة العلاقات القطرية السورية إلى ما قبل عام ٢٠١١. فالسوريون مصرون على أخذ مجموعة أمور في الاعتبار لدى تقويمهم لعلاقتهم المستقبلية بالدوحة، منها أنه لا يمكن دمشق التعامل مع ما قامت به قطر طوال الأزمة على أنه سحابة عابرة يمكن نسيانها بسهولة. وتلفت المصادر إلى أن قطر حفرت هوة سحيقة مع الشعب السوري، يحتاج ردمها إلى ما هو أكثر من قرار سياسي بتصحيح العلاقة. فلقد مول القطريون مسلحين يتحركون وفق خطط إرهابية، وشنت «الجزيرة» حملة إعلامية استهدفت قتل الشخصية الوطنية السورية.
بصمة العطية في موسكو
وترى المصادر المطلعة على التوجهات القطرية الجديدة والمواكبة لحراكها الدبلوماسي، ان زيارة العطية الحالية لمصر تأتي أيضاً في اطار رغبته في تظهير ما بات يسمى في الخليج «بصمة آل العطية» على السياسة = الخارجية الجديدة لبلاده. لكن دون هذه المهمة عقبات عدة، أبرزها حرص الأمير تميم على مرحلة الخطوات التغييرية، بحيث لا يبدو وكأنه يقود انقلاباً صريحاً على والده، وثانيها أن العطية يحتاج إلى جهد كي يملأ الهالة العالمية الكبيرة التي كان يحظى بها سلفه في الخارجية. وثمة من يعتقد أن حرص الدوحة على إظهار دور واضح للعطية في حل ملف مخطوفي أعزاز جاء ليخدم فكرة تسليط الضوء العالمي عليه؛ وثالثها أن قطر تريد الانتقال من دور الطرف إلى دور الوسيط. وهي مثلما تحتاج إلى التمايز عن الرياض، إلا أنها لا تريد إغضابها بما يفسد مقبوليتها لدى المحور السعودي. وهذا ما يفسر حفاظها على تنويع خطواتها السياسية في هذه اللحظة؛ فهي من جهة تشارك السعودية في رعاية القرار لمحاسبة المسؤولين عن السلاح الكيميائي في سوريا الذي سيطرح على التصويت في اللجنة الثالثة في الجمعية العامة للأمم المتحدة المعنية بقضايا حقوق الإنسان، وفي الوقت نفسه تبدي محاولة لجسر علاقتها بالحكم الانتقالي في مصر من دون قطع علاقتها بالإخوان المسلمين وخصوصاً «حماس» التي أمضى رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل عطلة عيد الأضحى في الدوحة.
نصيحة الشيخ الصباح
وتلفت المصادر الخليجية إلى أن دولاً خليجية عدة بدأت إعادة تقويم لموقفها من سوريا. وكانت إرهاصات هذه المراجعة قد برزت أيضاً في الكويت، وعبّر عنها أميرها الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح خلال لقائه الرئيس الاميركي باراك أوباما نهاية آب الماضي بالتزامن مع نشوب أزمة التهديد الأميركي بتوجيه ضربة إلى دمشق. فقد نقل عن الشيخ الصباح أنه نصح أوباما «بعدم توجيه ضربة عسكرية إلى سوريا»؛ لأن الأمر سيترك تعقيدات أكثر مما سيسهم في حل الأزمة السورية.
ناصر شرارة
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد