سوريا: حكومة الحرب المقبلة.. تحديات تتعدى الأسماء
تتردد أسماء عديدة لتولي منصب رئيس الحكومة السورية الجديدة خلفاً لرئيسها الحالي وائل الحلقي، الذي انتهت مدة ولاية حكومته الدستورية بعد أداء مجلس الشعب الجديد القسم الدستوري.
ومن بين هذه الأسماء من هم خارج الأجواء الحكومية، أبرزهم الصناعي السوري وعضو مجلس الشعب الجديد فارس الشهابي، أو من واجهات حزب البعث، كالأمين القطري المساعد للحزب هلال الهلال، ومن هم من داخل الحكومة كوزير الكهرباء عماد خميس.
لكن اسم الذي سيُكَلّف بتشكيل الحكومة عادة ما يبقى سراً خاصاً برئيس الجمهورية بشار الأسد، وكما جرت العادة في العقود التي سبقت، يمكن أن تبقى أسماء الوزراء هي الأخرى سراً حتى اللحظات الاخيرة لما قبل الاعلان، لدرجة قد يُفَاجئ اصحابها بها، كما سبق وجرى مراراً.
ولدى السؤال عن بورصة الأسماء التي يجري تداولها، يأتي الجواب بعلامات استفهام على اعتبار أن أي تغيير لم يطرأ على الطريقة التي تختار بها القيادة السورية اعضاء الحكومة.
ولا يُنكر المسؤولون السوريون أن الصناعي فارس الشهابي هو من الوجوه الاقتصادية البارزة في سوريا، وصاحب شعبية كبيرة، كما أنه من الموالين بقوة للدولة السورية بوجهها الحالي. من جهته، ظلّ اسم الوزير عماد خميس من بين أبرز الأسماء دوماً في الحكومات التي سبقت كمرشح لترؤس إحداها، وذلك بسبب «نجاحه اللافت» في إدارة قطاع وزارته الأكثر تضرراً، إلى جانب قطاع النفط وقدرته في الحفاظ على الحد الأدنى من تأمين الطاقة الكهربائية عبر طواقم عمل تعمل في أسوأ الظروف الأمنية والاقتصادية.
ويمثل الخياران المتداولان في الشارع وجهان لمعضلة الحكومة السورية القادمة، أو على الأقل لتصورات العامة وربما المتخصصين أيضاً، لـ «كيف يجب أن تقاد حكومة الحرب الرابعة (بالنظر إلى رؤساء الحكومات منذ نيسان 2011)، ومن سيقودها؟».
وفي هذا السياق يمكن فهم النظر للشهابي، الحلبي، باعتباره من «المخلصين»، فهو من أبرز رجال الأعمال في سوريا، وصناعي بامتياز، وشريك في القطاع المصرفي السوري الناشئ، كما أنه من عائلة مرموقة وذات جذور اقتصادية واجتماعية في حلب، وقد صقل هذا الإرث بشهادات إحدى الجامعات الأميركية، قبل أن يصبح لاحقاً أحد «واجهات الدفاع عن الدولة» وأيضاً من أبرز منتقدي سياستها الحكومية، على اعتبار أن الكثيرين في سوريا، يفصلون بين الموقعين، الدولة والحكومة.
ويعتقد الشهابي أن جملة من القوانين الاقتصادية، التي يمكن أن تُيّسر العملية الإنتاجية، وتنعش المعامل، تستطيع الإقلاع بعجلة الاقتصاد ومكافحة حالة التضخم الرهيبة في سوريا. كما يكثر على صفحته على شبكة التواصل الاجتماعي «فايسبوك» من انتقاد «انتشار الفساد والكسل في مجابهته»، ويحظى للأسباب السابقة بواجهة شعبية ملحوظة.
من جهته، لا تساعد نظمُ التقنين الكهربائي الشديد في سوريا، الوزير المهندس عماد خميس، حين يأتي الأمر لـ «الشعبوية». وتتراوح ساعات التقنين في المناطق التي تحظى بخدمة الكهرباء المتقطع، لا المنقطع، بساعتين كهرباء مقابل أربع ساعات من دونها. لكن يجب الإقرار بأن الواقع الذي يسمح بساعتين من الكهرباء، على قلّتها، هو واقعٌ صنعه فريق هام من الإداريين والمهندسين والعمال تحت ادارة خميس، اعتماداً على بنية لوجستية هامة وفي ظروف أمنية خطرة للغاية.
ووفقاً لأرقام وزارة الكهرباء العام الماضي، فقد فَقَد 280 عاملاً حياتهم أثناء الخدمة، وجرح 183 وفقد 49، فيما فاقت الخسائر الـ600 مليون دولار، من دون أن تتوقف المعركة من أجل تأمين الضوء والطاقة، ومن دون أن تتراجع محاولات إحلال الظلام هي الأخرى. ورغم أن شح الكهرباء يرتبط أيضاً بنقص امدادات الطاقة ولا سيما الغاز، إلا أن الوزارة حافظت على نجاحها في التحدي لتأمين الطاقة حين تتوفر أقل المتطلبات اللوجستية الضرورية.
لكن الحكومة المقبلة، والتي ربما يتأخر اعلانها لما بعد شهر رمضان (مع احتمال أن يظهر التكليف قبل ذلك، مع ترك مساحة لـ «المشاورات» كما جرت العادة مؤخراً)، لن يكفيها رئيس وزراء مميز أو شعبي، حتى تقفز قفزة كبيرة نحو الامام، كما لن يرضي الجمهور المنتظر قياديٌ من حزب البعث، من دون خلفيات خدمية أو مشروع اقتصادي.
وكان الرئيس بشار الأسد في خطابه أمام مجلس الشعب، دعا الحكومة المقبلة لاستصدار قوانين «تسرّع وتيرة الدورة الاقتصادية»، الأمر الذي قال إنه سينعكس ايجاباً على وضع العملة الوطنية. وتساءل الاسد حينها «ما هي الإجراءات الممكنة؟ ما هي القوانين الجديدة؟ ما هي الأشياء التي تتناسب مع المرحلة التي نمر بها الآن؟ نحن نمر بمرحلة عمرها الآن خمس سنوات، يعني لم تعد مرحلة جديدة لكي نبدأ بالتفكير من الصفر. أصبحت لدينا خبرة في هذا الموضوع»، مطالباً المجلس الجديد والحكومة المقبلة بالبحث عن «التشريعات والإجراءات» التي يمكن ان تساعد في تنشيط الاقتصاد.
وكما بات معروفاً، اضطرت الحكومة قبل ايام من رحيلها لتمرير دفعة جديدة من قرارات رفع الأسعار، ودافعت عن القرار أمام مجلس الشعب الجديد باعتبار أنه «خيار لا بد منه».
وكرّر وزير النفط والثروة المعدنية سليمان عباس أمام الاعضاء الجدد ما يعرفه الجميع، وهو أن «هناك حاجة إلى 2.4 مليار دولار سنوياً لتأمين احتياجات قطاع النفط، ويتم تأمين جزء منها من الخط الائتماني الإيراني لشراء المشتقات النفطية المطلوبة في حين بلغت خسائر هذا القطاع جراء الأزمة حتى نهاية الربع الأول من العام الحالي نحو 62 مليار دولار»، مشيراً إلى أن الارتفاع الأخير في الاسعار العالمية ضاعف من صعوبة الحفاظ على السعر «المدعوم». وقال وزير الاقتصاد همام الجزائري إن رفع الاسعار «إجراء إجباري» و «ليس خياراً».
وللأسباب السابقة، ونتيجة للحرب ايضاً والحصار الاقتصادي الذي تعانيه البلاد رسمياً، فإنه وفقاً لمسؤولين مطلعين على العمل الحكومي في الأعوام الماضية، «لن يكون سهلاً على أي طاقم حكومي تفادي فرض ارتفاع تدريجي في الاسعار» تماشياً مع حالة التضخم القائمة، كما «لا تتحمل الحكومة وحدها حالة الفساد المستشري في القطاعات الحكومية والموازية»، وبالطبع تتعدى حالات الفساد المرتبطة بانتشار الفوضى المسلحة اختصاصها ايضاً.
رغم ذلك، يتوجه المنتقدون إلى الحكومة دوماً كونها واجهة العمل العام والتنفيذي، لا سيما أن ثمة قرارات تصدرها من الصعب الدفاع عنها، ومن بينها ما نشر مؤخراً عن قرارها القاضي بسحب 81 سيارة من جهات حكومية عدة، وذلك «لغاية الحفاظ على المال العام» على اعتبار أن هذه السيارات «تندرج ضمن إطار الرفاهية الزائدة، وبالتالي (تتسبب) بالهدر واللامبالاة»، وذلك بعد سنوات على عملها، وقبل أيام (إن لم يكن ساعات) من انتهاء تكليف الحكومة واستبدالها بأخرى.
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد